تصاعد مقلق للاعتداءات الجنسية على الأطفال في الجزائر

دعا حقوقيون ونشطاء في المجتمع المدني بالجزائر إلى ضرورة سن تشريعات صارمة تردع مرتكبي الاعتداءات الجنسية على الأطفال، مؤكدين أن 90 في المئة من الحالات تتم في الوسط الأسري، وشددوا على ضرورة الإحاطة بالأطفال ومنع الاختلاء بهم من طرف الأقارب والغرباء. وسجلت الأوساط الأمنية والصحية تفاقما للظاهرة خلال السنوات الأخيرة عززه صمت العديد من الأسر.

كشف رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا الحكومي رشيد بلحاج عن تصاعد مقلق للاعتداءات الجنسية على الأطفال، حيث أحصت مصلحته نحو 190 حالة خلال العام الجاري، وهو رقم يثير المخاوف والقلق في آن واحد لدى العائلات والمختصين، لاسيما وأن هذا السلوك يبقى من المسائل المسكوت عنها خاصة في المناطق الداخلية رغم تداعياتها الاجتماعية والنفسية على الضحايا ومحيطهم.

تعتبر ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال من المشكلات الراهنة التي تعاني منها المجتمعات بصفة عامة والمجتمع الجزائري بصفة خاصة حيث لا تكاد تتوقف وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة عن الحديث عن هذا الموضوع الذي يعد من أقسى مظاهر العنف والاستغلال التي يتعرض لها الأطفال من طرف الراشدين.

وعالجت مصلحة الطب الشرعي في مستشفى مصطفى باشا الحكومي بالعاصمة 189 حالة اعتداء جنسي على أطفال من مختلف الأعمار، وهو ما يعتبر تفاقما خطيرا للظاهرة، على اعتبار أن الرقم نسبي ولا يعكس المؤشرات الحقيقية، ذلك أن المستشفى رغم عراقته وكبره يغطي العاصمة والمدن المجاورة لها فقط، فضلا عن أنه أحصى الحالات المصرح بها، بينما يبقى التكتم يخيم على أعداد غير معروفة.

وصرح البروفيسور بلحاج لوسائل إعلام محلية بأن “قسم الطب العدلي بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا رصد ما لا يقل عن 189 حالة اعتداء جنسي طالت ضحايا تتراوح أعمارهم بين 4 و22 عاما، منذ مطلع العام الجاري”.

 

رشيد بلحاج: مصلحة الطب الشرعي أحصت نحو 190 حالة اعتداء خلال العام الجاري

وكشف المتحدث أن “بعض الاعتداءات الجنسية جاءت من البيئة الأسرية والمحيط السكني، وهو أمر يستدعي يقظة كبيرة من طرف الأولياء لمتابعة ومراقبة أبنائهم، خاصة من يستخدمون الهواتف الذكية، لحمايتهم من المتحرشين الجنسيين”.

وتبقى بيانات الظاهرة متضاربة بين تلك المقدمة من طرف الجمعيات المختصة وبين التقارير الأمنية، وذلك بسبب التكتم الذي يلفها خاصة في المناطق الداخلية والمحافظة التي مازالت تتحفظ على تقديم البيانات إلى المصالح المختصة، بسبب القيود الاجتماعية والعرفية.

وذكرت تقارير محلية أن “189 حالة اعتداء جنسي على الأطفال تتعلق فقط بالحالات التي تم الإبلاغ عنها لدى قسم الطب الشرعي في مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالجزائر العاصمة، وأن الرقم هو أعلى بكثير على المستوى الوطني، لاسيما وأن الكثير من الحالات يتم التكتم عليها”.

وذكر عضو الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل فؤاد غلام الله أن “مكافحة الاعتداءات الجنسية، وخاصة تلك التي تستهدف الأطفال، أمر صعب نظرا لعدم الإبلاغ عنها، كما يبقى الاعتداء الجنسي مسألة محظورة في المجتمع الجزائري، ولذلك يتردد الضحايا في التنديد بمعذبيهم، خاصة وأن العديد من الاعتداءات تحدث في بيئة عائلية”.

وأضاف أنه منذ عام 2015 تم تعزيز الترسانة القانونية إلى حد كبير لمكافحة هذه الآفة، “ولكننا مازلنا نواجه نقصا في الإبلاغ. عندما يتم الإبلاغ عن حالة ما يتم التعامل معها، ولكن عندما لا تكون هناك شكوى لا يمكننا التصرف”.

وشدد المتحدث على أهمية توعية المجتمع الجزائري حول آفة الاعتداء الجنسي. واستشهد “ببداية العام الدراسي الذي بدأ للتو، والذي كان من الممكن أن يكون فرصة جيدة لتناول هذا الموضوع وتشجيع الضحايا على التحدث عن قضاياهم، بمساعدة وسائل الإعلام المختلفة التي لها دور كبير في محاربة هذه الظاهرة “.

الناشطون يدعون إلى ضرورة سن تشريعات أكثر تشددا وإحاطة بالأطفال، بما في ذلك منع الاختلاء بهم من طرف الأقارب أو الغرباء

من جانبه يرى الباحث والطبيب مصطفى خياطي أن “التقديرات على مستوى التراب الوطني تشير إلى حوالي 2000 حالة اعتداء جنسي سنويا، خاصة ضد الأطفال، 90 في المئة منها حالات تمت في بيئة أسرية أو محيط سكني”.

وبشأن التأثيرات النفسية والمعنوية على الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية يرى مصطفى خياطي أن “العواقب كارثية”.

وقال الخياطي “من الناحية النفسية يعيش الضحايا مع الصدمة وتبقى جروحهم وتبقى ترافقهم طوال حياتهم”، مشيرا إلى أن “المخدرات والعنف والأمراض النفسية وصعوبة النوم هي تأثيرات متنوعة للظاهرة على الضحايا”.

وأمام الصمت على هذه الآفة صمتا غير مبرر من طرف قطاع عريض من المجتمع يؤكد المتحدث على أن “هناك حاجة إلى التعبئة على جميع المستويات للقضاء عليها (هذه الآفة)، ومن المهم تدريب العاملين في مجاليْ التعليم والقطاع الصحي لمنحهم وسائل الكشف عن العلامات، خاصة عند الأطفال، والتي يمكن أن تظهر من خلال الاضطرابات السلوكية وغيرها”.

ويتابع البروفيسور خياطي “هناك بطء في الإجراءات القانونية عندما يكون الضحايا أطفالاً لأزواج مطلقين، ونقترح أن نتحرك فورا وألا ننتظر حضور الوالدين والموافقة على مواصلة الإجراءات”.

وأوصى ناشطون في المجتمع المدني بضرورة سن تشريعات أكثر تشددا إزاء المخاطر التي تحيط بالأطفال، بما في ذلك منع الاختلاء بالأطفال من قبل الأقرباء والغرباء معا، والتحكم في الأماكن المغلقة.

Thumbnail

وكان إمام ومدرس قرآن قد اعتدى جنسيا على عدة أطفال، حيث كان يختلي بهم في أحد ملاحق مسجد بمدينة قريبة من العاصمة، وكان يستغل الإمامة وتعليم القرآن لنيل ثقة الأولياء ليرسلوا إليه أطفالهم بغرض حفظ القرآن، غير أن غريزته الحيوانية تعدت الحدود.

وذكر شاهد عيان أن “القضية تفجرت بعد الاعتداء الوحشي على طفل كان يدرس عنده، تفطن له والداه بعدما عاد إلى البيت في حالة كارثية، ليتبين بعد توقيف الإمام وفتح تحقيق أمني أن الضحايا المصرحين بالاعتداء الجنسي هم خمسة أطفال، ولا يستبعد أن يكون هناك ضحايا آخرون، لم يشأ أولياؤهم الانضمام إلى لائحة الشاكين وعرض أبنائهم على كشوفات طبية وتحقيقات أمنية”. وكانت تقارير محلية قد تحدثت عن إحصاء مصالح أمن مركزية لسبعة آلاف حالة تحرش واغتصاب وتعد جنسي في حق الأطفال، من قبل أحد المقربين منهم، وقائمة المعتدين تشمل الأب والأخ والعم والخال.

وغالبا ما يعاني ضحايا الاعتداءات الجنسية من اضطرابات سواء بعد الاعتداء مباشرة أو على المدى البعيد؛ حيث قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات سلوكية ونشاط جنسي كثيف ومبكر وفقدان تقدير الذات واضطرابات سيكولوجية.

وجاء في دراسة بعنوان “البيدوفيليا في المجتمع الجزائري: دراسة حالة لضحايا الاعتداء الجنسي من الأطفال” (للكاتبين مقلاتي فاطمة الزهراء وسواكري الطاهر) أنه في غالب الأحيان يمر الاعتداء بشكل خفي، وتظهر الأعراض في مرحلة المراهقة أو مرحلة الرشد، كما أن غياب الأعراض الواضحة عند الأطفال لا يعني غياب الصدمة، فالانهيار النفسي والجسدي اللذان يخلفهما الاعتداء يحدثان تغييرا في حياة الضحية وفي علاقتها بالآخرين، ويظهر ذلك في تعرض الطفل إلى مجموعة من الاضطرابات السلوكية والجنسية التي لا تنتهي بانتهاء الفعل ولكن غالبا ما تمتد آثارها ومضاعفاتها إلى مراحل متقدمة من العمر؛ حيث كشف الباحثون أن نسبة 15 في المئة إلى 49 في المئة من الضحايا لا تظهر عليهم أعراض محددة من ذلك الاعتداء إلا بعد عدة سنوات، خاصة إذا تم ذلك في المراحل المبكرة من الطفولة، لكون الطفل في تلك المرحلة، خاصة خلال السنوات الخمس الأولى، في طور تكوين شخصيته وجهازه النفسي، فيأتي ذلك الاعتداء ليحدث صدمة وتشوها في البناء النفسي، لأن أسسه لم تكن في البداية سليمة، فكل ما لم يبن على أسس سليمة تكون نهايته التشوه أو الانهيار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: