تضامن مغاربة العالم يمتد إلى الوطن

المهاجرون المغاربة قطعة من وطنهم يأتون إليه في الأفراح والعطلات ولا يترددون في الوقوف إلى جانبه عند الشدائد؛ فتآزروا ونسقوا بمختلف الطرق لجمع المساعدات من أدوية وأغطية وطعام كل حسب إمكانياته، ليتم جمعها وإرسالها إلى المناطق المنكوبة بغرض الوقوف إلى جانب الناجين في محنتهم.

عاد أشرف عصام من زيارته إلى وطنه المغرب الخميس الماضي، بعد رحلة لزيارة والديه استغرقت ثلاثة أسابيع، وفي اليوم التالي من عودته إلى مدينة شيكاغو تلقى رسالة هاتفية لم يكن يتخيل مضمونها لما تحمله من فزع، وتخبره بوقوع زلزال مدمر ضرب بلده.

ونقلت صحيفة شيكاغو تريبيون عن عصام قوله “يعيش والدي في مراكش، أي على بعد نحو 40 ميلا من مركز الزلزال، وكانت أمي نائمة وقتها بينما كان أبي مستيقظا، وقالا لي على الهاتف إن المنزل بأكمله كان يهتز، كما لو كانت رعشة حمى أصابت جسديهما”.

تجمع المغاربة من جميع أنحاء ولاية ألينوي الأميركية بهدف حشد الدعم لعائلاتهم وأصدقائهم وجميع الناجين

وبدأ عصام، الذي يبلغ من العمر 30 عاما ويقيم في ضاحية جورني بشيكاغو، يتابع على محرك البحث غوغل المعلومات التي تبثها المواقع الإخبارية، وبدأت مقاطع الفيديو تُبث تدريجيا، ومن بينها مقطع من مكان للعب الأطفال في المركز التجاري الذي زاره مؤخرا مع زوجته أثناء رحلته إلى المغرب، حسب قوله.

وأضاف عصام “كان في المركز التجاري قطار وألعاب للصغار وممرات، وفي واحد من أولى المقاطع التي شهدناها رأينا زوار المركز يعدون في ذعر بحثا عن مخرج، في نفس المكان الذي كان أطفالي يلهون فيه قبل بضعة أيام”.

ويعد عدد المغاربة الذين يقيمون في منطقة شيكاغو صغيرا نسبيا، وفقا لما تقوله مارلين دياموند، القنصل العام الفخري للمغرب في ولاية ألينوي التي توجد فيها مدينة شيكاغو، وهي تقدر أنه يوجد حوالي ثلاثة آلاف شخص مغربي يعيشون بالقرب من هذه المدينة، و4700 آخرون ينتشرون في ولاية ألينوي، ومع ذلك يتجمع المغاربة من جميع أنحاء الولاية بهدف حشد الدعم لأعضاء عائلاتهم وأصدقائهم ولآخرين تأثروا بالزلزال.

وقال عصام بعد ثلاثة أيام من وقوع الزلزال إنه يحمد الله على أن منزل أبويه تعرض لأضرار بسيطة فقط، وأنهما لم يصابا بأي ضرر، وأضاف أنه يزور المغرب مرة كل عام لرؤية عائلته، حيث يقيم حاليا في الولايات المتحدة للدراسة بالجامعة.

 

حملة تضامن غير مسبوقة
حملة تضامن غير مسبوقة

 

وتابع عصام “تحدثت مع والديّ وقالا إن الزلزال وحّد البلاد حقيقة، بشكل لم يحدث من قبل، وشهد المغرب فرحة غامرة أثناء مباريات كأس العالم لكرة القدم منذ بضعة أشهر، غير أن الحال أصبح مختلفا، وما يتصف به الوضع الآن هو أن الجميع توحدوا وسارعوا إلى تقديم المساعدات بطريقة لم نشهدها من قبل”.

وتتلقى دياموند، باعتبارها القنصل العام الفخري للمغرب، أحدث التقارير حول تداعيات الزلزال من السفارة المغربية في واشنطن.

وقالت إن “أكثر التداعيات خطورة هو تحول الطرق إلى أكوام من الأنقاض، مما منع سيارات الإسعاف من الوصول إلى الأماكن التي صار السكان فيها في حالة سيئة للغاية”.

وأشارت دياموند إلى أن أحد أكبر الزلازل التي وقعت في المغرب يرجع تاريخه إلى عام 1960، حيث بلغ عدد الوفيات وقتها ما بين 12 و15 ألف شخص.

وقالت “إنه وضع يجعل القلب ينفطر حزنا، وأحد أوجه المعونة التي يحتاجها الناس بشدة في المغرب الآن هو الخيام إلى جانب الطعام والمياه، لأن الموقع الذي وقع فيه الدمار تشتد فيه البرودة أثناء الليل”.

وتعددت جهود الإغاثة؛ فعلى سبيل المثال دشنت أحلام حمداوي بعد نحو ساعة من وقوع الزلزال حملة لجمع الأموال من أجل مساعدة سكان قرية أولوز الذين ينتمون إلى البربر. وتقول حمداوي إنها أجرت اتصالات مع أفراد أسرتها في المنطقة من خلال تطبيق واتساب.

 

الأدوية الأساسية متوفرة
الأدوية الأساسية متوفرة

 

وتؤكد حمداوي التي تبلغ من العمر 44 عاما أنها تريد أن تلفت الانتباه إلى الحالة السيئة التي أصبحت القرى تعاني منها، وتقول إن منظمة “جوفاند مي” جمعت قرابة 1400 دولار حتى الآن، وهي تسعى لمساعدة القرويين على الحصول على خيام ووحدات إقامة مؤقتة ومواد غذائية ومياه شرب نظيفة وإمدادات طبية أساسية.

ولا يفلح مصطفى أ. الذي يدير متجرا للمنتجات الغذائية في نيويورك، وعيناه تتفحصان هاتفه الخلوي، في إخفاء ألمه الشديد إزاء الحصيلة البشرية الثقيلة التي ما فتئت ترتفع والأضرار الناجمة عن هذه الكارثة الطبيعية.

منظمة “جوفاند مي” تسعى لمساعدة القرويين على الحصول على خيام ومواد غذائية ومياه شرب نظيفة وإمدادات طبية

ويضيف بنبرة حزينة “من الصعب رؤية الأثر الذي خلفه هذا الزلزال القوي”، قبل أن يسترسل بالقول “ما يبعث على ارتياحي هو التدفق الهائل للتضامن من طرف المغاربة حيثما كانوا يعيشون. إنه أمر يثلج الصدر”.

فمنذ الساعات الأولى من وقوع المأساة لجأ الكثير من مغاربة أميركا إلى شبكات التواصل الاجتماعي للاطلاع على أحوال عائلاتهم وأقاربهم، وأيضا التنسيق والدعوة إلى التضامن والتبرع من أجل مساعدة المنكوبين.

ويعتبر عمر س. القاطن في لوس أنجلس بكاليفورنيا غرب الولايات المتحدة، والتي تعرضت لزلازل كبرى في الماضي، أن إحداث “الصندوق الخاص لتدبير آثار الزلزال الذي ضرب المملكة المغربية” يعد مبادرة هامة “لتنسيق الجهود وضمان وصول المساعدات إلى المناطق التي تحتاج إليها بشكل فعال”.

وفي كندا أيضا تطغى مظاهر التعبئة في صفوف الجالية المغربية الهامة التي تقطن بهذا البلد، من كافة الأديان.

 

فقدوا المنزل ولم يفقدوا الأمل
فقدوا المنزل ولم يفقدوا الأمل

 

فعبر الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي أضحت رسائل التعاطف والتضامن مرفوقة الآن بأرقام الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، والذي تم إحداثه بتعليمات من العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وتم إحداث الحساب الخاص لدى الخزينة وبنك المغرب بهدف تلقي المساهمات التطوعية والتضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية.

وأمام هذه الفاجعة ينخرط مغاربة العالم، الذين يفتخرون بتشبثهم ببلدهم وتعبئتهم الدائمة من أجل الإسهام في تنميته والدفاع عن قضاياه، مجددا وبشكل كامل في الجهود الوطنية الرامية إلى التخفيف من آثار الزلزال والشروع في إعادة إعمار المناطق المتضررة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: