تبون يستغني عن مبعوثيه الخاصين: جهاز دبلوماسي استعراضي لم يحقق أهدافه
كشفت الجريدة الرسمية الجزائرية عن إنهاء مهام خمسة من معاوني الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ومبعوثيه الدبلوماسيين، بعد مرور نحو عام ونصف العام على تنصيبهم، الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان الأمر ينطوي على إعادة ترتيب البيت الدبلوماسي أم هو مؤشر على عدم جدوى الخطوة من أصلها، خاصة وأن المهام التي أوكلت إليهم ظلت غامضة، فيما لم تتحرك الملفات التي اضطلعوا بها قيد أنملة.
وكشف العدد الجديد من الجريدة الرسمية للدولة عن مرسوم رئاسي أنهيت بموجبه مهام عدد من الدبلوماسيين والمبعوثين الخاصين إلى عدد من المناطق والملفات، لتكون بذلك خطوة مفاجئة باعتبار أن قرار التعيين الصادر في شهر سبتمبر 2021 أثار آنذاك تساؤلات حول أداء الآلة الدبلوماسية الجزائرية.
ويتعلق الأمر بكل من المكلف بقضايا الأمن الدولي أحمد بن يمينة، والمكلف بالدبلوماسية الاقتصادية عبدالكريم حرشاوي، والمكلف بملف القضية الفلسطينية والشرق الأوسط وليبيا نورالدين عوام، والمكلفة بالشراكات الكبرى ليلى زروقي، والمكلفة بالجالية الجزائرية في الخارج طاوس حدادي.
المبعوثون الخاصون بالرئيس تبون وجدوا أن دورهم صوري لأن القرارات الخارجية تحتكرها مؤسسة رئاسة الجمهورية
وكان المكلف بشؤون المغرب العربي والصحراء المغربية عمار بلاني قد تحول تدريجيا من منصبه إلى منصب الأمين العام لوزارة الخارجية، مع تسجيله حضورا دبلوماسيا لافتا أكثر منه إداريا خلال الأشهر الأخيرة، الأمر الذي رشحه لأن يكون خليفة وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة.
وباستثناء الدبلوماسي عمار بلاني، الحاضر بتصريحاته ونشاطاته الدبلوماسية، فإن بقية المبعوثين والمكلفين بالمهام الأخرى لم يظهر لهم دور بارز في تحريك الملفات التي أوكلت إليهم.
وبنيت فكرة المبعوثين على تصور واهم من السلطات الجزائرية التي أرادت تقليد ما تقوم به دول ذات وزن دولي مثل الولايات المتحدة من إرسال مبعوثين إلى مناطق معيّنة لإيضاح السياسة الأميركية وطمأنة الشركاء وتقديم الدعم لهم لتجاوز مشاكلهم الداخلية أو الإقليمية.
وبما أن الجزائر لا تمتلك هذا الوزن الخارجي، بما في ذلك ما تعلق بالملفات المحيطة بها، فقد فشل مبعوثوها كما فشلت دبلوماسيتها ككل في تحقيق مكاسب ولو طفيفة قياسا بنجاحات دول منافسة مثل المغرب، الذي نجح في أن يكسب دعما دوليا واسعا للمقاربة التي انتهجها من أجل تسوية أزمة الصحراء دون شعارات.
ويقول متابعون للشأن الجزائري إن المبعوثين الخاصين بالرئيس تبون وجدوا أن دورهم صوري من البداية لأن القرارات الخارجية تحتكرها مؤسسة رئاسة الجمهورية ولا تترك للدبلوماسيين فرصة للتأثير أو بناء تفاهمات على المدى الطويل، مشيرين إلى أن الدبلوماسية الجزائرية تدفع فاتورة المواقف المتشنجة للنظام، من ذلك التوتر مع إسبانيا ورهن العلاقات الاقتصادية والتجارية لمشاكل سياسية حينية كان يمكن حلها بالحوار المباشر وعن طريق وزارة الخارجية وليس عن طريق رئاسة الجمهورية.
ولا تقدم الجريدة الرسمية في العادة الأسباب الكامنة وراء القرارات والمراسيم الرئاسية والحكومية، الأمر الذي يبقي الغموض حول الخطوة في ظل سياسة التعتيم المنتهجة من طرف المؤسسات العليا للدولة، رغم وجود مسؤولين وناطقين رسميين باسم رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومختلف الوزارات والمؤسسات الرسمية.
ومنذ الإعلان عن تنصيبهم في سبتمبر 2021 ظلت الخطوة تثير التساؤل عن جدوى الزحمة البشرية في مهمة هي في الأصل من صلاحيات وزير الخارجية وكوادر ومديريات الوزارة، ولم يقدموا بعد أكثر من 18 شهرا من العمل أي إضافة إلى الجبهة الدبلوماسية، فكل الملفات ظلت ممركزة في يد رئيس الجمهورية ووزير خارجيته.
ويعيد المرسوم الرئاسي الجديد طرح الأداء الدبلوماسي الجزائري خاصة في السنوات الأخيرة؛ فعلاوة على تعيين ثلاثة وزراء في ثلاث سنوات، برز بشكل واضح غياب الانسجام بين المؤسسات ذات الصلة، مما جعل الرئيس تبون يستغني عن الدبلوماسي المخضرم رمطان لعمامرة ويستنجد بشخصية من أزمة العشرية الدموية (1990 – 2000) وهو أحمد عطاف، الذي ابتعد كثيرا عن الأضواء منذ مغادرته هرم الدبلوماسية الجزائرية.
ولم يصدر أي موقف أو تعليق من جهة رسمية وحتى رئاسة الجمهورية لم تقدم أي توضيح لتبرير القرار وشرح الخلفيات التي دفعت الرجل الأول في الدولة إلى الاستغناء عن هؤلاء بعد عام ونصف العام من تنصيبهم، كما لم يتم تقديم أي حصيلة لعملهم أو ما توصلوا إليه في الملفات التي كانوا يشتغلون عليها.
وكانت زيارتا وزير الخارجية أحمد عطاف إلى موريتانيا ومالي قد حملتا صفة المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية، مما يوحي بأن الدبلوماسي عمار بلاني لم يعد مكلفا بملف المغرب العربي، وأن مهامه في الظرف الراهن تنحصر في الأمانة العامة للوزارة مع التمديد له في بعض الصلاحيات.
باستثناء الدبلوماسي عمار بلاني، فإن بقية المبعوثين والمكلفين بالمهام الأخرى لم يظهر لهم دور بارز في تحريك الملفات التي أوكلت إليهم
ولم يتضح ما إذا كانت خطوة الرئيس تبون تعكس عدم جدوى القرار برمته، أم هي مراجعة متجددة لآليات العمل الدبلوماسي، أم أنها مؤشر على أن الوزير الجديد قد تمسك بالتسلسل الهرمي وعدم تشتيت المهام والصلاحيات بين كوادر وهيئات تختلف وصايتها بين وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية.
وقبل أسابيع أجرى الرئيس تبون حركة واسعة في سلك السفراء والقناصل، مست نحو 20 سفيرا وقنصلا، من أجل تحريك وتفعيل الجبهة الدبلوماسية ومواكبة التطورات التي يعرفها العالم والمحيط الإقليمي المتوتر، غير أن العملية كانت أحد أسباب القطيعة بينه وبين رئيس الدبلوماسية السابق رمطان لعمامرة، بسبب إهمال لائحة الأسماء التي رشحها لشغل المناصب الجديدة.
وغالبا ما يتخرج الكادر الدبلوماسي في الجزائر من المدرسة الوطنية للإدارة العريقة، لكن عامل الولاء والنفوذ هو ورقة مهمة في تعيين أو إقالة هؤلاء، كما ظلت عدة ملفات وقضايا حصرا بيد الرئيس، كما هو الشأن بالنسبة إلى العلاقات مع فرنسا والمغرب خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
ولم يتضح ما إذا كان المرسوم الصادر عن الرئيس تبون يقصد به تنحية الوجوه المعنية أم إعادة هيكلة جهاز المبعوثين الخاصين، كون الخطوة لم تحقق نتائج ملموسة وكل ما هو منجز يعود بالدرجة الأولى إلى رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية.