دول عربية تنتظر تسهيلات السيولة من خلال مؤتمر مراكش

تراقب دول عربية، مثل تونس ومصر، اجتماعات صندوق النقد الدولي في مراكش على أمل أن يعدل الصندوق شروطه وأن تنالها حصة من 100 مليار دولار جديدة ستضخ قروضا للدول الفقيرة.

يأتي هذا في وقت أشادت فيه المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا بقدرة المغرب على تجاوز آثار الزلزال.

وتنتظر تونس ومصر معاملة أفضل تجمع بين القروض وتسهيلات السيولة الطارئة والائتمان ما يمكنهما من تجاوز الصعوبات التي تعيشانها خاصة مع تشدد الصندوق بشأن الإصلاحات المطلوبة وعدم مراعاة الظروف الداخلية لكل بلد.

وسبق للصندوق أن أبدى مرونة تجاه المغرب مثلا وسمح له بسيولة طارئة، حيث منحه في 2018 “خط وقاية وسيولة” بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مرحبا “بالتقدم الكبير” الذي حققه.

كما أعلن الصندوق، الشهر الماضي، عن قرض بقيمة 1.3 مليار دولار للمغرب لتمكين المملكة من تمويل تحولها البيئي وتعزيز قدرتها على مواجهة الكوارث الطبيعية والمناخية.

 

محمد صالح الجنّادي: لا بدّ أن يمدّ الصندوق يد المساعدة لمعالجة الأزمات الاقتصادية

وكان الصندوق أعلن أنه تمّ تخصيص مئة مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للدول الفقيرة، وهي أصول احتياط لصندوق النقد الدولي يمكن استخدامها للتنمية والتحوّل المناخي.

وتوصلت تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لكنه ظل معلقا منذ نحو عام بسبب خلاف في نقاط تخص الإصلاحات، ومن بينها أساسا نظام الدعم الحكومي وإصلاح المؤسسات العمومية.

ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيد شروط الصندوق، وخاصة ما تعلق برفع الدعم عن المواد الأساسية، ويعتبرها “إملاءات” ولا يمكن القبول بها كونها من “الخطوط الحمراء” التي يمكن أن تهدد الاستقرار الداخلي للبلاد.

ويرى مراقبون تونسيون أن الصندوق يمكن أن يتخلى عن تشدده تجاه تونس، وأن يمنحها سيولة تساعدها على الانطلاق في إصلاح وضعها المالي بشكل عاجل، ولاحقا يمكن التفاوض على الإصلاحات والشروط التي يطلبها، معتبرين أن عدم صرف القرض لا يخدم تونس ولا الصندوق.

وقال الخبير المالي والمصرفي التونسي محمد صالح الجنّادي “من واجب الصندوق أن يموّل تونس وغيرها، وهذا دوره، فضلا عن تعديل الموازنات المالية للدول الضعيفة ودفع الاستثمار فيها”.

وأضاف في تصريح له أن “الشروط التعديلية التي طلبها الصندوق من تونس لا تستقيم، ولا بدّ من معاملة أخرى من الصندوق لتونس أفضل مما هي عليه الآن، وأن يمدّ يد المساعدة لمعالجة الأزمات الاقتصادية”.

وفي يونيو الماضي قالت الرئاسة التونسية إن الرئيس سعيّد أبلغ المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بأن شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي لبلده تهدد بإثارة اضطرابات أهلية، وأن “وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي لتونس غير مقبولة، لأنها ستمس بالسلم الأهلية التي ليس لها ثمن”.

لكن أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي يقول في تصريح لـ”العرب” إن “الرؤية لا تزال غير واضحة بالنسبة إلى تونس، ومازلنا لا نعرف هل خطاب الرئيس سعيد بشأن الصندوق موجّه إلى الداخل أم هو موقف رسمي”.

ويختلف الوضع بالنسبة إلى مصر بشأن عناصر الخلاف مع الصندوق، ومن بينها مسألة تعويم الجنيه التي يرى الصندوق أنها ضرورية، وأن مصر سوف “تنزف” احتياطاتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى.

 

وخفضت مصر قيمة عملتها 3 مرات منذ أوائل عام 2022، وخسر الجنيه ما يقرب من نصف قيمته أمام الدولار.

وقالت غورغييفا إن “مصر تؤخر أمراً لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام (خفض قيمة العملة) بذلك مرة أخرى، وكلما طال الانتظار أصبح الأمر أسوأ”.

واعتبر خالد الشافعي مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية بالقاهرة أن الاجتماعات الحالية ستشهد مفاوضات من جانب المسؤولين في مصر وتونس مع صندوق النقد الدولي بهدف تطبيق التسهيلات، والاستفادة من مرونة بدأت تلوح في المعاملة على أرض الواقع، والتي يجب أن تترجم في تقديم تمويلات.

 

خالد الشافعي: القاهرة ترغب في تمويل عاجل مقابل إرجاء تحرير سعر الجنيه

وأضاف في تصريح لـه أن “القاهرة ترغب في الحصول على تمويل عاجل مقابل إرجاء تحرير سعر صرف الجنيه لأطول فترة ممكنة، وتأمل أن يوافق الصندوق على هذا التوجه، كما ترغب تونس في الحصول على قرض مقابل روشتة إصلاح داخلية من دون أن تواجه عقبات في سبيل تحقيق ذلك”.

وأكد مجدي شرارة أستاذ إدارة الأعمال بالقاهرة أن الاجتماع من الصعب أن يخرج بتوصيات ترضي كلا من مصر وتونس، لأنه يفرض شروطا قاسية ويجبر الدول على اتباعها، ولا بد من وجود وساطة دولية مؤثرة لتلبية رغبات البلدين.

وأقر في تصريح لـه بضرورة الضغط من جانب المسؤولين في مصر وتونس مع وساطة عربية، من قبل المغرب، خلال هذا الاجتماع لحصول البلدين على حزمة تمويل سريعة، مع مراعاة الظروف الداخلية والتحديات الخارجية التي تواجهها الدول، بحيث لا يتخذ المسؤولون قرارات قاسية يمكن أن تضر بشريحة من المواطنين.

وانطلقت الاثنين في مراكش أشغال الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بمشاركة 14 ألفا من نخبة من الاقتصاديين والخبراء الماليين من مختلف دول العالم، يقودهم وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية، وذلك لمناقشة الرهانات الكبرى المرتبطة، على الخصوص، بسياسات التمويل والنمو الاقتصادي والتغير المناخي.

وسيمكن هذا الحدث العالمي صناع القرار الاقتصادي والمالي من الوقوف عن كثب على إنجازات المغرب والتقدم الذي حققه في مختلف المجالات.

ووصفت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي المغرب بأنه “فاعل اقتصادي تزداد أهميته يوما بعد يوم وممر نحو أفريقيا والشرق الأوسط”، مضيفة أن “المغرب مكان مثالي لتنظيم الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي، والتي تشكل أحد أهم التجمعات لأبرز صنّاع القرار الاقتصاديين في العالم وأكثرها انفتاحا. إننا ممتنون للمغرب لقبوله تنظيم هذا الحدث”.

وعلى هامش مشاركتها في الاجتماعات السنوية، قالت غورغييفا “وجودنا هنا في مراكش دليل على أن المغرب استطاع بمرونته وصلابته تجاوُز ما حدث في 8 سبتمبر والذي شعرْنا كلنا بآثاره، ونودّ تعزيز روح التضامن العالمي رغم التوترات الجيوسياسية وتآكُل الجسور بين الأمم وتداعيات أزمة كوفيد الصعبة التي دفعتْنا إلى ضخ واستثمار تريليون دولار و56 مليارا من حقوق السحب الخاصة وقدر هائل من القروض”.

من جهته أكد رئيس مجموعة البنك الدولي أجاي بانغا أن الحكومة المغربية وضعت إستراتيجيات واضحة يراقبها البنك الدولي، لافتا إلى أن الحدث الكبير سيكون مناسبة لدراسة برامج جديدة للتنمية والتطرق إلى الفرص التي يمكن الاستفادة منها.

وذكر هشام معتضد، الخبير المغربي في العلاقات الدولية، في تصريح لـه أن “المغرب استطاع استقطاب أهم الشخصيات الإستراتيجية العالمية في قطاع المال والأعمال لحضور الاجتماع الدولي وتأمين نجاحه على كافة المستويات، ما يكرس الثقة الدولية في تدبير وفاعلية المؤسسات المغربية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: