أليانس ، الضحى ، قنابل إجتماعية موقوتة بالقنيطرة

بوشعيب البازي

الضحى ، البام ، الساكنية ، المسيرة ، طهرون مسميات عديدة لفضاءات جغرافية واحدة يُقصد بها الآلاف من البيوت والمساكن التي تحيط بهوامش مدينة القنيطرة. إلا أن قربها من من العاصمة الرباط لم يشفع لها لتنال حظها من الرعاية والاهتمام حتى أضحت قنابل موقوتة تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلاد، بإفرازها لثالوث مرعب يتمثل في: الفقر والإجرام والتطرف الديني.
أحزمة الفقر

“الضحى ” و”أليانس ” وغيرها من أحياء الهامش في القنيطرة، جميعها نماذج لأحياء موغلة في الفقر والتهميش والانحراف والتشدد الديني.

” الضحى ” “أليانس”، الذي يبعد عن وسط القنيطرة ببضعة كيلومترات، يعد من أشهر الأحياء الشعبية الفقيرة التي تحيط بعاصمة الغرب ، و التي عرفت مؤخرا ارتفاعا جد  ملموسا للساكنة التي حجت الى مدينة القنيطرة من العديد من المدن بحثا عن العمل في شركات الكابلاج و غيرها ، و بحثا عن الهجرة الغير الشرعية مما جعلها أحياء مجهولة لا تعرف السلطات من يعمرها و خصوصا و أنها أصبحت بؤر للفساد و للتجارة في المخدرات.

جولة “أخبارنا الجالية” في “أليانس و الضحى ” وأحياء مشابهة أخرى تعرف تهميشا من طرف السلطات المحلية التي تعتبر مدينة القنيطرة فقط وسط المدينة، فيما المنازل مبنية بطريقة عشوائية ودون تصاميم قانونية، بدون إنارة ويعاني شبابها من البطالة، كما أن أغلب مهن سكانها عبارة عن حرف بسيطة.

الزائر لهذه الأحياء يشعر عن كثب بمظاهر الفقر المدقع الذي يضرب ساكني هذه المناطق الموغلة في الهشاشة والظلم الاجتماعي، وفق تعبير أحد السكان.

وقال أحد الفاعلين الجمعويين إن أحياء الهامش في مدينة القنيطرة تعاني أكثر ما تعانيه من الفقر والحرمان الاجتماعي للسكان الذين لا يستفيدون من أية خدمات اجتماعية أو ثقافية أو ترفيهية، باعتبار أن “همهم الأساس هو لقمة عيش تطفئ جوعهم ومأوى يستر عورتهم”.

“لا يخرج من هذا الحي سوى المجرمين والمنحرفين واللصوص”.. بهذه العبارات الثقيلة عبّر عمر، أحد سكان “حي المسيرة ” في القنيطرة، عن تذمره من الأحوال الأمنية في أحد أكبر الأحياء الشعبية والهامشية في المغرب.

شكوى هذا المواطن تجد لها نظيراً في العديد من الأحياء الفقيرة المحيطة  بالمدينة كطهرون و البام و الضحى ، حيث تكثر حوادث النشل والسرقة والانحراف السلوكي بشتى أنواعه، من إدمان ومتاجرة بالمخدرات على مختلف أصنافها، وترويج للخمور، وبيع للأجساد، ودعارة، وعمالة الأطفال.

أرضية خصبة للتطرف
لم يكن أحد يربط في القنيطرة بين العيش في الأحياء الفقيرة والمهملة وبين نشوء الأفكار الدينية المتطرفة، إلى أن استفاق المغاربة ذات يوم من شهر مايو 2003 على وقع تفجيرات دموية استهدفت مطاعم وفنادق غربية قام بها شباب ينتمون إلى حي سيدي مومن المهمش في الدار البيضاء.تلك الأحداث الإرهابية دفعت حينها فقط الباحثين والمهتمين إلى الربط بين الفقر المستفحل في “البراريك” ومدن الصفيح وبين بزوغ المعتقدات الدينية المتشددة، ويدلّون على ذلك بأن أغلب المعتقلين على خلفية قانون الإرهاب في المغرب ينتسبون إلى أحياء فقيرة بضواحي المدن.

حي “سيدي مؤمن” في الدار البيضاء تجاوزت شهرته المغرب حيث صار حديث الألسن ووسائل الإعلام الدولية بعدما خرج منه شباب انتحاريون يحملون أفكاراً متطرفة يعتقدون معها أن “قتل المخالفين لهم في تصوراتهم الإيديولوجية هو أقصر طريق نحو الجنة”، يؤكد محمد سليماني الواعظ الديني.

وتابع المتحدث لـ”أخبارنا الجالية ” بأن “عدداً من الشباب الذين يقطنون أحياء مهمشة ويقضون سحابة يومهم بين براثن الفقر، يحاولون التخلص من وضعهم المعيشي المزري من خلال التعلق بأفكار دينية يحاولون الوصول إليها بأية وسيلة كانت، وهو تطرف مرفوض جملة وتفصيلا”.

ولم يكن الحي الذي أخرج “الإرهابيين” الشباب سوى واحد من تلك الاحياء المهمشة من طرف السلطات المحلية التي ظهر فيها لأول مرة تنظيم متطرف أطلق على نفسه “التكفير والهجرة” يتزعمه المدعو يوسف فكري الذي حكم عليه بالإعدام على خلفية أحداث الدار البيضاء، قبل أن يتوفى في السجن في 14 نوفمبر 2007.

بين الفقر والتطرف
الشيخ أبو حفص رفيقي، المعتقل السابق على ذمة قضايا ما سمي بالإرهاب، له رأي في هذا الصدد، موضحاً أن “التطرف أصله فكرة ومبدأ واقتناع، قد يؤمن بتلك الفكرة الفقير والغني”، مشيراً إلى أن بعض المتبنين لمثل هذه الأفكار من الميسورين، فالتلازم بين الفقر والتطرف غير صحيح”.واستدرك أبو حفص، في تصريحاته، قائلاً: “إن هذا لا يعني أن الفقر ليس له دور في الدفع نحو التطرف، بل له دور كبير في احتضانه والتشجيع عليه”، مضيفاً أن “غالب المتطرفين ممن عانوا الحرمان والفقر، فهو عامل احتضان وتغذية”.

واستطرد أبو حفص بأن “الفرد حين تسوء أحواله الاجتماعية، ويحس بالقهر، ويعاني من التسلط المجتمعي بكل أنواعه، من السهل إقناعه بأي فكرة ينفّس من خلالها سخطه على هذا المجتمع، أو يرى فيها خلاصاً من واقعه البئيس، أو يجد فيها مشروعية لهروبه وانعزاله عن هذا العالم الذي ظلمه وجعله يحس بالدونية والاحتقار”.

وشدد أبو حفص على أنه “من أعظم الوسائل التي يمكن بها محاربة التطرف الديني في المغرب التقليل من مستوى الفقر، والعناية بمثل هذه البيئات التي من شأنها إنتاج التطرف واحتضانه وتغذيته”.

 إجرام وانحراف
“الرابط بين الأحياء الهامشية التي توجد في ضواحي مدينة القنيطرة والميول إلى الإجرام والانحراف أمر اجتماعي ملحوظ ومسجل”، قالت الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ”أخبارنا الجالية “، مشيرة إلى أن أغلب الشبان الذين يرتكبون الجنح والجرائم المختلفة هم قاطنو الأحياء المهملة أساساً.

وتابعت العوفير بأن “سرقة الأشخاص أو الممتلكات بالقوة تظل أكثر الاعتداءات التي يرتكبها شباب الأحياء المهمشة التي تحيط بالمدن، لأنها بالنسبة لهم هي البديل المتاح أمام واقع الفقر والحرمان اليومي الذي يعيشونه، في خضم انسداد آفاق تنمية هذه المناطق المقصية”.

وكان تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة قد صنف المغرب في المرتبة الثانية عربياً في ارتكاب جرائم القتل، بمعدل 2.2 جريمة قتل لكل 100 ألف من السكان، معتبراً أن مدينة الدار البيضاء تعد في صدارة المدن الكبرى المكتظة من حيث نسبة الجريمة.

صيد انتخابي
وتعد الاحياء المهمشة  والأحياء الصفيحية المناطق المفضلة لمحترفي السياسة والانتخابات، سواء منها البرلمانية أو البلدية، وغالبا ما تطأها أقدام المسؤولين طلباً لأصوات السكان مرة كل خمس سنوات، وهي الفترة الزمنية التي تُنظم فيها الانتخابات في المغرب.”لا نشاهد وجوه الوزراء والمسؤولين سوى مرة واحدة طوال سنوات”، تقول السيدة نجية إحدى قاطنة بحي المسيرة  في هوامش القنيطرة ، قبل أن تضيف “هم يأتون إلينا بحثاً عن التصويت لهم، والناس يحصلون مقابل ذلك على تعويضات مالية تساعدهم على العيش”.

الأحياء الشعبية المتناسلة على هوامش عاصمة الغرب أضحت صيداً ثميناً للمرشحين في الانتخابات ، حيث لا يستغرب مواطنون فقراء وبسطاء من مشاهدة ومصافحة وزراء ومسؤولين حكوميين كبار، كانوا لا يرونهم في العادة سوى في نشرات الأخبار على التلفزيون.

تظل الاخياء المهمشة أحد التحديات الكبرى لرئيس المجلس البلدي القنيطرة السيد أنس البوعناني و عامل المدينة السيد فؤاد محمدي للنهوض بهذه الاحياء ، وهو تحد يحتاج إلى تضافر للجهود الرسمية والشعبية حتى يمكن لسكان هذه المناطق أن يكونوا عامل بناء لا معول هدم في النسيج الاجتماعي والوطني للبلاد.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: