الجزائر تصفي حسابها مع الإليزيه عبر بوابة العنف في فرنسا

تحاول الجزائر الاستثمار السياسي والدبلوماسي في أحداث العنف التي تشهدها العاصمة الفرنسية باريس، إثر مقتل شاب من أصول جزائرية على يد الأمن الفرنسي، بتغذية الأزمة القائمة بين الطرفين وتصفية حساباتها، من خلال التعبير عن استيائها من تغلغل اليمين العنصري داخل الهياكل الرسمية في فرنسا.

أعربت الجزائر عن صدمتها لمقتل شاب من أصول جزائرية من طرف الأمن الفرنسي، وعن قلقها من وضعية الجالية الجزائرية التي تمثل في الأحداث والاحتجاجات التي تعرفها فرنسا منذ عدة أيام، وهو ما يشكل موقفا نادرا في عمل وزارة الخارجية تجاه فرنسا، يترجم الحالة المأزومة للعلاقات بين الطرفين وتصيد الجزائريين الفرصة لإقامة الحجة على سلطات الإليزيه لتأكيد تغلغل اليمين العنصري داخل المؤسسات وتفخيخ العلاقات الرسمية.

ووصفت الخارجية الجزائرية مقتل الشاب نائل ذي الأصول الجزائرية، بـ”الصادم”، وقالت إن التصفية الجسدية للشاب بسلاح الأمن الفرنسي في ضاحية نانتير الباريسية، هي قتل “وحشي”، وهي مفردات غير مسبوقة في القاموس الدبلوماسي الجزائري تجاه السلطة الفرنسية.

وأفاد بيان للخارجية الجزائرية بأنها “علمت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج بصدمة واستياء بوفاة الشاب نائل بشكل وحشي ومأساوي، والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت التي أحاطت بحادثة الوفاة”.

السجال الجزائري – الفرنسي ارتفع بعد تأكيد الرئيس عبدالمجيد تبون إدراج مقطع من النشيد الرسمي الجزائري يعادي فرنسا

وأضاف نص البيان “وزارة الشؤون الخارجية على ثقة بأن الحكومة الفرنسية ستضطلع بواجبها في الحماية بشكل كامل، من منطلق حرصها على الهدوء والأمن اللذين يجب أن يتمتع بهما مواطنونا في بلد الاستقبال الذي يقيمون به”.

ويلمح بيان الخارجية إلى قلق السلطة الجزائرية من تطورات موجة العنف في فرنسا، خاصة في ظل حملة الاعتقالات والتوقيفات التي طالت العشرات من الأفراد، أغلبهم من الجالية الجزائرية أو من ذوي الجنسية المزدوجة، وهو ما يعتبر تحولا لافتا في خطاب الدبلوماسية الجزائرية تجاه فرنسا الرسمية.

ويبدو أن الجزائر وجدت في أحداث الشغب التي اندلعت في أعقاب مقتل الشاب المذكور، فرصة للتعبير عن مقاربتها الرافضة لتغلغل اليمين العنصري في مؤسسات رسمية لتفخيخ التقارب الذي أعرب عنه الرئيسان عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون منذ عدة أشهر، قبل أن تتوتر تلك العلاقات لأسباب مختلفة ترجعها الجزائر إلى تيار اليمين المتصاعد والمؤثر في القرار الرسمي.

ويتفادى الإعلام الفرنسي تناول مسألة أصول الشاب المغدور، تفاديا لمنح الحادثة بعدا ثنائيا بين السلطات الرسمية والجالية المغاربية وبشكل دقيق الجالية الجزائرية، بعد تصاعد الخطاب السياسي والإعلامي في الأسابيع الأخيرة حول ضرورة مراجعة قانون الهجرة، والاتفاقية الثنائية المبرمة بين البلدين العام 1968.

واختتم البيان بالقول “الحكومة الجزائرية لا تزال تتابع باهتمام بالغ تطورات هذه القضية المأسوية، مع الحرص الدائم على الوقوف إلى جانب أفراد جاليتها الوطنية في أوقات الشدائد والمحن”، الأمر الذي يوحي بانزعاج الجزائر من المعالجة الأمنية التي تطبقها باريس في احتواء موجة الغضب بدل الذهاب إلى مقاربة مجتمعية ترفع التمييز والإقصاء وتكرس التعددية.

وارتفع السجال الجزائري – الفرنسي في الآونة الأخيرة، لاسيما بعد تأكيد الرئيس عبدالمجيد تبون إدراج مقطع من النشيد الرسمي الجزائري يعادي فرنسا، كردّ على الحملة المفتوحة على المهاجرين واتفاقية الهجرة والتضييق على الحريات الدينية، والتي كان آخرها حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المنافسات الرياضية.

وقتل الشاب نائل ذو الـ17 ربيعا، في ضاحية نانتير الثلاثاء الماضي، من مسافة قريبة خلال عملية تدقيق مروري، وبررت الشرطة الواقعة بأن الشاب كان يقود بسرعة كبيرة في ممرّ الحافلات، ورفض التوقف عند الإشارة الحمراء.

لكن وأمام موجة الغضب وتوسع دائرة العنف والاحتجاجات إلى مختلف المدن والمحافظات الفرنسية، وجهت النيابة تهمة “القتل العمد” للشرطي الذي أطلق النار مع وضعه قيد التوقيف الاحتياطي، معتبرة أن “الشروط القانونية لاستخدام السلاح لم تتحقق”.

الخارجية الجزائرية وصفت مقتل الشاب ذي الأصول الجزائرية، بـ”الصادم” وقالت إن التصفية الجسدية للشاب بسلاح الأمن الفرنسي هي قتل “وحشي”

وكانت مرتقبة زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا منتصف الشهر الجاري، قبل أن يتم تأجيلها إلى إشعار غير مسمى، ويتم تحويل الأضواء إلى زيارة قادته إلى روسيا في التاريخ المذكور، الأمر الذي أدرجها في خانة تصفية الحسابات بين البلدين، خاصة في ظل الخصومة التي تخيم على باريس وموسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

ولم تتمكن التعهدات التي تم تبادلها بين تبون وماكرون، في أعقاب حادثة المعارضة الفرانكوجزائرية أميرة بوراوي، حول تحييد الخلافات والحوادث العارضة بين البلدين، من فتح صفحة مستقبلية بين البلدين، حيث سرعان ما تبخر ذلك تحت تأثير ما بات يعرف بدور مناوئي التقارب بين الطرفين في إجهاض أي جهد في هذا الإطار.

ومنذ أيام قليلة، وجّه وزير الصناعة الجزائري علي عون أصابع الاتهام إلى من أسماهم بـ”لوبيات” فرنسية تريد إحداث أزمة مخدر أسنان في البلاد، من أجل الحفاظ على حصرية تموين الحاجيات المحلية من الأسواق الفرنسية.

وقال “إنها ليست مشكلة فواتير.. إنها مشكلة لوبي، يوجد اليوم التخدير على مستوى المستشفى، يوجد في بعض العيادات الخاصة، هناك من يصر على اقتناء المنتج الفرنسي وأقول: لا”.

وندد الوزير علي عون بحقيقة وصفها بـ”الجدية جدا”، مستحضرا “تدخل لوبي لفرض منتج فرنسي يكلف ثلاثة أضعاف سعر التخدير الذي لدينا هنا. أقول لا ولن أتخلى عن العرش”.

وجاء هذا التصريح عاكسا للأزمة القائمة بين البلدين، والتي باتت تتغذى من مختلف الحوادث العارضة، حيث شكل مقتل الشاب وأحداث العنف فرصة لتبليغ رسائل الجزائر إلى باريس حول شروط العلاقة التي تريدها معها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: