عناد ماكرون يُوقع فرنسا في “مصيدة” الساحل الأفريقي

أدى التعنّت الذي أبداه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إزاء التعامل مع أزمة الانقلاب في النيجر إلى مزيد تعميق مأزق باريس التي وجدت نفسها في حلقة مفرغة، في وقت يتآكل فيه النفوذ الفرنسي بالمنطقة مقابل تسارع وتيرة التمدد الروسي.

وأفاد بكاري سامبي مدير معهد تمبكتو في دكار بأن “العناد غير الواقعي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع خطاب يعزز الانطباع باتباع سياسة الوصاية أصابا الدبلوماسية الفرنسية بالضياع في هذا الملف”.

وأضاف أن “الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها أرخى بثقله على العناد الفرنسي”.

 

مايكل شوركين: القوات الفرنسية لا تستطيع الصمود إلى ما لا نهاية
مايكل شوركين: القوات الفرنسية لا تستطيع الصمود إلى ما لا نهاية

 

ويرى أنطوان غلاسر الذي شارك في تأليف كتاب “فخ ماكرون الأفريقي” أن “أسلوب التعبير لدى ماكرون والذي بات يفتقر أكثر فأكثر إلى الدبلوماسية يكشف انزعاجا شديدا”، مضيفا “نلاحظ فعلا أنه بات في الزاوية وأن فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل”.

بدورها قالت الأستاذة في قسم الدراسات الإفريقية بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية ألم أيريجه تَبَجيكلي أوغلو “إن القوى الأجنبية البديلة عن فرنسا في نظر الأفارقة لن تكون الدول الغربية، بل دول مثل روسيا أو الصين أو الهند أو تركيا وبهذا فإن المستعمرات الفرنسية السابقة ليست الخيار الوحيد”.

وأفادت في حديث للأناضول بأن ثمة تحركا مناهضا لفرنسا في المنطقة، ينتقد النظرة الاستعلائية للزعماء الفرنسيين.

وأوضحت أن روسيا عبر إمكاناتها المتمثلة في الموارد الطبيعية ومبيعات الأسلحة تريد تعزيز نفوذها في إفريقيا، إلا أن المنطقة تبقى حاليا خارج قائمة أولوياتها في الوقت الراهن بسبب الحرب الأوكرانية.

وأضافت “ثمة فراغ في السلطة في أفريقيا بسبب تزايد المشاعر المعادية لفرنسا وروسيا ترغب في ملء هذه الفجوة، لكنها ليست لاعبا نشطا للغاية في المنطقة”.

وقالت “رغم أن روسيا تنشط في المنطقة عبر شركاتها الأمنية الخاصة، إلا أن لديها أولويات أخرى حاليا مثل الأزمة الأوكرانية، لذلك فهي مضطرة إلى نقل جزء كبير من مواردها إلى هناك”.

وأشارت تَبَجيكلي أوغلو إلى أهمية وجود جهات فاعلة في أفريقيا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، مستدركة أن “البقاء عليها ليس بالأمر الجيد بالنسبة لدول المنطقة”.

وزادت أن “روسيا تمتلك أسلحة من مخلفات الاتحاد السوفييتي في العديد من الدول الأفريقية، ما يخلق علاقة تبعية بين روسيا ودول المنطقة”.

وقالت “ما نقصده هو الاعتماد على روسيا في أمور مثل تحديث هذه الأسلحة وتوريد قطع الغيار وتدريب الجيش على استخدام الأسلحة”.

 

بكاري سامبي: الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها أرخى بثقله على العناد الفرنسي
بكاري سامبي: الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها أرخى بثقله على العناد الفرنسي

 

وتابعت أن “الدول الغربية لن يُنظر إليها على أنها قوى أجنبية بديلة في دول مثل الغابون، حيث تتزايد المشاعر المعادية لفرنسا”.

وفيما يتعلق بتنويع شركاء التجارة الخارجية من الناحية الاقتصادية، فقد أشارت تبجيكلي إلى أن فرنسا “تحتاج إلى الموارد الطبيعية التي تتمتع بها أفريقيا ولكن إذا لم تبع هذه البلدان مواردها، فسوف يكون لزاما عليها أن تبحث عن بدائل جديدة”.

وترفض باريس الاعتراف بالسلطات النيجرية الجديدة، كما ترفض مغادرة سفيرها سيلفان ايتيه تلبية لطلب الانقلابيين الذين أطاحوا الرئيس محمد بازوم المحتجز في قصره.

وقال ماكرون الجمعة إن “السفير الفرنسي في نيامي يحتجزه العسكريون الممسكون بالسلطة وأنه لا يتناول سوى حصص غذائية عسكرية”.

وعند سؤاله عن احتمال عودة السفير إلى باريس، قال ماكرون “سأفعل ما سنتفق عليه مع الرئيس بازوم لأنه هو صاحب السلطة الشرعية”، مشيرا إلى أنه “يتحدث كل يوم إلى الرئيس النيجري المنتخب ديمقراطيا في 2021″، الذي تجمعه به علاقة شخصية وثيقة.

وبعد عشرة أعوام من عمليات مكافحة الجهاديين، دفع العسكريون والدبلوماسيون الفرنسيون إلى خارج مالي، ثم إلى خارج بوركينا فاسو العام الفائت ومذاكواستعان المجلس العسكري في باماكو بخدمات مجموعة فاغنر الروسية، بينما لم يبق لباريس سوى حليف واحد في المنطقة هو نيامي.

وكانت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ‘إكواس’ قد توعدت بالتدخل عسكريا في النيجر لاعادة الانتظام الدستوري.

وفي هذا السياق قال غلاسر “مع كل يوم يمر يتضاءل إمكان تدخل إكواس، حتى لو كان ذلك لا يعني أنها لن تقوم بهذه الخطوة”.

واعتبر غلاسر أن “تصريحات ماكرون تهدف على الأرجح إلى إحياء دعم إكواس وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”، لكن حلفاء فرنسا الغربيين لم يصل بهم الأمر إلى إظهار هذا الحزم حيال نيامي واكتفوا بالدعوة إلى حل دبلوماسي للأزمة، فيما استأنفت واشنطن طلعاتها الاستطلاعية فوق النيجر.

 

أنطوان غلاسر: نلاحظ فعلا أنه بات في الزاوية وأن فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل
أنطوان غلاسر: نلاحظ فعلا أنه بات في الزاوية وأن فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل

 

ولم تسجل أي طلعة جوية فرنسية منذ انقلاب 26 يوليو/تموز، وفق المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية.

أما الجنود الفرنسيون الـ1500 الذين ينتشرون في النيجر دعما للقوات المحلية في مواجهة الجهاديين، فلم يحركوا أيا من مسيراتهم أو مروحياتهم أو مقاتلاتهم.

وقالت هيئة الأركان الفرنسية إن “عملية إمداد القواعد الفرنسية تتم في ظروف معقدة إلى حد ما”، لافتا إلى أن “جنودها مستعدون للتعويل على أنفسهم في هذه المعسكرات”.

لكن مايكل شوركين مدير البرامج لدى مؤسسة “14 نورث استراتيجيز” الأميركية المتخصصة بالشؤون الأفريقية أكد أن “القوات الفرنسية لا تستطيع الصمود إلى ما لا نهاية”، مضيفا أن “فرنسا تخوض سباقا مع الوقت.”

وفي مؤشر على تصاعد التوتر، أمرت بوركينا فاسو الجمعة بمغادرة الملحق العسكري الفرنسي الذي لا يزال موجودا في واغادوغو، متهمة اياه بممارسة أنشطة “تخريبية”.

واضطرت باريس نهاية الأسبوع الماضي على احتواء جدل نشأ من تدبير إداري يطلب وقف أي تعاون ثقافي مع النيجر وبوركينا ومالي، حيث خدماتها القنصلية مغلقة، أكدت الحكومة الفرنسية الجمعة أن البلاد ستواصل استقبال فنانين من منطقة الساحل.

وتأتي هذه المواجهة الدبلوماسية على وقع استمرار التدهور الأمني في المنطقة، فمنذ 26 يوليو/تموز أسفرت هجمات جهادية عدة في النيجر عن سقوط أكثر من مئة قتيل نصفهم مدنيون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: