التسليح النوعي للقوات المغربية يقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة

ماموني

يزداد المغرب اهتماما بقدراته الدفاعية والعسكرية حتى أنه صار محط أنظار الدول المجاورة، الصديقة منها والمنافسة، لكنه تمكن أيضا من إثبات موقعه ضمن المعادلات الجيوسياسية في المنطقة وأنه عنصر فاعل فيها ويمكنه قلب الموازين في منطقة تغلي بالاضطرابات الأمنية ومنها ما يهدد أمنه الخاص.

يسير المغرب في طريق التحوّل إلى قوة عسكرية إقليمية من خلال امتلاكه أحدث الأسلحة المتطورة والتكنولوجية التي تساهم في تحديث قدراته الدفاعية والهجومية، ما جعل بعض دول المنطقة تترقب هذه التحولات بتوجس نظرا لقيمة الأسلحة وجودتها التي مكنت القوات المغربية من قلب موازين القوى في المنطقة.

وقد أثار التّحديث المستمرّ للقوّات المسلحة الملكية ردود فعل بعض دول المنطقة، عندما تم ربط تطوير العتاد العسكري المغربي الجوّي والبرّي والبحريّ بتهديد محتملٍ لمصالحها، على مستوى البحر الأبيض المتوسّط ومناطق في أفريقيا جنوب الصحراء، وزادت ردود الفعل بعد موافقة الولايات المتحدة على بيع منظومة “هيمارس” الصاروخية للرباط.

 

نبيل الأندلوسي: تطوير المغرب لقدراته الدفاعية يقلق بعض الدول
نبيل الأندلوسي: تطوير المغرب لقدراته الدفاعية يقلق بعض الدول

 

وعبّرت وسائل إعلام اسبانية عن مخاوف مدريد من تنامي القوة العسكرية للمغرب، خاصة بعد حصوله على راجمات الصواريخ “هيمارس” التي تعد الأكثر تطورا في المنطقة، إذ نشرت قناة “كواترو” الإسبانية أن الجيش المغربي تكفيه دقائق قليلة لمهاجمة مناطق إسبانية على غرار مدن إشبيلية أو غرناطة، عبر إطلاق صواريخ من طنجة تصل سرعتها إلى ما بين 70 و300 كيلومتر، مشددة على أن الصواريخ المغربية المتطورة لا يستطع سلاح المدفعية الإسباني التصدي لها.

وفي هذا الصدد قالت صحيفة “لاراثون” الإسبانية إن حصول المغرب على منظومة “هيمارس” الصاروخية من الولايات المتحدة يجعل للمملكة المغربية التفوق في هذا المجال على إسبانيا، وهو التفوق الذي سيستمر إلى غاية 2028.

كما أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية مؤخرا أن منظومة “سيلام” الصاروخية ستدخل حيّز العمل لدى الجيش الإسباني في سنة 2028، أي بعد خمس سنوات من الآن، وخلال هذه الفترة يكون المغرب بمنظومة “هيمارس” قادرا على استهداف مسافة تشمل عددا من المدن الإسبانية.

ويرى نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أن القوات المسلحة الملكية استطاعت قلب موازين القوى العسكرية في المنطقة عبر تمكّنها من امتلاك أسلحة جد متطورة، وتنويع شركائها وكسب ثقتهم، مشيرا إلى أن تطوير القوات المسلحة الملكية لقدراتها الدفاعية والهجومية والانفتاح على الجيل الجديد من الأسلحة والأنظمة الدفاعية سبّبا توجسا لدى عدد من دول المنطقة، حتى التي تحسنت علاقات المغرب معها وهذا أمر طبيعي، اعتبارا لكون هذا العتاد العسكري الذي بات يملكه المغرب، فعلا غيّر عددا من المعطيات بشأن قوة جيوش المنطقة وفعاليتها والتوازنات الجيوستراتيجية المتعلقة بذلك.

وشدد الأندلوسي في تصريح لـه على أن موقع المغرب الجغرافي ذا الخصائص الاستراتيجية، والتحديات الأمنية المطروحة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، والتوتر مع الجارة الشرقية، وعدم حل مشكل الصحراء المغربية، كلها عوامل تفرض تدعيم القدرات العسكرية للجيش المغربي وتطوير إمكانياته الدفاعية والهجومية، سواء على المستوى البشري أو اللوجستي.

واعتبارا للتقارب السياسي غير المسبوق بين مدريد والرباط والتفاهمات المهمة التي جرت بين البلدين في ملفات مختلفة منها قضية الصحراء المغربية، أوضحت الصحيفة الإسبانية “لاراثون” أن المملكة “لا تعتبر إسبانيا هدفا، إلا أنها تضغط عليها، حيث يسعى بلدنا إلى الحفاظ على توازن دبلوماسي متزايد الصعوبة”؛ موردة في آخر تقريرها “صحيح أن بلدنا لا يزال متقدما على المغرب من حيث الوسائل العسكرية، ولكن عملية إعادة التسلح التي يقوم بها تميل إلى تحقيق المساواة بين القوتين المسلحتين”.

ويقول خبراء عسكريون إن صفقة التسلح المغربي الأخيرة مع الولايات المتحدة والتي بموجبها توصلت القوات المسلحة الملكية بصواريخ “هيمارس” تعني أن المنظومة الدفاعية والهجومية المغربية أصبحت تشكل رادعا إستراتيجيا ودرعا إضافيا للأمن القومي المغربي في بيئة تطبعها الصراعات الإقليمية وما يستتبعها من تأثير كبير على سياسات الإنفاق العسكري.

ودفعت التحولات الجارية في المنطقة المغرب نحو عقد المزيد من صفقات السلاح لتعزيز أمنه القومي الإستراتيجي وتطوير قدراته المسلحة، وخاصةً المتعلقة بتجديد أسطول عرباتها وشاحناتها للنقل الخاصة بالجيش، هذا إلى جانب تخصيص الحكومة المغربية نحو 12 مليار دولار لتطوير القوات المسلحة الملكية واقتناء معداتها وإصلاحها ودعم الصناعات الدفاعية وتطويرها.

 

التحولات في المنطقة دفعت المغرب نحو عقد المزيد من صفقات السلاح لتعزيز أمنه القومي الإستراتيجي وتطوير قدراته المسلحة
التحولات في المنطقة دفعت المغرب نحو عقد المزيد من صفقات السلاح لتعزيز أمنه القومي الإستراتيجي وتطوير قدراته المسلحة

 

وكشف معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن المغرب أنفق ما يقارب 23 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة في إطار خطته لتحديث القوات المسلحة الملكية بمختلف فروعها ممتد لخمس سنوات، وأورد المعهد في تقريره الصادر الاثنين، بناء على أرقام صادرة عن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن الانفاق يعادل ارتفاعا بنسبة 32 في المئة في ميزانية الإنفاق العسكري مقارنة بالفترة السابقة لهذه المرحلة، ما جعله يحتل الرتبة 29 عالميا في قائمة مستوردي الأسلحة.

وعقد المغرب العديد من صفقات السلاح مع عدد من الدول التي تربطها به علاقات قوية، والملاحظ حسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن أغلب الأسلحة التي يستوردها الجيش المغربي بمختلف قواته، البرية والجوية والبحرية، قادمة من الولايات المتحدة، بنسبة 76 في المئة، ما يعطي الجيش المغربي تفوقا إستراتيجيا في المنطقة.

واحتل المغرب المرتبة الحادية والستين عالميا في تصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى الجيوش على مستوى العالم لعام 2023 من ضمن 145 دولة شملها المؤشر، ووفقا لهذا التصنيف جاء المغرب في الترتيب السادس عربيا، والسابع أفريقيا.

ودفع التفوق المغربي النوعي والكمي النظام الجزائري إلى التقدم بطلب شراء لطائرات “سي.أش 5 رانباو” القتالية وطرادات ثقيلة من شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية، ومن المرتقب أن تتسلم الجزائر طلبياتها ابتداء من شهر مارس للعام القادم، بحسب ما ذكره موقع “مينا ديفونس” المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: