قضية عادل الميلودي خير دليل على أن هناك قضاء للفقراء وقضاء للأغنياء

بوشعيب البازي

في الوقت التي كانت فيه مؤسسات الدولة تستعد لتنزيل مضامين الخطاب الملكي الأخير حول اختلالات الإدارة المغربيـــــــة وأعطابها، أدى  التغاضي على قضية الفنان عادل الميلودي المتهم بالتهديد بالقتل إلى وقوع موجة احتجاجات ، وأعاد الحديث مرة أخرى، وبشكل قوي ومباشر هذه المرة، عن سير المرافق العمومية، وخصوصا القضائية منها التي أصبحت تطبق القانون فقط على الفقراء، ساهمت من جهتها في إذكاء شرارة الاحتجاجات لتطرح قضايا أخرى لم يتبع فيها المتهم رغم الادلة المادية ضده.

ونفس الجملة تكررت بتعبيرات مختلفة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي تعليقا على عدم متابعة الفنان عادل الميلودي بعد الضجة الكبيرة التي رافقت الفيديو الذي نشره عبر اليوتوب يتوعد بتصفية رجال الامن التابعين لولاية أمن القنيطرة .

و رغم متابعته من طرف المديرية العامة للأمن الوطني و إصدار مذكرة بحث و توقيف في حقه تحت رقم 9088/2022 بتهمة التهديد بالقتل عبر الانترنيت ، الواضحة و النابتة في حقه حسب الفصل 56 للمسطرة الجنائية إلا أن ملف الفنان عادل الميلودي و كل الاتهامات حفظت و تقرر عدم متابعته  .

هذا و قد مكت الفنان عادل الميلودي لعدة شهور بالديار الاسبانية في إنتظار حل لمشكلته القضائية و التي و بلا شك وجد من يتدخل له و يحفظ الملف دون مراعاة حق رجال الامن و الصحفيين الذين نعتوا بالكلاب و غيرها من الاتهامات الجرمية التي كانت تلاحقه.

و من هنا نوجه اسئلتنا للنيابة العامة و لولاية امن القنيطرة و للادارة العامة للامن الوطني و وزارة الداخلية و العدل لإظهار حقيقة الامر و مآل المتابعات القضائية ضد الفنان عادل الميلودي و كيفية حفظ القضية رغم القرائن المادية في النازلة.

وإذا كان هذا المقال لا يتناول قضية الفنان عادل الميلودي  لا في حيثياتها ولا في تفاصيلها ولا في مآلاتها إلا أننا سنحاول الإجابة عن سؤال هل أن القضاء في المغرب اليوم هو قضاء ناجز وصارم على الفقراء وقضاء متلكئ ومماطل ومتخاذل في علاقة بقضايا الأغنياء والنافذين؟

تكمن عبقرية النص القانوني أنه يضع جميع الناس على قدم المساواة أمام القضاء وتطبق العدالة دون نظر إلى الفوارق الاجتماعية أو الثقافية.. فالقانون عندما يُطبّق لا يميّز بين غني وفقير بل يتوجّه إلى الأفعال ويحكم على ضوئها بالبراءة أو الإدانة وتكون العقوبة شخصية وليست جماعية .

ولكن في واقع قضائي متعثّر وملاحق بكل اتهامات التمييز والمحاباة وبكل شبهات الفساد التي طالت كبار القضاة وساهمت في تشويه صورة القضاء لدى الرأي العام .

ولعل كل ما يُقال عن فساد بعض القضاة وعن التلاعب بالإجراءات في علاقة ببعض الملفات والقضايا هو ما فسح المجال أمام الحديث عن أن هناك قضاء للأغنياء لا يطبق القانون وقانونا للفقراء يتميز بصرامته وشدته.. مما يؤكد “أن هناك قضاء للفقراء وآخر للأغنياء وأن العدالة تسير بسرعتين” و أن أكبر الاخلالات في التكييف أو الإجراءات تقع في كبريات القضايا، و الجدير بالذكر قضية سعيد السكاكي الذي حكم بثلاثة اشهر نافذة بعد تهديده لرئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران.

و يظهر جليا أنّ هناك واقعا ترّسخ في المغرب منذ سنوات من حكم نظام فاسد، بأنّ هناك عدالة للأغنياء لا تطبّق وعدالة للفقراء تطبّق بصرامة، وأنّ هناك من لديهم حصانة وظيفية وعائلية وسياسية فوق القانون والعقاب، ومن لا يملكونها يطبّق عليهم القانون.

 الإفلات من العقاب عنوان لعدالة عرجاء ..

من تجليات غياب العدالة في المغرب ارتفاع مؤشرات وإحصائيات الإفلات من العقاب التي أبدت عدة منظمات حقوقية دولية بشأنها مخاوف كبيرة عبرت عنها في عشرات التقارير كما دعت هذه المنظمات ومن بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ، رئاسة الحكومة ووزارتي الداخلية والعدل إلى “إرسال إشارة واضحة من خلال تصريح علني يتم فيه التذكير بأنه لا يمكن السماح أو التسامح مع أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب في علاقة بأعمال التعذيب أو غيرها من ضروب سوء المعاملة، ومع أي ممارسة تستهدف الضغط على المسار الطبيعي للعدالة” .

هذا و قد وصلت القضية المعروفة إعلامياً في المغرب باسم “سماسرة المحاكم” إلى منعطف جديد، بعدما أمر قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف بالعاصمة الرباط، بسجن مستشارين عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وملاحقة آخرين في حالة سراح وإغلاق الحدود، إلى جانب حفظ الملف في قضية مستشار لعدم كفاية الأدلة.

وبموازاة ذلك، قرّر قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في الملف الذي أطاح بشبكة تتألّف من أكثر من 40 وسيطاً معظمهم في حالة اعتقال، إيداع قضاة منتسبين إلى النيابة العامة سجن “عين السبع” المحلي في الدار البيضاء. كذلك تَقرّرت ملاحَق نائبة وكيل الملك لدى محكمة الأسرة في المدينة نفسها، في حالة سراح.

ورغم كل هذه الاعتقالات و التحذيرات من قبل أكبر المنظمات الحقوقية الدولية من مغبة تكريس وترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب إلا إنه وإلى اليوم لم يتغيّر شيء.. وما زالت العدالة العرجاء تراوح مكانها دون نوايا جدية لإصلاح ما اختل من توازنها .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: