وزير الخارجية الجزائري يقوم بجولة “جبر الخواطر” في أوروبا

بدأت الجزائر في تحريك آلتها الدبلوماسية من أجل طمأنة الغرب حول إمكانية إساءة تأويل زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى روسيا، فضلا عن جس نبض بعض العواصم الأوروبية حول مدى تحمسها لمشروع الوساطة الجزائرية بين روسيا وأوكرانيا. لكن هذا التحرك يبدو منقوصا بتجاوز عاصمتين مؤثرتين هما باريس ومدريد.

يؤدي وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف جولة إلى عواصم أوروبية من بينها روما وبرلين وبلغراد، وذلك في أعقاب الجدل والتداعيات التي تركتها زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى روسيا، ولذلك وصفت بجولة جبر الخواطر الأوروبية وطمأنتها على الموقف الجزائري، فضلا عن جس نبض الأوروبيين حول مقترح الوساطة الجزائرية بين الروس والأوكرانيين في الأزمة القائمة منذ أكثر من عام.

ويجري الوزير الجزائري في جولته الأوروبية محادثات بشأن العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، على غرار الوضع في حوض المتوسط والساحل الأفريقي والشرق الأوسط والمنطقة عموما، فضلا عن الأزمة الأوكرانية، بحسب ما ورد في بيان الخارجية.

ويبدو أن الجزائر لم تتأخر في تحريك آلتها الدبلوماسية من أجل طمأنة الغرب عبر بعض العواصم حول ما يكون قد تم تأويله بعد زيارة تبون إلى روسيا، والزخم والتصريحات التي أحاطت بها، بما أعطى الانطباع أن الجزائر قد قررت القطيعة مع الغرب.

ويحاول عطاف في “جولة جبر الخواطر الأوروبية” دحض القراءات الدبلوماسية والإعلامية التي قدمت الجزائر في ثوب الحليف العلني للروس، وتجاهلها لإرادة الأوروبيين والأميركيين في ترجيح كفة الصراع بأوكرانيا لصالحهم، وتوسيع دائرة الحصار الدبلوماسي والاقتصادي والتجاري على موسكو، ليشمل بعض العواصم في مختلف القارات بما فيها الجزائر.

غير أن مسلك الجولة الدبلوماسية الذي تفادى المرور بباريس وبشكل أقل مدريد، يوحي بأن النشاط الدبلوماسي الجزائري لا زال يسير بأطراف غير متوازنة، قياسا بوزن العاصمتين المذكورتين في صناعة القرار الأوروبي، ويعكس طبيعة الأزمة القائمة والشكوك المتجددة في كل مرة.

 

الجزائر لم تتأخر في تحريك آلتها الدبلوماسية لطمأنة الغرب حول ما يكون قد تم تأويله بعد زيارة تبون إلى روسيا
◙ الجزائر لم تتأخر في تحريك آلتها الدبلوماسية لطمأنة الغرب حول ما يكون قد تم تأويله بعد زيارة تبون إلى روسيا

 

ولم يستبعد متابعون للملف بروز ردود فعل غربية تجاه الجزائر بعد التقارب المسجل خلال الزيارة المذكورة، والخطاب المتداول في موسكو من طرف الرئيسين فلاديمير بوتين وتبون الذي وجه رسائل حادة حول امتعاض بلاده من سياستي اليورو والدولار، واستعجل قبول عضويتها في تكتل “بريكس”، كما أشاد بطبيعة العلاقات التاريخية والإستراتجية بين الجزائر وروسيا، ودعا خبراءها إلى المساهمة في تطهير مناطق جنوبية من الإشعاعات النووية التي خلفتها التفجيرات التي أجرتها فرنسا على مراحل، وأفضت إلى خسائر بشرية وبيئية وصحية إلى غاية الآن.

كما تترجم جولة وزير الخارجية رغبة الجزائر في جس نبض الحكومات الأوروبية في مسألة مقترح الوساطة الذي حظي بقبول الرئيس الروسي، ويريد عطاف من مشاوراته مع نظرائه في العواصم الغربية معرفة مدى استعداد القارة الأوروبية لقبول بلاده للاضطلاع بمهمة الوساطة رغم الفتور والتوتر الذي يربطها في الظرف الراهن مع عاصمتين من أكبر العواصم الأوروبية (باريس ومدريد).

وفيما لم يصدر أي تعليق حول الخطاب الذي تردد خلال زيارة تبون إلى روسيا، فإن فرنسا أطلقت بعض الرسائل من خلال الإيعاز للوكالة الرسمية بالحديث عما أسمته بـ”المجازفة التي تنتظر الرئيس ماكرون في تحقيق التقارب مع الجزائر”.

وأعادت البرقية التذكير بموعد الزيارة المبرمجة إلى باريس قبل موسكو، وبالتشريفات التي أعدت للزيارة، على غرار موكب الخيالة الذي كان سيرافق تبون من مجمع ليزانفاليد إلى قصر الإليزيه، في مراسم كانت ستشكل رمزا قويا لبلد يسعى للاعتراف الدولي، ولاسيما في القوة الاستعمارية السابقة.

ووصف مصدر التطور المسجل في علاقات الجزائر وفرنسا بـ”الحلقة الجديدة في العلاقات المتقلبة والمعقدة بين باريس والجزائر”، وأكدت الوكالة على أن “العلاقة بين فرنسا والجزائر مطبوعة بالريبة وسوء التفاهم والخلافات الماضية المكتومة”.

ولفت المصدر إلى أن “زيارة تبون إلى موسكو لا تثير بالضرورة استياء باريس، وأن الجزائر طرف وسيط يمكنه التحدث مع آخرين لا نتحدث نحن معهم. يمكن القول في نهاية المطاف إن كونها تتحدث إلى الروس أمر جيد”.

وأجرى عطاف الثلاثاء، مشاورات سياسية مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني تحضيرا لاجتماع دورة الحوار الإستراتيجي بين إيطاليا والجزائر المقرر عقدها في شهر يوليو الداخل، فضلا عن تناول ملف التحضيرات للزيارة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري إلى إيطاليا في نوفمبر المقبل، إذ ستكون بلاده ضيف شرف في النسخة التاسعة من المؤتمر الدولي “حوارات المتوسط” الذي أطلقته إيطاليا عام 2015.

◙ جولة عطاف تتم بتكليف من تبون بوصفه ممثله الشخصي، ما جعلها تتضمن رسائل من الرجل الأول في الدولة

وتشمل جولة عطاف ألمانيا التي سيجري فيها محادثات مع نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، ومع كاتبة الدولة للخارجية كاتيا كيول التي كانت قد زارت الجزائر قبل أشهر، حيث تطمح الجزائر إلى بعث مسارات التعاون مع برلين، خاصة في مجال الطاقة والطاقات البديلة.

ويتوجه بعد ذلك وزير الخارجية الجزائري إلى العاصمة الصربية للقاء نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية إيفيتسا داتشيتش لبحث تنفيذ مخرجات الدورة الثانية من المشاورات السياسية بين البلدين التي جرت في الثامن من مايو الماضي بمناسبة زيارة كاتب الدولة للشؤون الخارجية الصربي غوران أليكسيتش إلى الجزائر.

ولفت بيان الخارجية الجزائرية إلى أن جولة عطاف تتم بتكليف من رئيس الجمهورية كممثل شخصي له، وهو ما يجعلها تتضمن رسائل من الرجل الأول في الدولة حول ضمانات أو طمأنة بشأن أي لبس يكون قد اعتراه بفعل الزيارة التي أداها إلى روسيا.

وذكر بأن “الجولة تندرج في إطار تعزيز العلاقات الثنائية وتقوية الحوار السياسي حول القضايا التي تخص المصالح الجوهرية، والاهتمامات الكبرى المشتركة بين الجزائر وشركائها”.

وأضاف “سيتم على وجه الخصوص تقييم علاقات التعاون الثنائي في مختلف المجالات وتدارس سبل الارتقاء بها، وكذلك تبادل وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع إقليميا ودوليا، لاسيما تلك المتعلقة بالفضاءات المغاربية والساحل والصحراء ومنطقتي البحر المتوسط والشرق الأوسط، فضلا عن التوتر الذي تشهده العلاقات الدولية حاليا على خلفية الحرب في أوكرانيا”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: