المغرب والمفوضية الأوروبية يبحثان تعزيز الشراكة الإستراتيجية

تباحث رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، الثلاثاء، بالعاصمة البلجيكية بروكسل، مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، سبل المزيد من تعزيز الشراكة الإستراتيجية، وذلك بحضور وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة. وشدد الجانبان، خلال هذه المباحثات، على صلابة العلاقات التي تجمع المملكة بالاتحاد الأوروبي، كما ناقشا سبل تعزيز الشراكة الإستراتيجية التي تجمعهما، خاصة في السياق الحالي.

وتعد المملكة المغربية الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للاتحاد الأوروبي على مستوى القارة الأفريقية، كما يعد الاتحاد الأوروبي أول شريك تجاري للمملكة، بنسبة مبادلات تجارية تفوق 60 في المئة من إجمالي المبادلات. وتعتمد العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بشكل أساسي على سياسة الجوار الأوروبية (ENP) والشراكة الأورومتوسطية والاتحاد من أجل المتوسط.

وتهدف اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد إلى خلق علاقات متوازنة قائمة على مبادئ الشراكة والتنمية المشتركة في احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وشمل المجال السياسي إقامة الحوار بهدف تدعيم العلاقات بين الجانبين عبر التقارب والتشاور والدفاع عن المصالح المشتركة، والمجال الاقتصادي الذي اعتمد على دراسة المواضيع الاقتصادية المشتركة من بينها المبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي، أما المجال الاجتماعي فشهد تنمية التعاون الاجتماعي، والمساعدة الصحية والتشغيل، فيما ضم المجال الثقافي التعاون الثقافي والتربوي والعلمي والتقني.

 

سعيد الصديقي: المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الرباط والاتحاد الأوروبي تظل مهمة للطرفين رغم الضجة الأخيرة

واستكمالا لاتفاقية الشراكة التي ثمنها الاتحاد الأوروبي، أطلق الاتحاد “سياسة الجوار” مع المغرب عام 2003، وهي آلية أنشأها الاتحاد بغية تحديد الأهداف الإستراتيجية للتعاون مع دول الجنوب، وتستفيد من خلالها هذه البلدان من مساعدات مالية تتمثل في صك التعاون الإنمائي الذي يدعم إجراءات الحد من الفقر، والصك الأوروبي بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي يدعم سيادة القانون ودعم الديمقراطية والحرية والحقوق الأساسية، إضافة إلى الأداة المساهمة في الاستقرار والسلام التي تُستخدم للتصدي للأزمات.

وطلب المغرب من الاتحاد الأوروبي عام 2000 منحه وضعا متقدما (أقل من العضوية وأكثر من مستوى الشراكة). وبعد 8 أعوام من المفاوضات، قرر الاتحاد الاستجابة لطلب المغرب، ودخلت العلاقات المغربية مع الاتحاد عهدا جديدا كانت نتيجته إطلاق آلية الشراكة من أجل الازدهار المشترك ما يُعتبر اعترافا بالجهود الإصلاحية التي قام بها المغرب خلال العقود الماضية.

ويعتبر الوضع المتقدم للمغرب مع دول الاتحاد الأوروبي سابقة في تاريخ الاتحاد، وهو بمثابة تتويج لعلاقات تاريخية متميزة تحاول أن تصوغ نموذجا للتعاون المتوسطي بين دول الشمال والجنوب.

وينبني الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي على عدة مستويات، فسياسيا، يتأسس على تدشين حوار سياسي وإستراتيجي، يعطي للمغرب حقّ الانضمام إلى المعاهدات الأوروبية. واقتصاديا، ينص الوضع المتقدم على تيسير الاندماج الكامل والتدريجي للمغرب بالسوق الداخلية للاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالسلع والخدمات، وأيضا في ما يخص الارتباط بالشبكة الأوروبية في النقل والاتصالات والطاقة وما سواها.

وفي مجال النقل، تم ذكر مجالات التعاون الخاص بهذا المجال وتم تحديدها في: البنية التحتية، والنقل البحري، والإستراتيجية البحرية المستقبلية المتوسطية، والنقل الجوي، والنقل الطرقي والسلامة الطرقية، وأعمال النقل والقناة اللوجستية.

وبذلك، فالوضع المتقدم يمنح المغرب فرصا تجارية واستثمارية كبيرة تضمن له الولوج إلى السوق الأوروبية دونما تكاليف، ناهيك عن الاستفادة من البنية التحتية الأوروبية وتطوير سبل التعاون العلمي والتقني في ما يتعلق بالتنسيق في مجالات التكوين والبحث عبر تشجيع الشراكات بين مؤسسات البحث، وإقامة تحالفات تكنولوجية بين المقاولات، بهدف ضمان امتيازات اقتصادات السلم، وتقليص تكاليف الأداء المنفرد.

وتعرضت العلاقات الأوروبية – المغربية في عدة فترات إلى التشويش. ويقول مراقبون إن التوتر في العلاقات المغربية – الأوروبية دائما ما يكون آنيا ومحدودا مقارنة بعمق الشراكة التي تربط الجانبين، بفعل أهمية الطرفين لبعضهما البعض بملفات عديدة كالاقتصاد والأمن والهجرة.

ويشير المراقبون إلى أن كل هذه الملفات تؤرق الطرفين بخاصة الأوروبي، ما يجعل العلاقات المغربية – الأوروبية تتجاوز كل الأزمات النابعة من ظرفية سياسية محدودة متأثرة أساسا بالحزب والشخص الذي يقود حكومة هذه الدول الأوروبية، لكن سياسات المغرب الواقعية وطبيعة المصالح تتجاوزان في كل مرة هذه التجاذبات الطارئة.

◙ اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد تهدف إلى خلق علاقات متوازنة قائمة على مبادئ الشراكة والتنمية المشتركة

ويرى الأكاديمي المغربي المختص في العلاقات الدولية سعيد الصديقي أن “المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الرباط والاتحاد الأوروبي، تظل مهمة للطرفين رغم الضجة الأخيرة”. ويقول الصديقي، وهو أستاذ علاقات دولية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) في المغرب، إن “الاتحاد الأوروبي حاليا غير مستعد للتخلي عن شريكه الاقتصادي الأول في أفريقيا”، في إشارة إلى الرباط.

ويوضح الأكاديمي المغربي أن “التبادل التجاري بين المملكة المغربية ودول الاتحاد الأوروبي، وصل إلى 45 مليار يورو (47.7 مليار دولار)، خلال عام 2021، وهذا رقم مهم”. ويتابع “الاتحاد الأوروبي يدرك أهمية المغرب مستقبلا، سواء من الناحية الاقتصادية، حيث يمثل مصدرا أساسيا لأمن الطاقة لأوروبا، أو من ناحية أهميته الأمنية في حماية الحدود الأورومتوسطية في الضفة الجنوبية”.

وحقق المغرب مكاسب كبيرة من شركائه الأوروبيين، بخاصة في الجانب السياسي المرتبط بملف قضية الصحراء المغربية، لكن المكاسب لم تقف عند شقها السياسي، بل تعدت ذلك إلى البعد الاقتصادي والتنموي. ومؤخرا وقّع الاتحاد الأوروبي والمغرب اتفاقيات للعديد من برامج التعاون بقيمة إجماليّة تساوي 5.5 مليار درهم مغربي (أكثر من 500 مليون يورو) لدعم الإصلاحات الكبرى في المملكة والأولويات الرئيسية في البلاد وهي: الحماية الاجتماعية والانتقال الأخضر والنفاذ إلى التمويلات والإدارة العمومية وتوظيف الشباب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: