غياب قانون واضح يحمي القابلات في المغرب عائق أمام النهوض بوضعيتهن

ماموني

تشكل القابلات بالمغرب حجر الزاوية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، بالنظر للأدوار بالغة الأهمية التي يضطلعن بها، كما تتعدد مجالات تدخل القابلة حيث تشمل كامل حزمة الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، بما في ذلك تنظيم الأسرة، وتوعية النساء الحوامل، ومراقبة الحمل، والتوليد، والوقاية من مضاعفات الوضع، والمشاركة الفعالة في التكفل الطبي، كما تقوم القابلة بدور التنسيق لعمليات وخدمات رعاية النساء والمواليد الجدد.

وتعاني هذه الفئة من العاملات في مجال الصحة العامة جملة من الصعوبات تتصل بتكوينهن الأساسي، وظروف عملهن الصعبة، وأيضا ما يتصل بالإطار القانوني المنظم للمهنة وعدم السماح لهن بممارسة عملهن داخل المنازل، وهو الأمر الذي يدفع النساء في الوسط القروي على الخصوص إلى الاستعانة بخدمات القابلات التقليديات والولادة في ظروف غير صحية تعرض الأم والجنين لمخاطر عديدة.

وبخصوص الأخطاء الطبية التي تثير الكثير من الجدل في المنظومة الصحية المغربية، سواء تعلق الأمر بتعويضات المتضررين من الإهمال الطبي أو المسؤولية الطبية لمهنيي الصحة، اشتكت مجموعة من القابلات من وتيرة المتابعات القضائية التي يتعرضن لها عند وقوع حوادث الإهمال الطبي في عمليات التوليد، مطالبات بتجاوز الفراغ القانوني الحاصل من أجل توضيح المسؤوليات في هذا المجال.

ودقت مصادر مهنية ناقوس الخطر بخصوص الوضعية الراهنة في قطاع الصحة، داعية الوزارة الوصية على القطاع إلى إخراج النصوص التطبيقية المتعلقة بـ”قانون القبالة”، وذلك في سياق ورش الإصلاح الصحي المعتمد بالمغرب.

عدم السماح للقابلة بممارسة عملها داخل المنازل، يدفع النساء إلى الاستعانة بخدمات القابلات التقليديات

وقالت حنان مزابي، عضو الجمعية المغربية للقابلات، إن “القطاع يعاني من الفراغ القانوني رغم تبني قانون القبالة، حيث لم يتم اعتماد النصوص التطبيقية المنظمة للقطاع، والعديد من القابلات يتم أيضا تغريمهن في بعض الملفات دون أن يتم سجنهن، ما يستدعي المواكبة من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية قصد تجاوز المعيقات الحالية.

وعقدت الجمعية المغربية للقابلات العديد من المشاورات مع بعض الكتل البرلمانية خلال الأشهر الماضية، سعيا منها إلى النظر في ملفات المهنيين، وإعادة النقاش بخصوص فوضى المهنة والمتابعات القضائية إلى الواجهة.

وتشتكي القابلات بالمغرب من العراقيل التي تقف عائقا أمام النهوض بوضعيتهن، وعلى رأسها الفراغ القانوني الذي يفرض على القابلة العمل في ظروف غير مواتية تكون لها نتائج سلبية تنعكس على القابلة والمواطنين على حد سواء، بالإضافة إلى عدم السماح للقابلة المهنية بممارسة عملها داخل المنازل، وهو الأمر الذي يدفع النساء في الوسط القروي على الخصوص إلى الاستعانة بخدمات القابلات التقليديات والولادة في ظروف غير صحية تعرض الأم والجنين لمخاطر عديدة.

وحول واقع القابلات بالمغرب، أكدت نادية أوزهرة، رئيسة الجمعية المغربية للقابلات، أن القابلة المهنية في المغرب لا تحتل إلى حد الآن المكانة التي تستحقها رغم الأشواط الكبيرة التي تم قطعها، ولاسيما صدور القانون المتعلق بمزاولة مهنة القبالة سنة 2016، والذي جاء بعد جهد جهيد بذلته جمعيات القابلات، التي سجلت أن القابلات لم يستفدن حتى الآن من هذا القانون بسبب عدم صدور القرارات الوزارية التي تتيح تنزيله على أرض الواقع “وهو ما يحرمهن من مرجعية تحدد حقوقهن وواجباتهن وكذا طبيعة تدخلاتهن”.

وتؤكد الجمعية المغربية للقابلات الدور المحوري الذي تضطلع به القابلات في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، وأنه لا يمكن الحديث عن تقليص الوفيات في صفوف الأمهات وحديثي الولادة دون النهوض بمهارات القابلة، التي توجد بذلك في صميم البرامج الصحية الخاصة بصحة الأم والطفل، كما أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة مرتبط بتحسين ظروف عمل القابلة التي تعتبر أيضا دعامة مهمة في مجال الحد من مظاهر العنف ضد المرأة وتعزيز البرامج التوعوية حول زواج القاصرات والمرأة القروية.

القابلات بالمغرب يشتكين من العراقيل التي تقف عائقا أمام النهوض بوضعيتهن

ولا تزال النساء في القرى والمناطق النائية يواجهن صعوبات عديدة في ولوج المستشفيات بسبب وعورة التضاريس وغياب وسائل النقل، وعدم إعطاء القابلة المهنية الحق في التنقل وزيارة النساء الحوامل اللواتي يعانين من مشاكل صحية، اقتصادية أو جغرافية، ولهذا أكدت رئيسة الجمعية الوطنية للقابلات بالمغرب رشيدة فاضل أن القانون يفرض على القابلة التواجد والعمل داخل المؤسسة الصحية وليس خارجها، وهو ما يضيع على نساء تلك المناطق فرص متابعة الحمل والولادة بشكل آمن.

ولأن ظروف العمل تضع القابلة على محك حقيقي بسبب قلة أدوات العمل وصعوبة ظروف الاشتغال التي تزيد من الضغوط الممارسة عليها باعتبارها مسؤولة عن حياة الأم والطفل، دعت الجمعية المغربية للقابلات الوزارة الوصية إلى التقليص من مدة عمل القابلة في مصلحة الولادة، لأنه من الصعب عليها أن تمضي مسارها المهني كاملا بقاعة الولادة.

ويحق للقابلات الحصول على تكوين أفضل من أجل اكتساب المهارات والقدرات اللازمة لتوفير رعاية جيدة. وقد شهد تدريبهن قفزة نوعية لا يمكن إنكارها بفضل الجهود المتضافرة للجميع، حيث إن تدريب القابلات يستجيب لنظام “إجازة – ماجستير – دكتوراه”، وتوجد العديد من الطالبات في سلك الدكتوراه.

ويتضمن القانون المنظم لمهنة القابلات في القطاعين العام والخاص، عدة نقاط نذكر منها: تعريف مهنة القابلة، شرط التوفر على شهادة أو دبلوم في مجال القبالة، تحديد المهام الموكلة للقابلة والمتمثلة في الأعمال الضرورية كتشخيص الحمل ومراقبته، ممارسة التوليد غير العسير، وتوجيه النصائح، وتقديم العلاجات، والقيام بالمراقبة ما بعد الولادة للأم والوليد الرضيع، واللجوء عند الضرورة إلى الطبيب، والقيام بالإجراءات الاستعجالية الضرورية في انتظار التدخل الطبي، وتحرير شهادة الولادة.

وأكدت رشيدة فاضل، رئيسة الجمعية الوطنية للقابلات بالمغرب، أن تقنين مهنة القابلة لن يقتصر على خدمة القابلة بل ينصب في مصلحة الأم والطفل، فالقابلة لم ترفض قطعا الاشتغال في الأماكن البعيدة والنائية لأن حياة الأم والطفل تظل فوق كل شيء، ويكفي أن تؤطر هذه المهنة بقانون يحمي القابلة ويجنبها المساءلة القانونية أو السجن أحيانا، في غياب نصوص تنظيمية لهذه المهنة.

وأضافت أن الجمعية قدمت مقترحات لوزارة الصحة باستثمار قدرات القابلات المهنيات في العالم القروي، خاصة وأنهن لم يسجلن يوما رفض أي قابلة الاشتغال في المناطق النائية التي تعاني فيها النساء من هضم حقوقهن الإنجابية.

وأكد مهنيون أن عدد القابلات المشتغلات في القطاع الصحي قليل رغم أن ظروف العمل التي لا تضمن في عدد من الأوقات ولادة آمنة، وهو ما يتوجب العمل على تحقيقه من خلال هيئة وطنية للقابلات، وهذا ما أكدت عليه رشيدة فاضل، رئيسة الجمعية الوطنية للقابلات بالمغرب، مشددة على النقص المهول رغم وجود قابلات تخرجن من معاهد الدولة لكن يعشن بطالة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: