خريطة المغرب كاملة.. على الإسبان مراجعة احتلال سبتة ومليلية

ماموني

قامت سفارة المغرب في إسبانيا قبل أيام بنشر خريطة للمملكة تضم جميع أجزاء التراب الوطني، بما فيها سبتة ومليلية المحتلتين. الأمر ليس مفاجئا ولا طارئا كما حاولت بعض الجهات الإسبانية تصويره للرأي العام الإسباني والأوروبي، فالمغاربة لم يعترفوا أبدًا بالسيادة الإسبانية على المدينتين وعلى غيرهما من الجزر الصخرية، واعتبروهما دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الأراضي المغربية.

لمعرفة المجال الثقافي والسياسي والحضاري الضحل الذي تسبح فيه بعض العقليات الإسبانية المسؤولة، نعود لما قاله خوسيه ماريا أزنار، رئيس الوزراء الإسباني السابق، في محاضرة ألقاها في جامعة جورج تاون في 21 سبتمبر 2004، عندما قال إن الصراع بين إسبانيا والمغرب بدأ في القرن الثامن، وإن معركة إسبانيا الطويلة ضد الإرهاب بدأت منذ عام 711م، عندما قام المسلمون بقيادة طارق بن زياد بغزو إسبانيا، وإن الأعمال الإرهابية التي ضربت مدريد في 11 مارس 2004، لم تبدأ مع الأزمة العراقية، بل مع سقوط الأندلس.

هذا التعسف في اختيار لحظات تاريخية لإسقاطها على علاقات معقدة ومتشابكة وتحتاج إلى الكثير من التعاون، بين إسبانيا والمغرب البلدين الجارين، يتجاهل الجزء الأكبر من العلاقات السلمية والتعاون في المنطقة الذي يعود إلى أكثر من 12 قرنا.

◙ هناك أطراف داخل المؤسسات الإسبانية تحاول طمس التراث التاريخي المشترك والقرب الجغرافي والتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، نافية أنها عوامل مهمة في تعزيز العلاقات

بنفس العقلية والنفَس الاستيطاني، طالب رئيس مليلية المحتلة، خوان خوسيه إمبرودا، المنتمي للحزب الشعبي، الحكومة الإسبانية الانتقالية التي يقودها بيدرو سانشيز، توجيه احتجاج رسمي على الإشارة إلى سبتة ومليلية كأرض مغربية في الخريطة الرسمية للبلاد، بدعوى أن المدينتين هما مدينتان إسبانيتان وبالتالي يجب أن تكون هناك خطوط تفصلهما عن باقي التراب المغربي.

في الاتجاه نفسه وتأكيدا لنفس القناعات والنهج الاستعماري دعا كارلوس إيتشيفاريا، مدير مرصد سبتة ومليلية، إلى ما أسماه “مواجهة تطلعات المغرب الإلحاقية من خلال تعزيز حضور وقوة المدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي عبر الاستثمار فيهما”، ما يعني أن هؤلاء يتناسون أن المغرب حكم بلا منازع سواحله وموانئه الواقعة في غرب شمال إفريقيا، بما في ذلك سبتة ومليلية، ولم تكن المدينتان أبدا أرضا مشاعا.

ما أثارته خريطة المغرب المعروضة كاملة من قبل سفارة المملكة المغربية بمدريد وتضم الثغرين المحتلين، مؤشر على أن المغرب لم يعترف رسميًا ولا شعبيًا بإسبانية الجيوب المحتلة. وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد اقترح تشكيل لجنة من الخبراء لمناقشة مستقبل سبتة ومليلية، عامي 1987 و1994، مؤكدا حقوق المغرب غير القابلة للتصرف في الجيوب، ولكن الحكومة الإسبانية لم تستجب رسمياً ورفضت الدخول في أيّ مفاوضات مع المغرب بشأن المدينتين.

عندما تحدث المغرب على أهمية الاستقرار والأمن في البحر الأبيض المتوسط والعلاقات الجيدة مع المجموعة الأوروبية، فهو مؤمن أنه من الضروري حل النزاع المتعلق بجيبي سبتة ومليلية وغيرهما من الجزر الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط الواقعة تحت الاحتلال الإسباني، ودعا إلى حل على غرار وضع هونغ كونغ. ولكي تزيد الأمر تعقيدا على المغرب الذي يطالب بالمدينتين، منحت حكومة مدريد وضع الحكم الذاتي لسبتة ومليلية، الذي صدر بموجب قانون سنة 1995.

استمرارية الموقف المغربي وجدناها ماثلة في خطاب العرش للعاهل المغربي الملك محمد السادس، يوم 30 يوليو 2002، عندما أكد صراحة على ضرورة الدخول في حوار مع إسبانيا حول هذه القضية الحاسمة، وجدد مقترح والده بإنشاء لجنة مغربية إسبانية مشتركة لإيجاد حل لمشكلة جميع المناطق التي تسيطر عليها إسبانيا في شمال المغرب.

◙ ما أثارته خريطة المغرب المعروضة كاملة من قبل سفارة المملكة المغربية بمدريد وتضم الثغرين المحتلين، مؤشر على أن المغرب لم يعترف رسميًا ولا شعبيًا بإسبانية الجيوب المحتلة

وبالرغم من أن الأوروبيين يصفون المغرب دائما بالحليف الهام والمحاور الموثوق، إلا أنه يعي جيدا أن الأمر يتعلق بمصالح متغيرة لا مجال فيها للتراخي فيما يتعلق بالدفاع عن السيادة الوطنية في الملفات المختلفة، فالرباط ترى أن إدارة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط لا تحتاج إلى مبادرات أحادية، بل تحتاج حلا شاملا يأخذ في الاعتبار حقوق المهاجرين، وتعقيدات الهجرة ومصالح وتصورات بلدان العبور مثل المغرب.

الأوروبيون يناورون ويقولون إن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تتضمن المدينتين، لكن تم تضمين عكس هذا الموقف في مذكرة المغرب إلى المفوضية الأوروبية عندما تم التوقيع على اتفاقية التعاون في العام 1988، حيث تم التشديد على أن هذا الاتفاق لا يعني الاعتراف بالوضع القائم في سبتة ومليلية.

ورغم أن الحكومة الإسبانية أكدت باستمرار أن سياج الجيبين لا يهدف إلا إلى وقف الهجرة غير الشرعية، إلا أن نظرة شاملة لمختلف جوانب القضية تقودنا إلى التخمين بوجود أهداف أخرى وراء هذه السياسة. علاوة على ذلك، فإن الأهداف المعلنة والخفية لهذه السياسة ليست ثابتة، بل تتغير حسب الظروف الإقليمية والمصالح الوطنية وتوازنات القوى وطبيعة العلاقات بين المغرب وإسبانيا.

موقع المدينتين الجيوستراتيجي الذي يستفيد منه الاتحاد الأوروبي، خاصة بما يتعلق بتنظيم الهجرة ومراقبة هذا الجزء من منطقة غرب البحر المتوسط، وكونه جسرا مهما بين أوروبا وأفريقيا، يفسر دعم أعضاء الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل التزامهم الصمت تجاه الاحتلال الإسباني لهذه الأراضي واعتبارها حدود الاتحاد الأوروبي مع المغرب، وهو ما يرفضه المغرب جملة وتفصيلا. فالسياج المحيط بالمدينتين تذكير صارخ بالحواجز الثقافية والسياسية والاقتصادية التي لا يزال يتعين التغلب عليها بين أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

◙ المغاربة لم يعترفوا أبدًا بالسيادة الإسبانية على المدينتين وعلى غيرهما من الجزر الصخرية، واعتبروهما دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الأراضي المغربية

مقابل ثبات المملكة على مطالبها بأحقيتها التاريخية والجغرافية في السيادة على هذين المدينتين، فإن سياسة إسبانيا المتمثلة في بناء أسوار جديدة وتعزيز الأسوار القائمة المحيطة بسبتة ومليلية تعزز استمرارية صراع كامن مع المغرب على تلك الأراضي، فتسييج الجيبين خطة بعيدة المدى لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

وتخاف إسبانيا حاليا من التركيبة السكانية للمدينتين التي لم تكن ذات أهمية حتى بداية القرن الحادي والعشرين، خصوصا مع تزايد عدد المسلمين ليس فقط في سبتة ومليلية، وانفتاح الجيبين على مدن ومناطق مغربية مجاورة أخرى، إضافة إلى خطة المغرب سحب الامتياز الاقتصادي من المدينتين بإنشاء بنية تحتية اقتصادية منافسة في مدن الشمال المغربي.

لهذا كله، هناك أطراف داخل المؤسسات الإسبانية تحاول طمس التراث التاريخي المشترك والقرب الجغرافي والتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، نافية أنها عوامل مهمة في تعزيز العلاقات الثقافية والسياسية بين البلدين.

وبغض النظر عن النزاعات طويلة الأمد، بما في ذلك الوضع الحالي ومستقبل الجيبين، كانت إسبانيا ثاني أهم شريك اقتصادي أوروبي للمغرب بعد فرنسا، وعليه لا بد للإسبان من الجلوس على طاولة حوار متصالحة مع خرائط المغرب الحقيقية، لأن الجغرافيا لا تكذب. وذلك من أجل صناعة مستقبل آمن ومثمر بين الطرفين، بعيدا عن المشوشين والمتاجرين بالدماء والثروات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: