تمثل مبادرة حركة “صحراويون من أجل السلام” لتسوية نزاع الصحراء المغربية الممتد منذ عقود خيارا ثالثا يكسر المقاربة الجامدة التي تتمسك بها جبهة بوليساريو الانفصالية والتي أثبتت على مدى سنوات فشلها. واستطاعت الحركة في ظرف وجيز تشكيل أنصار دوليين لمبادرتها القائمة على فتح قنوات تواصل مع الرباط والقبول بالمقترح المغربي للحكم الذاتي.
داكار – تدفع حركة “صحراويون من أجل السلام”، وهي حركة منشقة عن جبهة بوليساريو، إلى الحوار مع المغرب وقبول طرحه للحكم الذاتي كحل واقعي لتسوية قضية الصحراء المغربية، بعد أن استطاعت الحركة كسر احتكار بوليساريو لتمثيل الصحراويين وفرض مقاربة جامدة لحل الصراع.
وعقدت الحركة الجمعة السابع والعشرين من أكتوبر، مؤتمرها الدولي الثاني للحوار والسلام في العاصمة السنغالية داكار بمشاركة شخصيات بارزة من أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، أهمها وزير الدفاع السابق ورئيس البرلمان الإسباني السابق خوسيه بونو، ورئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو وأحمد فال رئيس شبكة الوحدة من أجل التنمية الموريتانية.
ويلقى طرح حركة “صحراويون من أجل السلام” لحل قضية الصحراء دعم العديد من الشخصيات السياسية ذات الصلة بالملف، كونه يتبنى منهج الحوار مع الرباط ويقدم مقاربة برغماتية للحل النهائي خلافا لطرح حركة بوليساريو الانفصالية التي فشلت مقاربتها الراديكالية المدعومة من الجزائر في تحقيق أي اختراق على مدى عقود.
ونتيجة لتعنت جبهة بوليساريو يعاني الشعب الصحراوي من انعدام الأمن والفقر والخصاصة والمعاملة غير الإنسانية داخل مخيمات تندوف الجزائرية وهي حقائق وثقتها ونددت بها الهيئات الأممية. وفي مؤتمرها التأسيسي وضعت حركة “صحراويون من أجل السلام” اقتراحا لحل سياسي وصفته بالواقعي والقابل لإنهاء نزاع الصحراء والدفاع عنه أمام الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية، من خلال صيغة تقوم على إنشاء “كيان صحراوي له حكومته الخاصة القادرة على توفير وضمان الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للصحراويين.
هذا الأخير يجب عليه أن يتوافق مع معايير تقرير المصير المنصوص عليها من قبل الهيئات الدولية. إذ سيوفر نظاما سياسيا ديمقراطيا متعدد الأحزاب يتمحور حول سلطة تنفيذية ومجلس تشريعي وسلطة قضائية لها علاقات خاصة مع المملكة المغربية من خلال قانون خاص. وسيحدد نظامه الأساسي الوضع النهائي للإقليم، من خلال الحوار المباشر أو الوساطة الدولية”.
ووجد هذا الطرح صدى إيجابيا في الأوساط السياسية المغربية التي رأت فيه تقاطعا واضحا مع أطروحة الحكم الذاتي. وعلى الرغم من أن الحركة التي تأسست قبل ثلاث سنوات لم تنجح حتى الآن في إقامة علاقات مباشرة مع الرباط ، إلا أن زعيمها الحاج أحمد باريكالا يأمل في أن “يكون الحوار مع المغرب ممكنا، أو أن يتم إدراج الحركة ومطالبها في العملية السياسية الحالية بقيادة أو توجيه من الأمم المتحدة”.
ورحب ثاباتيرو خلال مشاركته في المؤتمر الثاني لحركة “صحراويون من أجل السلام” بمبادرة الحركة لإقامة حوار حقيقي مع المغرب من أجل مصلحة الشعب الصحراوي، مبني على التبادل والتفاهم دون اللجوء إلى المواجهة والقوة.
وقال إن ما يميز حركة “صحراويون من أجل السلام” هو “السلام والاتفاق، مما يعني الصبر والعزم والقدرة على الغفران ورؤية المستقبل، بالإضافة إلى القدرة على المناقشة دون اللجوء إلى الصراع أو القوة على عكس الآخرين”، في إشارة إلى جبهة بوليساريو الانفصالية.
ودعا رئيس الوزراء الإسباني السابق إلى تنظيم حوار مثمر مع المغرب لحل مشكلة الصحراء، مشيرا إلى أن حركة “صحراويون من أجل السلام” يمكن أن تقود الشعب الصحراوي نحو إقامة حكم ذاتي يمكن من خلاله حل مشكلات النواحي الاجتماعية وحقوق الإنسان ووحدة الشعب الصحراوي، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر السياسية مع الدول والمشاركة في مناقشات مع المجتمع الدولي.
ومن جهته، سلط خوسيه بونو الضوء على تأثير الأحكام المسبقة ووسائل الإعلام على تصور المجتمع الدولي لقضية الصحراء، مؤكدا أن “فهمه للصحراء كان نتيجة لأفكار مسبقة بلا معلومات”، وأن “رأيه تأثر بشكل رئيسي بثلاثة عوامل”، بما في ذلك “المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام في بلاده”، و”العواطف التضامنية التي أثارها المئات من الأطفال الصحراويين القادمين إلى إسبانيا لقضاء عطلاتهم”، وأيضا “ذكرياته مع زعماء جبهة بوليساريو من عام 1975 الذين كانوا على اتصال معه”.
وأشار وزير الدفاع الإسباني السابق إلى تجربته في الصحراء المغربية، مؤكدا أنه “لم ير، هو وزملاؤه، أرضا أو سكانا يناضلون من أجل تحريرها”، مع التأكيد على “مشاركة الصحراويين في الحياة السياسية في المنطقة”، و”مشاركتهم في الانتخابات المغربية لعام 2021 التي تجاوزت المعدل الوطني في المغرب”، بالإضافة إلى “مستوى التنمية في الصحراء”.
وأكد أن “جميع دول شمال أفريقيا لديها صحراء خاصة بها”، وبالتالي “إذا كنا نتحدث عن الشعب الصحراوي، يجب علينا الإشارة إلى سكان هذه المنطقة بأكملها، ما لم نرغب في الحديث فقط عن الصحراء المغربية، أي 3 في المئة من المساحة الإجمالية للصحراء (266.000 كيلومتر مربع مقابل 9 ملايين كيلومتر مربع)”.
ولاحظ أيضا أن “اعتراف الاتحاد الأفريقي ببلد غير معترف به من قبل الأمم المتحدة هو تغيير غريب لا يحدث في أي منظمة دولية أخرى”، وسأل عما إذا كان “ممكنا إنشاء دولة مستقلة لعشرات الآلاف من الأشخاص، كثيرون منهم من دول أخرى في المنطقة”.
وسلطت مداخلة بونو الضوء على الأمور المختلفة التي يعاني منها اللاجئون الذين يعيشون في مخيمات تندوف الجزائرية، مشيرا إلى أن “7.6 في المئة منهم يعانون من سوء التغذية الحاد”، و”28 في المئة يعانون من تأخر في النمو”، و”50 في المئة من الأطفال يعانون من فقر الدم”، وأن “فقط 1 في المئة من اللاجئين يتمكنون من الالتحاق بالجامعة”.
ودعا زعماء القارة إلى دعم مبادرة سياسية لوضع حد لمعاناة السكان، مضيفا أن لدى الأفارقة خيارين: “دعم مجموعة من الصحراويين الذين يرغبون في إقامة دولة قليلة الاستدامة لعشرات الآلاف من الأشخاص، دولة يرغبون في تأسيسها على أساس عرقي، مع الصدى العنصري والكراهية للأجانب التي تنطوي عليها هذه الدعوى”، أو “دعم حل للحكم الذاتي المتكامل الذي يهدف إلى التعايش والازدهار وكرامة مواطنيه”.
وقال أحمد فال، رئيس شبكة الوحدة من أجل التنمية الموريتانية، وهي شبكة غير حكومية حاصلة على الصفة الاستشارية الخاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إنه يأمل في أن تكون مبادرة “صحراويون من أجل السلام” بداية طريق لحل دائم وشامل لقضية الشعب الصحراوي الذي عانا ولايزال.
وأضاف فال خلال مداخلته في المؤتمر الثاني لحركة “صحراويون من أجل السلام” أنه يدعم الجهود المبذولة من أجل حل سلمي مبني على أسس القوانين الدولية وفق مبادرة الحكم الذاتي والتي لاقت دعما دوليا وإقليميا، داعيا دول المغرب العربي إلى الانخراط في الجهود المبذولة والداعية إلى مفاوضات سلام تنتهي باتفاق يمهد للحكم الذاتي لينهي معاناة الشعب الصحراوي.
وتزامنا مع انعقاد المؤتمر الثاني لحركة “صحراويون من أجل السلام” في داكار، أعلن مجموعة من الصحراويين اللاجئين بمخيمات تندوف والمنحدرين الأصليين من الصحراء المغربية في بيان للرأي العام، انضمامهم إلى الحركة ومساندتهم لها في كل مبادرة تتخذها بهدف التوصل إلى حل سلمي للنزاع.
وجاء في البيان “نحن مجموعة لقد اتخذنا هذه الخطوة بعدما تتبعنا، عن كثب، أنشطتها وتم اقتناعنا التام بجدية أهدافها وحسن مساعيها الحميدة في البحث عن حل سلمي لنزاع الصحراء. الحل الذي يضمن جمع الشمل لعائلاتنا وإنهاء معاناتها”. وأضاف البيان “هذا الحل نريده توافقيا بين أبناء الصحراء باختلاف انتماءاتهم القبلية والسياسية بعيدا عن المزايدات والنزاعات المدمرة التي أنهكتنا وأطالت مأساتنا لمدة نصف قرن من الزمن”.
ودعا البيان “كل شيوخ وأعيان الصحراء المغربية الذين يعرفون كيف بدأ النزاع والنزوح من الغرب إلى الشرق لكي يقوموا بدورهم في ربط الاتصال بينهم من أجل تحريك عجلة التقارب والحوار البناء”. وتتوالى اعترافات الدول بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، ودعم مقترح الحكم الذاتي، الذي تعرضه المملكة كـ”حلّ وحيد” للملف العالق منذ عقود. وقبل الاعتراف الإسرائيلي مؤخرا، أعلنت دول عديدة اعترافها هي الأخرى بمغربية الصحراء. وكان على رأس تلك الدول، الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها السابق دونالد ترامب أنه يدعم سيادة المغرب على الصحراء.
وتعزّز الموقف المغربي مؤخرا بإعلان إسبانيا هي الأخرى تأييد مقترح الحكم الذاتي، وهي الخطوة التي فتحت الباب أمام تطبيع علاقات البلدين، بعد أزمة دبلوماسية حادة دامت نحو عام. وبعد أن التزمت الحياد لعقود، باتت مدريد تعتبر أن خطة الحكم الذاتي هي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” في الصحراء المغربية.
وفي المجموع، أبدت أكثر من أربعين دولة تأييدها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو ما تبين من خلال المشاركة الواسعة في المؤتمر الوزاري الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في الخامس عشر من يناير 2021، بدعوة من الولايات المتحدة والرباط. ومن بين الدول العربية التي شاركت في المؤتمر، السعودية والإمارات ومصر والبحرين والكويت والأردن وعمان واليمن.
وبالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة وفرنسا، شاركت بعض الدول الأفريقية في الحدث لإبداء دعمها للمقترح المغربي، ومنها السنغال، الغابون، غامبيا، غينيا، زامبيا، توغو، جزر القمر، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، ملاوي، ليبيريا، ساحل العاج، جيبوتي، جمهورية أفريقيا الوسطى، الكونغو الديمقراطية، بوروندي وبنين.
وإلى ذلك، دعمت المقترح المغربي أيضا كل من غواتيمالا، هايتي، أنتيغوا وبربودا، ساو تومي وبرينسيبي، سانت لوسيا، جمهورية الدومينيكان، بربادوس، جامايكا، جزر المالديف، السلفادور وسوازيلاند (إسواتيني). وترجمت عدة دول اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء بفتح قنصليات بالإقليم المتنازع عليه.