القمار يفكك أسرا ويخلف أبناء مشردين في المغرب

ماموني

يؤكد خبراء علم الاجتماع المغاربة أن القمار، بمختلف أشكاله التي تتنوع من الرهان على الخيول والكلاب و”الرياشة” إلى اليانصيب، بقدر ما ينعش الاقتصاد يعرّض الأسر إلى ورطة كبيرة؛ إذ يتسبب في مآس اجتماعية ومادية ونفسية لمعيليها وحتى للمراهقين المدمنين على لعبه، كما يتسبب في تفكيك أسر ويخلف أبناء مشردين.

بين تقرير رسمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي نشر قبل أيام أن أزيد من 4 ملايين مغربي مدمنون على ألعاب القمار والرهان، مشيرا إلى أن الفاعلين في مجال ألعاب الرهان يقدرون أن ما بين 3.3 و8.2 مليون شخص يمارسون ألعاب الرهان والقمار في المغرب، وأن 40 في المئة منهم يعتبرون معرضين لخطر الإفراط في اللعب المضر بمصالحهم.

واعتبر محمد رفيقي، رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، أن المدمن على القمار يورط نفسه في مشاكل نفسية بحكم أنه يصبح حريصا على تعويض ما خسره، وفي كل مرة يمني نفسه بالربح لكن تتكاثر عليه الخيبات ما يدفعه إلى البحث عن حلول بديلة توقعه في مشاكل كثيرة تتعلق بمدخوله والتقشف الذي سيلحق عائلته لأنه مضطر إلى تسديد الديون، وبالتالي يدخل في متاهات ومشاكل لا حصر لها، مما يدفع  أسرته إلى الانهيار والتشتت.

ولفت رفيقي، في تصريح لـه، إلى أنه على المستوى النفسي يعيش المقامر متوترا على مدار الساعة ويفقد أي معنى للحياة والسعادة ويصبح أغلب همه هو البحث عن المال للمقامرة في كل مرة يخسر فيها. وبالتالي يعيش انهيارا تاما على المستوى المالي والاجتماعي والنفسي أيضا.

محمد رفيقي: المقامر يعيش متوترا على مدار الساعة ويفقد أي معنى للحياة

كما أكد لحسن دحماني، الباحث في العلوم الاجتماعية، في تصريح لـه أن “المقامرة تؤدي إلى تفكك الشخصية، وهو بداية الإدمان؛ فالمقامر عندما يشرع في لعب القمار يكون همه الأوحد هو الحصول على المال، أي الربح السهل باعتباره وسيلة للثراء السريع، ليتحول ذلك في الأخير إلى إدمان”.

وعادة ما لا تترك المراهنات للمقامر فرصة أن يدخر سواء لأجل تكوين أسرة أو تحوّطا ضد عاديات الزمن.

وهناك من يقامر براتبه الشهري ويترك أسرته دون مصاريف، ما يدفع الزوجة إلى الخروج للعمل في المقاهي والبيوت لتوفير متطلبات الأسرة، ولأن الزوج لا يكترث للوضعية التي أصبحت تعيشها أسرته تضطر الزوجة إلى طلب الطلاق.

واعتبر لحسن دحماني أن المدمنين على القمار لا يستطيعون الحفاظ على حياتهم الاجتماعية وعلاقاتهم، بل على العكس من ذلك يؤدي بهم القمار إلى تفكيك كل الروابط والعلاقات الاجتماعية (خاصة الأسرية)، ليزيد الإحساس بالدونية ويزيد معه التشبث بالقمار كوسيلة لإعادة القيمة الاجتماعية للذات، متوهمين أن الربح المالي الكبير سيعيد لهم الاعتبار الاجتماعي.

وتنقسم ألعاب القمار إلى أربعة أنواع معروفة، أولها لعبة الورق؛ التي تضم بدورها “العيطة” و”الرامي”، وثانيها الكازينوهات التي تنتشر في مدن معينة ويعد روادها من الأغنياء، وتصنف “طوطوفوت” وسباق الخيل وسباق الكلاب و”اللوطو” و”الكينو” و”ماندا” ضمن ألعاب القمار الخاصة بالرياضة والأرقام، والتي تعد الأكثر شيوعا بين المغاربة.

وتحتكر سوق هذا النوع من القمار ثلاث شركات كبرى، هي “المغربية للألعاب والرياضات” التي حققت سنة 2011 ما قيمته 96.5 مليار سنتيم كأرباح حسب الإحصائيات المنشورة على موقعها الإلكتروني، وهي شركة تحت وصاية وزارة الشباب والرياضة، ومنتوجاتها تتمثل في “الكرونو” و”طوطوفوت” و”كوطي سبور”.

وشركة “الرهان التعاضدي الحضري” التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، وتطرح ضمن منتوجاتها لعبة “التيرسي” و”لكونطي” و”الكوارطي”، في حين أن شركة “اليانصيب الوطني” التابعة لصندوق الإيداع والتدبير تختص منتوجاتها في سوق القمار بألعاب الأرقام مثل “الكيو” و”الكواطرو” و”اللوطو”.

ويشير الخبراء إلى أن الإدمان على القمار خطير مهما كانت مبرراته، وهو ما أكده رضوان أستاذ العلوم الطبيعية في إحدى الإعداديات.

وقال رضوان إنه يلعب القمار منذ عشر سنوات، لكن ذلك لم ينعكس على وضعيته المادية بل على نفسيته وصحته، حيث أصبحت تنتابه نوبات عصبية أثرت على عضلة قلبه، وانخفض مردوده في العمل ولولا زوجته التي تشتغل ممرضة في إحدى المصحات لتشرد هو وعائلته بفعل تراكم الديون.

ويسيطر وهم التحول من الفقر إلى الغنى على كافة المدمنين على القمار، فلا يتوقفون رغم أنهم يخسرون مدخراتهم وجزءا كبيرا من الراتب إضافة إلى المشاكل العائلية المتعددة، والحظ لا يبتسم إلا قليلا ثم يخسر المقامر من جديد.

 

على طاولة القمار الحظ لا يبتسم إلا قليلا
على طاولة القمار الحظ لا يبتسم إلا قليلا

 

ولا يقتصر لعب القمار على عنصر الرجال والشباب بل يشمل أيضا النساء، فقد تجد بعضهن أمام محلات بيع أوراق القمار، وهناك من اتجهت إلى بيع جسدها لتوفير مبالغ المقامرة بعد مراكمة الديون وعجزها عن سدادها.

وأوضح لحسن دحماني أن المقامر ينتقل من الرغبة في الربح السهل إلى عدم القدرة على التخلي عن المقامرة، لتتحول العملية من المال إلى إدمان اللعبة نفسها؛ فالمقامر مهما بلغ ربحه، الذي يمكن أن يمكنه من عيش حياة الرفاهية واليسر، لا يستطيع الابتعاد عن ذلك، ليتحول مرة أخرى من الغنى إلى الفقر.

وقال دحماني في تصريح لـه إن “عدم قدرة هؤلاء الأشخاص على التوقف ليس نتيجة رغبتهم في المزيد من المال، بل هو عجز عن التوقف عن اللعب في حد ذاته، ليتحول القمار إلى غاية بعدما بدأ كوسيلة للربح”.

وتعد الشركة المغربية للألعاب والرياضة أكبر مستحوذ على سوق ألعاب القمار بالمغرب، وقد صنفها الاتحاد العام لمقاولات المغرب ضمن الشركات المسؤولة اجتماعيا وتساهم في تنمية القطاع الرياضي، ناهيك عن طرق تسييرها وآليات اشتغالها.

وأفرد القانون المغربي فصولا في باب الجرائم المخلة بالضوابط المنظمة لدور القمار واليانصيب والتسليف على الرهون من 282 إلى 286، والتي تحدد أصنافا من العقوبات على من يمارس القمار أو يديره دون أن يحصل على رخصة من السلطات المخولة لذلك.

المدمن على لعب القمار يورط نفسه في مشاكل نفسية بحكم أنه يصبح حريصا على تعويض ما خسره

واعتبر قانون الالتزامات والعقود أن الالتزام المرتبط بواقعة المقامرة يكون معدوم السبب، أي أن المشرع المغربي أسس البطلان على أساس اختلال ركن مهم من أركان العقد، والمتمثل في “وجود شيء محقق يصلح لأن يكون مخلا للالتزام”.

وأكد رفيقي أن الشركات التي تشتغل في مجال القمار تتحمل مسؤولية كبيرة عما يقع للمقامر، والدولة بسماحها لمثل هذه الشركات بالتلاعب بنفسيات الناس ومستقبل أسرهم وأبنائهم مسؤولة هي أيضا عما يقع، وبالتالي على الأقل لا بد من فرض قيود وضرائب والتزامات على هذه الشركات، وعليها أن ترفق إشهاراتها ومحلات القمار بما ينبه إلى خطورة ما يمكن أن يحصل للفرد عندما يشارك في لعبة القمار والمراهنات، أما السماح لها بممارسة نشاطها بكل حرية فهذا يساهم في تدمير النسيج المجتمعي.

وهناك أصوات تطالب شركات القمار بأن تساهم في مبادرات معالجة المدمنين على القمار للحد من مخاطره على الأسر، وتأطير الحملات الإشهارية التي تقوم بها هذه الشركات لترويج منتوجاتها ذات الصلة بالقمار. كما تطالب بمنع هذه الشركات من استهداف فئتي الشباب والنساء عبر مسابقات القمار التي تتم من خلال الهاتف النقال والإنترنت.

ومن بين التوصيات الصادرة عن المجلس وضع مخطط وطني للوقاية من الإدمان ومكافحته في الوسط المهني والتربوي وفي المجتمع بصفة عامة، وإحداث هيئة وطنية عليا مستقلة للتقنين التقني والأخلاقي ومراقبة أنشطة المؤسسات والشركات العاملة في مجال المراهنات والقمار.

وخلص رفيقي إلى أن الحد من أضرار هذه المراهنات يتم عبر التوعية حيث لا بد أن تكون هناك توعية للشباب والمراهقين بخطورة الإقدام على مثل هذه الألعاب والأضرار التي ستحصل جراء الإدمان على المشاركة في المراهنات وما يمكن أن ينتج عنه من نتائج مدمرة، كذلك لا بد أن يكون القانون زاجرا ومتشددا في التعامل مع شركات القمار حتى وإن كان من غير الممكن أن تتم إزالتها بشكل تام، وعلى المستوى الديني والأخلاقي هناك مسؤولية للخطباء والفقهاء والمؤثرين والإعلام، إذ لا يجب أن يتم التطبيع مع القمار بل يجب التحذير منه وتوعية الناس بخطورة المشاركة في ألعاب القمار بكل أنواعها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: