سأتناول الموضوع من منظوري الخاص باعتباري صحافيا أهتم بشؤون الدين و الهجرة في أوروبا، فلست إمامًا أو خطيب مسجد، وإنما هي آراء واستنتاجات بنيتها من منطلق التجربة والممارسة، قد توافق الصواب وقد تجانبه. لن أشحن الموضوع بالنصوص الدينية ولن ألقي المسؤولية على جهة بعينها، فالمسؤولية يتقاسمها كل من له علاقة بالمسجد، وحسبي في هذا كله أن أساهم في فتح نقاش حول هذا الموضوع الذي بات يؤرقنا، علنا نتوصل إلى حل لهذه المعضلة، وإلا فالأمر يحتاج كما أرى إلى دراسة أو بحث ميداني من قبل متخصصين لنقف على أسباب هذه الظاهرة وسبل علاجها.
ولأهمية هذا الموضوع سأحاول ان أتناوله وأطرحه للنقاش عبر المحاور التالية:
– المغاربة وارتباطهم بالمساجد في أوروبا
– صور ونماذج للمشاكل التي تعاني منها المساجد في أوروبا
-الآثار السيئة للنزاعات داخل المسجد
-الأسباب والحلول المقترحة
نمتاز نحن المغاربة ولله الحمد بارتباطنا الوثيق بالمساجد، ويدل على ذلك ما نراه ونلمسه من حرص على بنائها وإنفاق الغالي والنفيس في سبيل ذلك، وأستطيع الجزم أنه لا يوجد شعب على وجه الأرض ينفق في سبيل بناء المساجد مثل المغاربة، فرأيت من إخواني وأخواتي عجبا يعجز اللسان عن وصفه. مبالغ خيالية بعشرات الآلاف بل بمآت الآلاف بل بالملايين ينفقونها بسخاء في سبيل الله لبناء المساجد. في المدينة التي أسكن فيها مثلا، استطاعت الجماعة بناء مسجد بمبلغ لا يقل عن أربعة ملايين أورو، نعم جماعة تتكون من بضع مآت معظمهم ممن يتقاضون الحد الأدنى من الأجر في بروكسيل، وفي عز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأوروبا، ومع ذلك استطاعوا بفضل إيمانهم وكرمهم أن يبنوا هذه المعلمة، ودون أي دعم خارجي. وما حدث ويحدث في المدينة التي أسكن فيها يحدث مثله في معظم المدن والدول الأوروبية، لتبقى مسؤولية بناء المساجد ورعايتها ملقاة في الغالب على عاتق المغاربة الذين برهنوا ولازالوا يبرهنون على أنهم أهل لهذه المسؤولية. فهنيئا لنا ببيوت الله وهنيئا لبيوت الله بنا فيما يخص جانب الإنفاق.
إلى جانب الارتباط بالمساجد في الجانب السالف ذكره، يمتاز المغاربة بارتباطهم بالمساجد ارتباطا من نوع آخر يتمثل في الحرص على الحضور إلى المساجد وأداء الصلوات فيها قدر الإمكان، شيوخا وشبابا رجالا ونساءا، وخاصة يوم الأحد والجمع والأعياد وخلال شهر رمضان، وهاذا الحضور المكثف أيضا لا يضاهي المغاربة فيه غيرهم.
فارتباط المغاربة بالمساجد في أوروبا ارتباط وثيق، يشهد له كثرة هذه المساجد وفخامتها وامتلاؤها بالزوار واهتمامهم بكل ما يحدث فيها أو حولها، وكثيرا ما يأخذ المسجد حيزا كبيرا من أحاديث الناس واهتمامهم حتى الذين لا يأتون إلى المسجد وربما لا يصلون تجد للمسجد نصيبا من اهتماماتهم وتبرعاتهم، بل هناك أشخاص ماتوا ولازالت أسماؤهم ضمن لائحة المساهمين، لأن أزواجهم وأولادهم يساهمون باسمهم وإن كانوا هم قد أفضوا إلى ما قدموا.
قد يتساءل البعض عن علاقة هذا الارتباط بالفوضى والمشاكل التي تحدث في المساجد، وأجيب بأمرين:
الأول هو أنني اخترت البدء بهذا المحور المضيء والإيجابي لعلاقة المغاربة بالمساجد حتي لا ننساه في زحمة الأحداث والمشاكل التي تقع داخل المساجد، وحتى لا نركز على الجانب السلبي فقط الذي هو إثارة الفوضى والخلافات. فهناك جوانب مضيئة يجب التنويه بها.
الأمر الثاني هو أن هذا الارتباط الوثيق قد يكون هو سبب المشاكل. فالرجل الذي لا يحب امرأة تقل غيرته عليها ومحاولته التدخل في حياتها أو التأثير عليها، وبقدر ما يقوى الارتباط بقدر ما يقوى الاهتمام، وهكذا حال المغاربة مع المساجد، فلأنهم يحبونها ومرتبطون بها يحرصون على التدخل في شؤونها ومعرفة ما يجري حولها أو بداخلها، وهذا التدخل والحرص يولد صدامات وصراعات ومشاكل أصبحت ملازمة للمساجد إلا ما عصم ربي.
صور ونماذج للمشاكل التي تعاني منها المساجد في أوروبا
تكثر وتتنوع طرق وكلمات الاستنكار والاستهجان التي تسمعها كلما حصلت فوضى أو نشب خلاف داخل مسجد أو حوله، بقدر ما تعبر هذه الكلمات عن انزعاج الناس ومللهم مما يحدث داخل المساجد، مساجد المغاربة بالخصوص ( وأعني بها المساجد التي أكثر زوارها من المغاربة أو يديرها المغاربة، أما المساجد عموما فهي بيوت الله وليست لأحد)، بقدر ما تعبر هذه الكلمات أيضا عن عجز الناس وقلة حيلتهم أمام حل هذه المشاكل التي كثرت وتنوعت مع الأسف الشديد، إلى درجة أن البعض أصبح يحن إلى زمن القمع لأنه يرى فيه الحل الوحيد لضبط فوضى المساجد.
ومن الأمثلة على تلك المشاكل:
-الاستقطاعات والانقسامات الحادة بين زوار المسجد، وقد تكون دوافعها عرقية أو سياسية أو حتى فكرية، تسبب التعصب والفرقة، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى حد السب والشتم وربما الضرب وإشهار السلاح الأبيض داخل المسجد.
-الاختلاف حول لجنة تسيير المسجد، وهذا من أكثر أسباب الاختلاف وأشدها، فبينما ترى فئة من زوار المسجد أن اللجنة الفلانية أو الرئيس الفلاني هو صمام الأمان للمسجد وأن مصير المسجد مرتبط به، وبالتالي فهم يدافعون عنه ويستميتون في ذلك، إذا بفئة أخرى ترى عكس ما تراه الفئة الأولى، ترى أن تلك اللجنة لا تصلح وأنها هي سبب المشاكل، وأن بقاءها نذير شؤم على المسجد، وبالتالي سيدافعون عن رأيهم ويحاولون إبعاد تلك اللجنة مهما كلف ذلك من ثمن، وفي غياب ثقافة الصندوق والاحتكام إلى رأي الأغلبية، يحاول كل فريق الانتصار لرأيه ولو بطرق غير شرعية ولا قانونية، كالصراخ والتهديد وتلفيق التهم.
-الاعتراض على طريقة التسيير، قد ينشب الخلاف داخل المسجد بسبب اعتراض البعض على قرارات اللجنة أو طريقة عملها، والاعتراض في حد ذاته ليس مشكلا، ولكن المشكل حينما يتم تدبير هذا الاعتراض بطريقة خاطئة، فيحرص المعترضون مثلا على إفشال كل الاجتماعات التي تعقد في المسجد وذلك بإثارة الفوضى والصراخ أثناء الاجتماع حتى يفشلوا مخططات اللجنة، أو يلجؤون الى الدسائس والعمل في الظلام و في زوايا المسجد قصد تأليب الناس على المسؤولين.
– حرص بعض رؤساء المساجد على البقاء في مناصبهم مع علمهم أن فئة كبيرة من الجماعة ليست راضية عن بقائهم، إما لطول المدة التي أمضوها على رأس المسجد أو لعدم كفاءتهم أو لأسباب أخرى قد يكون أصحابها محقين أو مبطلين، بل قد أدى الأمر ببعض رؤساء المساجد إلى الانشقاق عن المؤسسة مع مجموعة من أتباعه وتأسيس مسجد جديد، فقط لأنه أحس ان الرئاسة ستفلت من يديه أو قد أفلتت بالفعل. وهذا ما جعل بعض المستشرقين الهولنديين يصف المساجد المغربية في هولندا بأنها أشبه ما تكون بمماليك، وذلك في طول فترة الرئيس(الملك) وانفراده باتخاذ القرار داخل المسجد.
– وما يقال في شأن اللجنة يقال في شأن الإمام فقد يكون بقاؤه أو ذهابه مصدر خلاف بين أهل المسجد، وقد تكون مواقف الإمام وخطبه مصدر خلاف كذلك، يراها البعض قولا للحق وتبليغا للدين ويراها غيرهم سبا وشتما وهجوما على البعض لمجرد اختلافهم معه، وتدخلا للإمام فيما لا يعنيه، فبدل أن يكون الإمام سببا في لم شمل الجماعة والحفاظ على وحدتها، يصبح في بعض الأحيان مصدرا للخلاف بين أعضائها.
وكما قلت سابقا فليس المشكل في الاختلاف في حد ذاته، فقد يكون الاختلاف مصدر تنوع وقوة لدى الجماعة، المشكلة حينما يتطور هذا الاختلاف إلى أحقاد وصراعات ونزاعات تعصف بأواصر الأخوة وتهدد وحدة الجماعة.
الآثار السيئة للنزاعات داخل المسجد
المساجد هي بيوت الله، والذي يقصدها فالمفروض أن يقصدها من أجل مرضاة الله، من أجل فعل الخير وجلب الحسنات. إن الذي يثير الفتنة في المسجد يعرض نفسه لعقاب الله. لو أن شخصا صاح بصوت عال أو أثار فوضى وهو في بيتك وفي ضيافتك، لاستهجنت هذا الأمر ورأيته من قلة الأدب،(ولله المثل الأعلى)، فما دامت المساجد بيوت الله فإشاعة الفوضى والفتنة فيها قلة أدب مع الله ومن يسيء الأدب مع الله سيدفع ثمن ذلك يوم يلقاه، بل قد يعجل الله العقوبة لمثيري الفتنة داخل المساجد في الدنيا قبل الآخرة كما هو مشاهد في الكثير من الحالات.
إضافة إلى ذلك فإثارة الفتنة داخل المساجد تنفر الناس منها، فالكثير من الناس لا يحتملون ذلك، وخاصة الشباب منهم، وأذكر مرة، أثناء عقد جمع عام بأحد المساجد نشب خلاف بين بعض الشيوخ ووصل الأمر إلى حد السب والشتم ومحاولة الضرب، وكان أحد الشباب من أبناء الجيل الثالث عضوا في لجنة التسيير، كان جالسا إلى جانب أعضاء اللجنة على المنصة، فحينما رأى الشجار بين أولئك الشيوخ لم يتمالك نفسه وأجهش بالبكاء مغادرا المنصة واللجنة ربما إلى الأبد.
الناس يأتون إلى المسجد من أجل الخشوع والراحة النفسية، من أجل الصلاة والذكر وقراءة القرآن، يأخذون من أوقاتهم ليناجوا ربهم، فإذا بالمشاكل والصراعات تحول بينهم وبين ما يبتغون، وقد يجد بعضهم في ذلك سببا لهجران المسجد، فاسأل نفسك يا مثير الفتنة داخل بيت الله كم صددت من الناس عن سبيل الله.
ولا يقتصر الأمر على هجران المساجد من قبل بعض المصليين فحسب، فإثارة الفوضى والأجواء المشحونة تنفر الطاقات أيضا من تحمل المسؤولية داخل المسجد، فكم من الأئمة المتمرسين دراسة وممارسة، اعتزلوا الإمامة بسب هذه المشاكل وتركوا المجال لأئمة لا يحملون من الإمامة إلا الاسم، والنتيجة كارثية على الفرد والجماعة والمجتمع. وكم من الطاقات المسلمة المغربية تستفيد منها المجتمعات الغربية، لكن لا تستفيد منها المساجد، لأن الفوضى والنزاعات جعلتهم ينسحبون ويتركون المجال لأناس أقل كفاءة، وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تشويه سمعة الإسلام والمسلمين أيضا من الآثار السلبية لفوضى المساجد. فكيف سيكون وقع خبر مفاده أن الشرطة تدخلت لفض نزاع بين المسلمين داخل مسجد أو حوله، أو أن مسجدا أغلق لنفس الأسباب؟ لا شك أن مثل هذه الأمور تنفر غير المسلمين من الإسلام، وتجعل من المساجد وأهلها وقودا للحرب التي يشنها اليمين المتطرف على الإسلام ومادة دسمة للإعلام الغربي الذي يتحمس في عمومه لكل خبر سلبي حول الإسلام والمسلمين.
ومن الآثار السلبية كذلك كثرة المساجد دون حاجة شرعية، وأعني بالحاجة الشرعية ضيق المسجد الموجود بحيث لم يعد كافيا لأعداد المصلين، (والأولى حتى في هذه الحالة العمل على توسعة المسجد الموجود بدل فتح مسجد جديد حفاظا على وحدة الجماعة)، أو بعده عن الكثير من أفراد الجماعة مسافة يتعذر معها حضور الصلوات فيه.
وهذا النوع من المساجد (التي تستحدث دون حاجة شرعية) غالبا ما يعاني من عجز مادي سببه قلة أعضاء الجماعة ومحدودية مساهماتهم، لأنهم كانوا في الأصل أعضاء في مسجد سابق، ولكن بسبب المشاكل تنقسم الجماعات وتشح الموارد المالية مما يجعل المسؤولين عن المسجد يفضلون إماما أقل تكلفة وأبخس أجرا، وغالبا ما يجدون ضالتهم في أئمة مقيمين إقامة غير شرعية، وبالتالي يشتغل بطريقة غير شرعية، فلا اعتبار للمستوى ولا اعتبار للقانون وإنما العبرة بما تم توفيره داخل صندوق المسجد، وربما يفضل المسؤولون عن المسجد الإمام المقيم إقامة غير شرعية على غيره لسبب آخر، هو أن هذا النوع من الأئمة يسهل ترويضهم، والسيطرة عليهم من قبل المسؤولين عن المسجد، فوضعيتهم القانونية تجعلهم في موقف ضعف، وغالبا ما يتم إمساكهم بغير معروف وتسريحهم بغير إحسان.
وللأمانة، فهزالة أجرة الإمام لا تقتصر على المساجد ذات الدخل الضعيف وإنما هي ظاهرة عامة حتى بالنسبة للمساجد التي تفيض خزائنها بمآت الآلاف. وربا تحتاج هذه الظاهرة إلى مقال خاص يبحث في أسبابها.
الصراعات والمشاكل داخل المسجد تشل حركته، لذلك تجد الكثير من المساجد عاجزة عن تقديم شيء للمجتمعات الغربية التي توجد فيها، بينما تنجح مؤسسات وجمعيات أخرى لا يقارن عدد أعضائها ولا إمكانياتها المادية بما يمتلكه المسجد، وهذا راجع إلى أن الأفكار والمشاريع الاجتماعية التي تنطلق من المسجد غالبا ما تواجه بمعارضة من بعض رواد المسجد، وقد يكون المعارض شخصا واحدا أو بضعة أشخاص يعدون على رؤوس الأصابع، وليست معارضتهم مبنية على أساس، بل من إخواننا من يعارض الفكرة حتى قبل أن يفهمها، ومع ذلك ينجحون في إفشال أي مشروع إما بإثارة الفوضى أو التشكيك في نيات القائمين على تلك المشاريع، مما يجعل الكثير منهم يؤثرون السلامة وينسحبون بمشاريعهم الثقافية والاجتماعية خارج المسجد، وتبقى مساجدنا تغط في نوم عميق، لا تستيقظ منه إلا في أوقات الصلاة ثم تعود لتخلد إلى النوم، نوم مع الأسف ليس في وقته ولا في مكانه، نظرا لما يعانيه المسلمون من مشاكل في الغرب.
الأسباب والحلول المقترحة
يمكن أن نقسم الأسباب إلى ثلاثة: منها ما يتعلق بالجانب الإيماني التربوي، ومنها ما يتعلق بالجانب التنظيمي ومنها ما يتعلق بالجانب الفكري التصوري.
أما الجانب التربوي الإيماني فلن أطيل فيه لأنني أرى غير المغاربة من الجنسيات الأخرى ليسوا أقوى إيمانا بالله من المغاربة، ومع ذلك لا تعاني مساجدهم مثل ما تعاني مساجدنا. أليس لديهم مثلا حسد وسوء ظن ورياء وحب سلطة وغيرها من الامراض القلبية التي نعاني منها نحن المغاربة؟ طبعا هذه أمراض لا يخلو منها مسجد من المساجد.
ولكن الفرق أن الغير استطاع الحد من آثار هذه الأمراض بحسن التنظيم، بالعمل المؤسساتي، فالذي لا يتورع عن الفعل القبيح بوازع ديني أو بضمير حي، يجب أن تردعه القوانين والأنظمة. ومشكلتنا نحن المغاربة أنه ليست لدينا قوانين عادلة وصارمة تحمي المساجد من عبث العابثين.
لماذا لا توجد في القوانين الداخلية للمساجد مواد وفقرات حول الانضباط؟ وعن شروط العضوية وإمكانية نزعها وعن العقوبة التي يتعرض لها من أخل بآداب المسجد وكل عضو جديد يوقع على شروط العضوية قبل أن يقبل عضوا مثلا؟
ثم إن طريقة اتخاذ القرار في المسجد من أهم أسباب الفوضى كذلك. كل صراع لا بد أن هناك خلافا وراءه أدى إلى نشوب هذا الصراع، والأمور المختلف حولها قد تكون لها علاقة بالدين بالحلال والحرام مثلا. فهذه يستفتى فيها أهل العلم الشرعي والمفروض أن يكون رأيهم هو القول الفصل، وعلى أهل المسجد الانصياع مادام صاحب الرأي أمينا في علمه وعمله، وإذا لم يفصل إمام المسجد في مثل هذه القضايا فما الحاجة إليه إذا؟
وقد يختلف الناس حول أمر آخر لا علاقة له بما سبق من حل أو حرمة. فهذه الأمور المفروض أن يفصل فيها رأي الأغلبية، كما هو الحال في كل الجمعيات والمؤسسات في أوروبا؟ ألسنا نعيش في بلد ديموقراطي؟ لماذا لا نستفيد من هذا الجانب؟ أم نريد أن تبقى مساجدنا كالغابة؟ الغلبة فيها لمن يصيح أكثر أو عائلته أكثر عددا، وقد تنزل الجماعة للأسف عند رأي أشد الناس فحشا ليس لصوابه ولكن فقط لاتقاء فحشه.
الاختلاف حول تصور معين لدور المسجد ورسالته قد يكون من أسباب النزاع أيضا. كل زوار المسجد مسلمون يجمعهم الإسلام بمفهومه العام، ولكنهم يختلفون حول أمور متعددة، من ذلك مثلا:
أي إسلام نريد؟ إسلاما حركيا سياسيا أم إسلاما تقليديا؟
هل يجب أن يكون للمسجد دور في المجتمع أم أن دور المسجد يجب أن يقتصر على الصلاة فقط؟
هل نريد إماما بمواصفات معينة يستجيب لحاجيات المرحلة، من معرفة بلغة البلد واطلاع على الواقع والقيام بأدوار مختلفة داحل المجتمع؟ أم نريد إماما تقليديا لا ينزع جلبابه إلا لينام، لا يلعب رياضة ولا يسوق سيارة ولا حظ له فيما استجد من مناحي الحياة وكأنه ليس كباقي الأنام؟
هل يجب أن تكون اللجنة منتخبة أم يكفي في هذا الأمر التعيين والتوافق؟
هذه نماذج من أمور يختلف زوار المسجد حول تصورها والنظر إليها وكل أمر من هذه الأمور تتفرع عنه أمور أخرى مما يجعل الاختلاف في التصور من أهم أسباب النزاع داخل المساجد.
الحل الأمثل
ما ذكر من حلول تبقى حلولا جزئية في غياب هيئة أو اتحاد أو مظلة تجمع هذه المساجد، تجمع الشتات وتوحد التصورات وتضع الاستراليات وتفصل في النزاعات وتحدد الأولويات. إننا نعيش في بلدان علمانية لا تتدخل الدولة فيها في الدين، وبالتالي فلا بد لكل أهل دين أن ينظموا أنفسهم بأنفسهم، وهذا ما فعله اليهود والنصارى والمسلمون من غير المغاربة، ليبقى السؤال مطرحا، إلى متى نبقى نحن المغاربة نغرد خارج السرب؟ إلى متى تبقى مساجدنا تعاني الفوضى واليتم وسوء التدبير؟
وحتى لا نبخس الناس أشياءهم فهناك محولات وتجارب في هذا الصدد أثمرت تجمع مسلمي بلجيكا مثلا، ولكن المشكلة أنه وبدل أن يكون هناك تجمع واحد إذا نحن أمام اتحادات، بدل أن يؤثر هذا الاتحاد بالإيجاب في المساجد إذا به يتأثر بالسلب بأمراض المساجد، دب إليه داء المساجد من صراعات وأحقاد…. وبدل أن تقوم هذه الاتحادات بلم شمل المساجد وحسن تنظيمها إذا بها نفسها في حاجة إلى ذلك، وفاقد الشيء لا يعطيه.
(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله).