الجزائر تحاول جر إيطاليا إلى تبنّي مقاربتها حيال نزاع الصحراء المفتعل

ماموني

يرى متابعون أن افتتاح إيطاليا مركزا للخدمات القنصلية في مخيمات تندوف لا يخلو من خلفيات سياسية، مشيرين إلى أن الجزائر تسعى بالواضح لاستغلال وجود حكومة يمينية في إيطاليا قريبة منها لتحقيق بعض المكاسب السياسية ومنها تلك التي لها ارتباط بقضية الصحراء.

يثير افتتاح إيطاليا مركزا للخدمات القنصلية في مخيمات تندوف تساؤلات حول دواعي هذه الخطوة، وما إذا كان ذلك يعد مؤشرا على تغير في موقف روما، التي تقودها حاليا حكومة يمينية، من ملف الصحراء المغربية.

وجاءت الخطوة بعد أربعة أشهر من زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الجزائر، واعتبر السفير الإيطالي لدى الجزائر جيوفاني بوجليز أن المكتب القنصلي الإيطالي مبادرة “فريدة من نوعها ولأول مرة تنفذ في الجزائر لتحسين وزيادة عرض الخدمات القنصلية لسفارة إيطاليا حتى في أبعد المناطق في البلاد في تندوف”.

ولفت السفير الإيطالي خلال حفل افتتاح المركز الذي حضره مسؤولون جزائريون وحظي بتغطية إعلامية جزائرية لافتة، إلى أن “المركز ليس موجهًا للجمهور المحلي الجزائري ومجتمع الأعمال الموريتاني الحاضرين فحسب ولكن أيضا للاجئين الصحراويين”.

وكانت رئيسة الحكومة الإيطالية قامت في يناير الماضي بزيارة إلى الجزائر اعتبرتها أوساط جزائرية انطلاقة جديدة على مستوى العلاقات الثنائية، وتم خلالها التوقيع على حزمة من الاتفاقيات الضخمة لاسيما في قطاع الطاقة.

ويقول متابعون إن افتتاح المركز القنصلي يشكل إحدى مخرجات زيارة ميلوني، مشيرين إلى أن الجزائر تسعى بالواضح لاستغلال العلاقات الاقتصادية التي تربطها مع روما لتحقيق مكاسب سياسية ومن بينها جر إيطاليا إلى خندقها في مقاربتها لقضية الصحراء، بعد اختراقات دبلوماسية كبيرة حققها المغرب في هذا الملف أوروبيا.

 

هشام معتضد: انتزاع موقف سياسي مقابل إمدادات غاز بثمن رمزي
هشام معتضد: انتزاع موقف سياسي مقابل إمدادات غاز بثمن رمزي

 

وبعد تغيير إسبانيا لموقفها من نزاع الصحراء، اتجهت الجزائر نحو إيطاليا، وكثفت من زيارات مسؤوليها إلى روما، وأبرمت عدة اتفاقيات معها، مستغلة حاجتها إلى الغاز الطبيعي بعد الطلب الكبير عليه إثر اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.

وأكد هشام معتضد الباحث في العلاقات الدولية، أن قرار إيطاليا افتتاح مركز للخدمات القنصلية في مدينة تندوف يندرج في إطار دبلوماسية الغاز التي تتبناها الجزائر من أجل شراء مواقف سياسية وتحركات دبلوماسية تتماشى ورغبة نظامها بخصوص ملف الصحراء المغربية وحشد الدعم لجبهة بوليساريو.

وأشار معتضد إلى أن هوس النظام الجزائري بشراء الشرعية الدولية لأطروحاته بخصوص النزاع المفتعل جعله يتخذ من شراء المواقف السياسية أسلوبا دبلوماسيا ومقاربة تهدف إلى اقتناص دعم خارجي خاصة من دول تمر بأزمات سوسيو اقتصادية.

وأوضح الباحث في العلاقات الدولية المقيم بكندا، أن النظام الجزائري سعى على ما يبدو لاستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها إيطاليا خاصة بعد وصول الحزب الأكثر يمينية إلى الحكم بقيادة ميلوني، وهو ما سهل للنظام الجزائري انتزاع موقف سياسي إيطالي مقابل إمدادات غاز بثمن جد رمزي.

وينظر المغرب بكثير من الحذر إلى وصول ميلوني زعيمة حزب “فراتيلي دي إيطاليا” اليميني المُتطرف، المعروف بمواقفه المؤيدة لبوليساريو، إلى السلطة، حيث سبق لميلوني أن زارت قبل سنوات من توليها منصبها الحالي مخيمات تندوف.

وكانت الحكومة الإيطالية سعت في بداية توليها مهامها لطمأنة المغرب بشأن حرصها على المضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية، وأشاد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإيطالي أنطونيو تاياني في مكالمة هاتفية مع نظيره المغربي ناصر بوريطة بـ”الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في استقرار المنطقة المتوسطية، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب”. كما أكد الوزير الإيطالي في نوفمبر الماضي على أن “روما مستعدة للعمل مع الرباط”، حيث أورد “يمكنكم الاعتماد على صداقتنا”.

لكن خطوة افتتاح مركز للخدمات القنصلية في تندوف من شأنها أن تضاعف شكوك المغرب بشأن وجود إرادة حقيقية لحكومة ميلوني لتعزيز العلاقات.

وأصبحت العلاقات التجارية أكثر أهمية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وبحث إيطاليا عن إمدادات من الطاقة بديلة لتقليل الاعتماد على روسيا، وفي سنة 2022 برزت الجزائر بسرعة كمحاور رئيسي للجهود الإيطالية لاستبدال إمدادات الغاز الروسية.

وذكرت سفارة إيطاليا بالجزائر في تغريدة مصطلح “الجالية الصحراوية” في إشارة إلى الحاضرين لحفل افتتاح مركز الخدمات، الأمر الذي يضاعف الشكوك بوجود خلفية سياسية وراء قرار فتح هكذا مركز في منطقة قليلة السكان مثل تندوف.

وأكد معتضد ، أن هذا التوجه الجديد للحكومة الإيطالية والموقف السياسي لروما من قضية الصحراء المغربية سيكون لهما تداعيات سياسية ودبلوماسية على العلاقات الثنائية بين الرباط وروما، لأنهما يتعارضان وقيم ومبادئ الخط السيادي للسياسة الخارجية المغربية. ويرى مراقبون أن محاولة الجزائر استمالة رئيسة وزراء إيطاليا بخصوص الصحراء المغربية لن تغير من موقف الدول الكبرى من هذا الملف، بل قد تكسبها عداوة دون داعٍ، مع مواصلة مبادرة الحكم الذاتي المقترحة من طرف المغرب سنة 2007 كسب المزيد من الدعم والمصداقية والحضور منها الولايات المتحدة والكثير من الدول الأفريقية والعربية والآسيوية، إلى جانب ألمانيا وإسبانيا وهولندا، وهو ما انعكس على توسيع دائرة الدول التي افتتحت قنصلياتها في أكبر مدينتين بالأقاليم الجنوبية الداخلة والعيون.

وبقدر ما تعزز دبلوماسية القنصليات مصداقية الموقف المغربي، فإنها في المقابل تشدد الخناق على الطرح الانفصالي وتحشُره في الزاوية، لهذا تحاول الجزائر من خلال استقطاب روما تقليد النهج المغربي الذي نجح في دبلوماسية القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية في الصحراء المغربية باعتباره خيارا إستراتيجيا نهجته المملكة في سياساتها الخارجية.

وقال معتضد إن الجزائر لا تحاول فقط تقليد الخط السياسي الخارجي للمغرب في ما يخص دبلوماسية القنصليات، ولكن افتقاد أطروحاتها الوهمية للدفاع عن الجبهة للشرعية الدولية أدخلها في صراع ضد الزمن من أجل إيجاد مخرج سياسي يحفظ ماء وجه نظامها خاصة بعد الدعم الكبير الذي يتلقاه المغرب بخصوص ملف الصحراء من طرف المجتمع الدولي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: