منتدى أصيلة يقارب معضلة الاستعمار الفرنسي في الصحراء الكبرى

ماموني

ناقش ثلة من الخبراء المغاربة والأجانب مساء الجمعة بأصيلة الآليات الأساسية التي تسمح لمنطقة الصحراء الكبرى بالانتقال من وضعية “المنطقة العازلة” إلى تحقيق إقلاع تنموي حقيقي. وأجمع المؤتمرون على أن السياسات الفرنسية في المنطقة تمثل عائقا يجب تجاوزه.

انطلقت في المغرب مساء الجمعة فعاليات النسخة الرابعة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي المنعقدة تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس بحضور شخصيات سياسية وثقافية مغربية وأجنبية وازنة.

وعلى هامش الندوة الافتتاحية التي كان عنوانها “الصحراء الكبرى.. من الحاجز إلى المحور”، حاول مجموعة من الباحثين من بلدان أفريقية مختلفة من بينها المغرب ومالي والنيجر وتشاد، معالجة الوضع المتأزم للعديد من البلدان المتواجدة في الصحراء التي تواجه تحديات أمنية وبيئية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغذائية.

وخيمت موجات الرفض التي تواجه الوجود الفرنسي في أفريقيا على مضمون المداخلات والنقاشات التي عرفتها الندوة الافتتاحية. وقال المندوب السامي للأمين العام للأمم المتحدة حول حوار الحضارات ميغيل أنخيل موراتينوس إن الاستعمار متواصل في العقل الفرنسي الذي أصر طيلة العقود الماضية على الحفاظ على هيمنة فرنسا من خلال التوغل في صفوف النخب الأفريقية وفرنستها حتى تستطيع السيطرة عليها، داعيا إلى التوقف عن ممارسات العهد الإمبريالي، وفرض قطيعة إبستمولوجية جديدة تمزق النموذج الكولونيالي.

وفي كلمته الافتتاحية أكد رئيس مؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى أن الدورة تعير اهتماما خاصا للتطورات والتحديات التي تواجهها المجتمعات في أفريقيا وفي المشرق العربي، وانعكاساتها على التغييرات التي تعرفها الدول المصنعة، خاصة في أوروبا ومضاعفات التغيرات على تطور الأوضاع في مجتمعات عالم الجنوب.

 

أنطونيو غوتيريش: منطقة الصحراء الكبرى تواجه تحديات جمّة

وفي رسالة قرأها نيابة عنه الممثل موراتينوس، أكد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الاهتمام الذي يوليه كأمين عام للمنظمة، للقارة الأفريقية التي تقع في صميم الحدث الفكري الهام.

وأبرز غوتيريش أن منطقة الصحراء الكبرى، التي خصها موسم أصيلة بإحدى ندواته، تواجه خلال السنوات الأخيرة تحديات جمّة على صلة بالأمن، لاسيما تنامي التطرف وانعدام الاستقرار، إلى جانب تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الجهل بقيمها الثقافية، معربا عن الأمل في أن يناقش المجتمعون مختلف الظواهر للخروج بتوصيات إيجابية تعزز “التزامنا من أجل أفريقيا آمنة ومزدهرة”.

وتناول المحور الأول من الندوة الافتتاحية موضوع “أفريقيا والغرب واتجاهات النظام الدولي الجديد: آفاق ومطامح الشراكة الإستراتيجية”، فيما تمت مناقشة المحورين الثاني والثالث صباح السبت، وهما “أفريقيا والغرب: الآفاق الاقتصادية والتجارية للشراكة في المستقبل”، و”أفريقيا والغرب: الشراكة الأمنية رؤى متقابلة”.

وشدد موراتينوس في مداخلته على أن أفريقيا الفرنسيّة انتهت بلا رجعة وأن الاستعمار الأبوي قد ولى، والجمهورية الفرنسية يجب أن تتوقف عن ممارساتها في القارة، لافتا إلى أن زمن الاستعمار ذهب ولا يمكن فرض وصاية أو إملاءات على بلدان جنوب الصحراء، وأن المسؤولية تقع على الشعوب التي تقطن القارة اليوم، لافتا إلى أن “الغرب يجب أن يدعم هذا التوجه في أفريقيا، وليس شيئا آخر”.

كما حمل جزءا كبيرا من مسؤولية ما آل إليه الوضع المأساوي في الصحراء الكبرى إلى الدول الغربية، وتحديدا الأوروبية منها التي قسمت القارة في مؤتمر برلين سنة 1884 الذي خلق حدودا للدول الوطنية تلبية لطموحات جيوسياسية، في وقت لم تكن في أفريقيا حدود منذ عشرة قرون، ولم يكن هناك تشاد أو مالي أو النيجر. وفي ما يتعلق بالوضع في مالي الدولة التي انتفضت على فرنسا وأخرجت جنودها من أراضيها، أكدت فاتي الأنصار المستشارة في قضايا السلام، أن مالي تعيش وضعا مختلفا عن بوركينا فاسو أو تشاد.

 

◙ دورة تولي اهتماما خاصا بالتطورات والتحديات التي تواجهها المجتمعات في أفريقيا وفي المشرق العربي

وأفادت المتدخلة من مالي بأن “الماليين بدؤوا يتساءلون حينها، كيف مرت 10 سنوات على وجود جيوش فرنسا في مالي ولم تتمكن من القضاء على الجماعات الإرهابية؟”، فازداد “الوضع سوءا وبدأت حملات شبابية سئمت الوضعية المتضعضعة على المستويين السياسي والاقتصادي وحملت السلاح لمواجهة نظام سياسي يعد ولا يفي بوعوده”.

واتفقت مع تحليل الأنصار ليلى فاتيحي الأستاذة الباحثة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، عندما تطرقت إلى النظام الدولي الرأسمالي القائم على الأحادية القطبية في تحمله جزءا مهما من المسؤولية لتدخله في شؤون بلدان المنطقة، فيما شدد أدامو بوبكر المؤسس والمدير العام لـ”ساحل أغروبول” في مداخلته على ضلوع فرنسا في “تفقير الشعوب الأفريقية”، واتهمها بالسطو على ثروات شعب النيجر.

وقال بوبكر إنه “منذ ستينات القرن الماضي ومقدرات النيجر خاضعة للتدبير الفرنسي (..) فالنيجر تصدر مواردها الطبيعية لكن العائدات المالية يتم إيداعها في الخزينة الفرنسية، وتمنح منها للنيجر بشروط”.

◙ ملف الصحراء الكبرى موضوع متشعب فاقمته بنية المنطقة والتدخلات الخارجية وحروب الوكالة والطائفية والإرهاب وقلة حضور التكتلات المرتبط بضعف المؤسسات

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس ومسير الندوة زكرياء أبوالذهب أن ملف الصحراء الكبرى وباستحضار الإكراهات التي يعرفها، موضوع متشعب فاقمته بنية المنطقة والتدخلات الخارجية وحروب الوكالة والطائفية والإرهاب، وقلة حضور التكتلات المرتبط بضعف المؤسسات.

ولفتت فاتيحي إلى أنه “منذ التدخل الغربي بدعوى الحرب ضد الإرهاب، تم تقويض السبل الأمنية في المنطقة بسبب فرض أشكال أمنية معقدة”، موردة أن “موجات الاحتجاجات الحالية المصاحبة للتغيرات الإقليمية والعالمية تُسائل مفعول وأثر التفاعل بين القوى المحلية والعالمية، خصوصا في بيئة أمنية مترابطة، تمكن من التساؤل فقط إن كان الخروج من الأزمة ممكنا في ظل نماذج الحكم الحالية”.

أما السؤال المطروح حسب المؤسس والمدير العام لـ”ساحل أغروبول” فهو “لماذا لا نخرج من هذه المنظومة؟ ونحن نريد أن يفهم إخواننا المغاربة والأفارقة هذه اللعبة التي تخلق الهشاشة في البلدان الأفريقية”، وأضاف “نريد أن نؤكد أن سقوط الصحراء يعني سقوطا حتميا لشمال أفريقيا”.

ويتضمن برنامج موسم أصيلة وجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، والذي سيتواصل إلى غاية 26 أكتوبر الجاري بمشاركة حوالي 300 شخصية من صفوة رجال السياسة والفكر والأدب والإعلام والفن التشكيلي، مناقشة قضايا حيوية آنية من قبيل موضوع “أفريقيا والغرب: الموروث والمأمول” (9 – 10 أكتوبر)، وملف “أوروبا: بين نوازع القوة والخروج من التاريخ” (14 – 15 أكتوبر) وقضية “العرب اليوم وأعباء الفراغ الإستراتيجي” (17 – 18 أكتوبر).

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: