الانتخابات البلجيكية : الجالية تختار جلادها بنفسها

أًشفقُ على مغاربة العالم ببلجيكا من يُحَمِّلون نتائج الانتخابات أكثر مما تحتمل، ويُشغلون أنفسهم بالتحليل والدراسة، ويبنون عليها استنتاجات وتوقعات وتنبؤات مستقبلية، وربما يُدِبّون الصوت ويحذرون ويعلنون ارتباطهم بمرشح أو حزب، وبعضهم يقيم الأفراح والليالي الملاح، ويبشر بالغد المشرق والمستقبل الزاهر.

إنَّ الانتخابات لا تعبر عن وزن أو شعبية أو وعي أو توجه أو قناعات. وواهم من يظن غير ذلك، ويرى فيها تعبيراً عن توجهات الشارع، أو قناعات الناخبين، أو شعبية حزب أو تيار معين.

فالانتخابات في الحقيقة مجرد لعبة، بل لعبة قذرة، يفوز فيها الحزب الذي  يتقنها، وشروط إتقانها التحايل والالتفاف على الجالية المغربية ، ومعرفة خفاياها ونقاط ضعفها وثغراتها وتعدد تفسيراتها،  وهي تتطلب مهارة شيطانية على اللعب على كل الحبال، والقفز من طرف إلى آخر، وتغيير التحالفات حسب اتجاه الريح وقوة الموج، والمرونة في تنفيذ الخطط، والقدرة الفائقة على تحريك القلاع والفيلة والأحصنة، والتحكم في تنقلات الجنود بما تتطلبه الظروف والمصالح، واستغلال أخطاء الخصم ونقاط ضعفه وضربه في مقتل!


إنَّ الانتخابات في بلجيكا لا تعدو أن تكون عملية تزوير لإرادة المواطنين، أو تغييب لوعيهم، ولا تختلف انتخابات عن أخرى إلا بدرجة التزوير أو التغييب أو كليهما معاً. وإلا فما معنى أن يفوز مرشح من اصول مغربية ليس لعمله و لكن لأصله ، وفي المقابل تستغله الاحزاب في سباقها الانتخابي لإستقطاب اصوات المهاجرين المغاربة ، وهو يجر جاليتنا إلى الهاوية، وسجله حافل بالفشل والتخلف لأعظم المنتخبين الذين يشغلون وظائف مهمة في البرلمان و في البلديات ببروكسيل؟!

إنَّ نتيجة  الانتخابات ببروكسيل تحسمها بعض الوجوه و رؤساء الجمعيات الذين يبيعون  ضميرهم لبعض المرشحين بوعود المساعدات المالية دون النظر للصالح العام و رغم الفشل الذريع في السنوات الاخيرة لهؤلاء المنتخبين .

و من هنا  تصبح العملية برمتها عملية تزوير فاضح لإرادة الناخبين وتعدٍ على حريتهم، وفرض الوصاية عليهم، و تحسمها العواطف وخاصة الدينية والحسابات العشائرية والمناطقية ولغة المصالح في تغييب واضح لوعي الناخبين واستغلال لعواطفهم، وكلا الطرفين الناخب و المنتخب  يعتمدان على طبائع القطيع؛ إذ تتصف الشعوب بالبساطة وتتقن الطاعة والانقياد الأعمى والخوف وتغليب المصلحة الشخصية والبعد عن المشكلات والمشاكسات.

وللأسف، فإنَّ جميع الأحزاب والتيارات ببلجيكا على اختلاف اسمائها وأفكارها، لا تختلف عن بعضها بعضاً في ممارسة اللعبة الانتخابية، ويتجلى ذلك في استغلال عواطف مغاربة بلجيكا ،واستثارة مخاوفهم، والعزف على الأوتار الدينية أو الإقليمية أو العشائرية، وإسالة لعابهم لما ينتظرهم من مكاسب ومنافع. ولعل أهم شروط اللعبة الانتخابية هي أن لا تُمارس بشرف، وأن تكون بلا أخلاقيات أو مشتركات، وأن تعتمد لغة التخوين والاتهام والتكفير والإقصاء والفجور، وأن تنظر إلى المنافس على أنه الآخر عدو الدين  و لا يستحق الرحمة،على اعتبار أنَّ الانتخابات هي ساحة حرب شرسة لا تحتمل القسمة على اثنين، والفوز يجب أن يكون لطرف دون آخر، وإن حدث ولم يكن النصر فاقعاً لطرف دون آخر، تدخل مرحلة التأزيم، ووضع العصي في الدواليب، والمناكفات، والمشاحنات، وتخريب كل طرف على الآخر، فيمارسون كل شيء إلا الالتفات إلى مصالح ناخبيهم، وممارسة الوظيفة التي أُنتخبوا على أساسها ومن أجلها.

لا تختلف اللعبة الانتخابية بين الحزب الاشتراكي(PS)  و حركة الاصلاح ( MR ) بشكل أقل قتامة،وبذكاء أسود، وقدر كبير من السحر، وإلا كيف يفوز مرشح لعدة دورات دون تقديم أي شيء للجالية ؟!

ولكن ثمة حقيقة صادمة وهي استغلال بعض الجمعيات للدعاية الكاذبة و قد تدعم وتعمل على فوز الحزب أو الشخص غير المرغوب ليحقق المطلوب، أو لتدميره والقضاء عليه بإثبات فشله وقلة بضاعته، وخاصة في الظروف الصعبة عندما يعلو الموج، أو تظلم الآفاق!

إنَّ مقولةلنحتكم إلى الصناديقمقولة حق يراد بها باطل، لأن هذه الصناديق تتقاذفها الأهواء ومراكز القوى، وتمتلئ بكل الأكاذيب والسخافات والشعارات الوهمية قبل أن تدخلها أوراق الاقتراع، التي تطفو على السطح زبداً لا ينفع الناس! إنَّ ما يُوضع في صناديق الاقتراع هي المرحلة الأخيرة والأقل أهمية من مراحل اللعبة الانتخابية، لأنَّ ما يسبقها هو الذي يتحكم فيها ويفرزها، سواء أكانت ضغوطات  إعلامية أو عشائرية أو عواطف دينية أو مصالح وحسابات شخصية أو مخاوف وشكوك أو أوهام ومظاهر خادعة.

إنَّ الاحتكام إلى عمل المرشح و خدمته لقضايا الجالية هو الأصل، وهو الأساس المتين لعملية الانتخابات النظيفة، عندما يتسابق جميع المرشحين لخدمة مغاربة بلجيكا ورعاية مصالحهم وتوفير الحياة الكريمة لهم، ولا يسعون إلا للتمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين وآمالهم، وهذا لا يتأتى إلا عندما تكون عقلية جميع المرشحين عقلية تكامل لا عقلية تفاضل، وعقلية تعاون لا عقلية إقصاء واستبعاد، وعقلية الصديق لا عقلية الآخر، وعقلية خدمة الناخبين لا ركوب ظهورهم، وعقلية الارتقاء بالناخبين لا عقلية الاستخفاف بهم والضحك على ذقونهم، وعقلية الناخب له حق المحاسبة، لا عقلية أنه مجرد رقم انتخابي لا قيمة له، والرقم يُحسب ولا يُحاسِب!

وبعد، فعلى الرغم من الصورة القاتمة للانتخابات على مختلف مستوياتها سواء أكانت بلدية او برلمانية وغيرها، فثمة ميزة لا يمكن إنكارها، وإلا كنا سوداويين يائسين، ألا وهي حرية اختيار من يركبنا ويستغلنا ويصعد على ظهورنا، وله افائدة لا ينكرها إلا جاحد، وهي إنتاج طبقات من الأسياد المرشحة للتسلط علينا وامتصاص دمنا في المستقبل القريب والبعيد!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: