الكثير من الكلام الأجوف في القمة الأفريقية – الروسية

بُذلت جهود دبلوماسية منسقة خلال الاستعدادات للقمة الروسية – الأفريقية في سانت بطرسبرغ، التي عُقدت رسميا يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من يوليو. وأمكن للرئيس فلاديمير بوتين التواصل مع ضيوفه دون توقف وكانت نيته الرئيسية تكمن في إظهار عمق علاقات روسيا بالقارة.

وتمثلت النكسة الكبرى الأولى للقمة في اقتصار الحضور على 17 رئيس دولة و10 رؤساء وزراء فقط من أصل 54 دولة أفريقية.

ورأى المحلل السياسي بافيل بايف أن الإجراءات كانت منخفضة للغاية إلى درجة أن خطأ البطريرك كيريل الذي خاطب بوتين في الجلسة العامة باسم “فلاديمير فاسيليفيتش” أصبح خبرا رئيسيا. وكانت النكسة الرئيسية، التي تخفيها العديد من التصريحات المغلوطة، هي عدم تماشي التراث السوفييتي للتضامن “المناهض للإمبريالية” مع أفريقيا وعجز روسيا عن مواجهة التحديات الأكثر إلحاحا التي تعاني منها بلدان هذه القارة الديناميكية والمضطربة.

وكان تدهور الأمن الغذائي الموضوع الرئيسي الذي أراد القادة الأفارقة مناقشته، وزاد من قلقهم قرار موسكو إلغاء “صفقة الحبوب”، التي سهلت تصدير الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر، قبل أسبوع واحد فقط على التجمع في سان بطرسبرغ.

 

بافيل بايف: روسيا عاجزة عن مواجهة التحديات في القارة المضطربة
بافيل بايف: روسيا عاجزة عن مواجهة التحديات في القارة المضطربة

 

وكرر بوتين أسبابه لاتخاذ هذا القرار الذي لاقى إدانة واسعة ووعد بزيادة مجانية لصادرات الحبوب الروسية وتقديمها إلى أفقر ستة بلدان أفريقية (بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا ومالي والصومال وزيمبابوي) بمقدار يتراوح من 25 ألف إلى 50 ألف طن من القمح، والتي تشكل 0.1 في المئة من المحصول الروسي. لكن القادة الأفارقة لم يقتنعوا.

وأعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يعتبره بوتين من بين المؤيدين الموثوقين، عن أمله في استعادة اتفاقية الحبوب. وبدا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الذي يتولى حاليا رئاسة مجموعة بريكس، أكثر صراحة، مؤكدا أن القادة الأفارقة لم يريدوا “هدايا” لكن إزالة الحواجز أمام تجارة الحبوب الحرة.

كما سعى رامافوزا إلى إعادة تنشيط مبادرة السلام الأفريقية. وشارك بوتين بهذا في جلسة خاصة حول “قضية” أوكرانيا يوم الجمعة، لكنه تظاهر بعدم سماعه اقتراح فتح البحر الأسود أمام الملاحة التجارية. وتتصاعد الأنشطة القتالية في مسرح البحر الأسود، واستغل بوتين مناسبة العرض البحري، الذي دُعي إليه رؤساء بوركينا فاسو وإريتريا ومالي وجمهورية الكونغو، للتأكيد على قدرة البحرية الروسية على الهيمنة على هذه المنطقة وحصار الموانئ الأوكرانية. كما أكد صد جميع الهجمات الأوكرانية على الخطوط الدفاعية الروسية بخسائر فادحة لها وللأسلحة.

ويهدد الضغط المستمر للهجوم الأوكراني في الواقع بتحويل المكاسب التكتيكية الصغيرة إلى تقدم عملياتي، مما قد يؤدي إلى هزيمة القوات الروسية المنهكة. وطورت أوكرانيا وأنتجت طائرات دون طيار بحرية مبتكرة، ويتحدى هذا الأسطول الصغير مهام أسطول البحر الأسود الروسي القتالية وقواعده.

وكان بوتين حريصا على الحديث عن رفض النظام العالمي غير العادل، ومواجهة “الاستعمار” الغربي والتمسك بالسيادة. ويجد هذا الخطاب مستمعين في أفريقيا. وأدان إبراهيم تراوري، الرئيس المؤقت الشاب لبوركينا فاسو، بحماس “العبودية” الاستعمارية ودعم “العملية العسكرية الخاصة” الروسية في أوكرانيا. لكن العديد من القادة الأفارقة من ذوي الخبرة أدركوا أن الخطاب الروسي حول السيادة يوفر التمويه لسياسة التلاعب بالصراع، والتي لا تزال مجموعة فاغنر التي فقدت مصداقيتها أداة رئيسية فيها.

وظهر يفغيني بريغوجين في أروقة القمة ورأى أنه من المناسب الإشادة بالانقلاب في النيجر، معتبرا أنه فرصة لتوسيع عمليات فاغنر. ويقوض هذا الصراع الساخر لريادة الأعمال أهداف التنمية في منطقة الساحل المضطربة، وكرر في الأثناء رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مطالبته بسحب جميع المرتزقة من بلاده.

ويقول المحلل السياسي بايف في مقال نشرته جيمس تاون، إن روسيا لا تستطيع نسخ السياسة السوفيتية المتمثلة في تمويل الأنظمة “الصديقة”، ولا يمكنها أيضا التواصل مع السياسة الصينية للاستثمار في استخراج الموارد في أفريقيا.

 

بوتين يستثمر جهدا كبيرا في استمالة القادة الأفارقة
بوتين يستثمر جهدا كبيرا في استمالة القادة الأفارقة

 

وتجلى اهتمام بكين بالشؤون الأفريقية من خلال زيارات وانغ يي، الذي أعيد تعيينه وزيرا للخارجية بعد تعديل غير شفاف، إلى جنوب أفريقيا (حيث التقى نيكولاي باتروشيف الذي خدم لفترة طويلة في مجلس الأمن الروسي) وكينيا ونيجيريا. وتغيبت الدولتان بشكل ملحوظ عن الاجتماع في سان بطرسبرغ. وكانت تركيا المحطة الأخيرة في جولة وانغ يي، وكانت مشكلة إحياء “صفقة الحبوب” نقطة رئيسية في حديثه مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

ويصر بوتين على رفض هذه الرسائل، ولكنه أرسل وزير الدفاع سيرغي شويغو إلى كوريا الشمالية للمشاركة في احتفالات “النصر” لإظهار انخراطه في الأمور التي تهم الصين. وأقيم الحدث للاحتفال بالذكرى السبعين لاتفاقية الهدنة الكورية.

واستثمر بوتين جهدا شخصيا كبيرا في استمالة القادة الأفارقة، لكن المعلقين الرئيسيين في موسكو أنفسهم يلقون صعوبة في تلخيص ما يحدث بالضبط. ولا يمكن تجاهل ظل العدوان على أوكرانيا بخطب متفائلة، وتنبّه ادعاءات بوتين بأن الغرب هو الذي بدأ الحرب نظراءه إلى انفصاله عن الواقع.

ويرى المحلل السياسي أن الدول الأفريقية (مع بعض الاستثناءات) تفضل الابتعاد عن المواجهة العالمية الخطيرة التي تحركها الحرب التي اختارها بوتين، لكن “حيادها” غير متصلب، ولم تجعلها الانطباعات في سانت بطرسبرغ أقرب إلى روسيا. ومن المؤكد أن فشل جهودها الجماعية في إحياء “صفقة الحبوب” تركت مذاقا مريرا. لكن الانكماش الشديد والمستمر لقاعدة موارد السياسة الخارجية الروسية قد يكون الأمر الأهم.

وكانت الكلمة الأساسية في الأجندة الأفريقية هي “التنمية” التي ترتبط مباشرة بالحاجة إلى الاستثمارات. ورأى القادة الأفارقة أن الحرب تتسبب في عدم الاستثمار في التحديث الاقتصادي ورأس المال البشري. وأصبح إنكار المسؤولية الآن السمة الرئيسية للسياسة الروسية، وتعدّ الشراكة مع مثل هذه القوة غير المسؤولة على نفس الدرجة المنطقية لدعوة مرتزقة فاغنر إلى دعم الاستقرار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: