شنقريحة في بكين: الجزائر تعدّل بوصلة التسليح نحو الصين

يؤدي قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة زيارة إلى الصين تدوم عدة أيام ويجري خلالها مشاورات ومعاينات لما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية في الصين.

ولا يستبعد أن تكون الزيارة فاتحة عهد جديد بين البلدين في مجال التسليح، بعدما ظل حكرا على السوق الروسية، خاصة في ظل الجدوى التي باتت تثبتها السوق الصينية، فيما يمر القطاع العسكري الروسي بظروف صعبة نتيجة الحصار الأوروبي – الأميركي واستنزاف قدراته في الحرب الأوكرانية.

والتقى شنقريحة، خلال الجولة التي يقوم بها في الصين، بمسؤولي شركتين صينيتين مختصتين في مجاليْ الصناعات العسكرية والإلكترونيات الدفاعية، وقدما له عرضا عن المراحل المتطورة التي بلغتها الشركتان، وتحكمهما في التكنولوجيا العسكرية.

وذكر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أنه خلال اليوم الأول من زيارته إلى الصين عقد شنقريحة جلسة عمل موسعة مع مسؤولي الشركة الصينية “بولي تكنولوجيز” المختصة في الصناعات العسكرية، و”تابع عرضا مفصلا حول آخر منتجات وصناعات هذه الشركة، كما استمع إلى شروحات واسعة حول التطور الذي تشهده الصين في هذا المجال”.

الجزائر التي ظلت تشكل زبونا كبيرا للسلاح الروسي تريد تعديل بوصلتها بالانفتاح على أسواق أخرى وأُولاها الصين

وأضاف البيان أنه كان لشنقريحة والوفد المرافق له لقاء آخر مع مسؤولي الشركة الحكومية الصينية (ستاك) المختصة في الإلكترونيات الدفاعية، وأنه “تلقى عرضا حول عمل الشركة وخبرتها في مجال الدفاع والصيانة وكذا سبل التنسيق والتعاون، تعزيزا للشراكة الإستراتيجية بين الجزائر والصين”.

وجاءت زيارة قائد أركان الجيش الجزائري إلى الصين في خضم توجه داخل المؤسسة العسكرية يدفع إلى انتهاج سياسة أكثر انفتاحا على أسواق السلاح في العالم، والاستفادة من مختلف الخبرات والتجهيزات المتطورة، بدل البقاء في حالة تبعية للسوق الروسية.

ورصدت الجزائر خلال الموازنة المالية الجارية نحو 23 مليار دولار لصالح قطاع الدفاع، بغية تغطية النفقات والصفقات التي كانت قيد التوقيع مع مسؤولين روس، قبل أن تدخل الضغوط الغربية على خط العلاقات الجزائرية – الروسية، وتحذر الجزائر من مغبة إبرام صفقات تسليح ضخمة مع روسيا، مما يسمح لها بتوفير سيولة مالية معتبرة قد تساعدها على إجهاض حزمة العقوبات المطبقة عليها من الأوروبيين والأميركيين بسبب الحرب في أوكرانيا.

ولا تستبعد مصادر مطلعة أن يحافظ قطاع الدفاع الجزائري على سقف التمويل نفسه خلال موازنة العام القادم التي من المنتظر أن ترتفع إلى نحو 110 مليارات دولار، الأمر الذي يجسد حمى التسليح لدى القائمين على الشأن العسكري في البلاد، بدعوى الاستعداد للمخاطر المحدقة بالبلاد، خاصة وأن حدودها واقعة تحت توترات عسكرية وأمنية لافتة.

ويبدو أن الجزائر التي ظلت تشكل زبونا كبيرا لسوق التسليح الروسية طيلة العقود الماضية، حيث يرتبط البلدان بصفقات وصفت بـ”الضخمة”، تريد تعديل بوصلتها بالانفتاح على الأسواق الأخرى، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها روسيا التي صارت لا تستطيع توفير طلبيات الجزائر، وعدم الجدوى الذي ظهر على بعض الأنواع من الأسلحة في حربها على أوكرانيا، على غرار الطائرات المسيرة، إذ صارت تستعين بالصناعات الإيرانية.

وينتظر أن تمهد زيارة قائد أركان الجيش الجزائري إلى الصين لإبرام صفقات تسليح تتعلق بأنواع محددة، خاصة تلك التي تعتمد على التكنولوجيا الدقيقة، لاسيما أن التوترات العسكرية المستجدة في العالم أثبتت توجه الحروب القادمة إلى أسلحة خفيفة ومتطورة كما هو شأن الطائرات المسيرة، بينما تتجه حظوظ الأسلحة الثقيلة إلى التراجع بسبب كلفتها الباهظة وعدم قدرتها على حسم المعارك والمواجهات العسكرية.

وتتجه القيادة العسكرية الجزائرية إلى استغلال ظروف الإنتاج التي يمر بها الروس، بسبب الحرب الأوكرانية، والبحث عن بدائل وشركاء جدد في مجال التسليح، بغية التخلص من التبعية المتوارثة، وتحقيق ظروف تموين أحسن عبر أسواق جديدة أثبتت جدارتها في هذا المجال.

وكانت العاصمة الجزائرية قد احتضنت خلال الأسبوع الجاري جلسة توقيع على برنامج العمل المشترك لعام 2024، بين وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية وأكاديمية الصين الوطنية للحوكمة بهدف تعزيز التعاون بين الهيئتين في مجالات التدريب والتكوين وتبادل المعارف وتنظيم الورشات المشتركة.

وقد تم التوقيع على البرنامج من قبل الأمين العام لوزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية العربي مرزوق، ونائب الرئيس التنفيذي للأكاديمية الصينية غونغ ويبين. وأوضح الأمين العام للوزارة أن التوقيع على البرنامج المشترك بين الجزائر والصين يعد “سانحة لتعزيز وإثراء نشاطات التعاون في مجال التكوين وتبادل التجارب والخبرات بين البلدين”.

وأضاف أن زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى الصين في يوليو الماضي “دليل على عراقة علاقات التضامن والتعاون التي تربط البلدين، وأن هذه الزيارة عرفت نجاحا كبيرا على مختلف الأصعدة وكللت بالاتفاق على تكثيف كافة أشكال التشاور السياسي وتعميق الشراكة الاقتصادية وتعزيز التبادلات بين البلدين في مختلف المجالات”. وبدوره أكد غونغ ويبين أن بلاده “تقدر عاليا شراكتها مع الجزائر”، وتوقع “مجالات أوسع للتعاون بين البلدين في المستقبل القريب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: