لأول مرة المغرب يطبق القانون ويتطلع إلى المساواة والعدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

لم تمض أيام على انتخابه رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب المغربي، حتى صدر قرار باعتقال محمد مبديع البرلماني والوزير السابق المنتمي إلى حزب الحركة الشعبية، والتحفظ عليه لاستكمال التحقيق معه إلى جانب 12 آخرين في قضية تتعلق بالفساد.

وجاء القرار بعد أسابيع قليلة من صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي تحدث عن وجود اختلالات على مستوى مالية المجلس الجماعي لمدينة الفقيه بن صالح الذي يترأسه مبديع لولاية خامسة على التوالي.

وقرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المطالبة بإجراء تحقيق مع المتّهمين وبينهم مبديع من أجل اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها والمشاركة في ذلك.

وقضى الوكيل العام بإحالة المتهمين على قاضي التحقيق ملتمسا منه إيداع ثمانية منهم السجن ضمنهم مبديع، فيما طالب باتخاذ تدابير المراقبة القضائية في حق خمسة متهمين وذلك بمنعهم من السفر وسحب جوازات سفرهم وأغلبهم موظفون ببلدية الفقيه بن صالح.

 

محمد الغلوسي: مكافحة الفساد لا يمكن اختزالها في محمد مبديع
محمد الغلوسي: مكافحة الفساد لا يمكن اختزالها في محمد مبديع

 

وكان مبديع قدم استقالته من رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب الثلاثاء، ليمثل الأربعاء أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء للاستماع إليه.

وجاءت هذه التطورات بعد زيارة وفد من المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، لإطلاعه على مستجدات القضية وتسلميه رسالة الجمعية بخصوص النائب البرلماني المذكور.

وذكر رئيس الوفد “لسنا سلطة اتهام ولكن نقول إنه توجد شبهات فساد وتوجد تقارير رسمية، غير أنه عوض أن يتم فتح التحقيق والمحاسبة نجد أن هذا الشخص تتم ترقيته”.

وعلق محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام على القضية، قائلا “إن قضية مكافحة الفساد لا يمكن اختزالها في محمد مبديع وأي شخص آخر، بل هي قضية مجتمعية تهم كل الفاعلين وتتطلب تضافر كافة الجهود والإرادات لمواجهتها وفق إستراتيجية متعددة الأبعاد لكون الفساد نسقيّا وبنيويا”.

وثمّن الغلوسي في تصريح لـه ، قرار تقديم المشتبه بهم إلى القضاء كخطوة أولى في مسار تحقيق العدالة والتصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام، ومنهم مبديع الذي ناور وتحايل من أجل الإفلات من المساءلة القانونية، لكن فضحنا مناوراته. ووقوفنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام إلى جانب الرأي العام والقوى الحية جعل القضية تأخذ أبعادًا أخرى أجبرت مبديع على تقديم استقالته من رئاسة لجنة العدل والتشريع وإفشال مخططه”، لافتا إلى أن “الفرقة الوطنية قامت بعمل مهني ومجهود مهم في هذه القضية”.

ورغم متابعته في جرائم فساد واختلالات تهمّ المال العام، تم انتخاب مبديع من طرف مجلس النواب رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، الأمر الذي أثار جدلا وعدّه حقوقيون ومتابعون للشأن السياسي بمثابة تطبيع مع حماية الفساد.

تقرير المجلس الأعلى للحسابات رصد مجموعة من الاختلالات والخروقات ببلدية الفقيه بن صالح التي يترأسها مبديع

وأكد بلاغ حزب الحركة الشعبية أن “ترشيح محمد مبديع لرئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب جاء من منطلق الاستناد إلى أحكام الدستور، وكذلك منطوق قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أن البراءة هي الأصل”.

وبعدما اعتقد مبديع أنه حصل على الحصانة من خلال ترؤّس لجنة العدل وحقوق الإنسان، كان للقضاء رأي آخر بمتابعته في حالة اعتقال، ولهذا أكد الغلوسي أن مسار تحقيق العدالة والتصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام هو من أولويات السياسة الجنائية وتجسيد دور السلطة القضائية في مكافحة كافة مظاهر الفساد وبعث الأمل في المستقبل وتعزيز الثقة في المؤسسات وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.

ورصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة دستورية) مجموعة من الاختلالات والخروقات ببلدية الفقيه بن صالح التي يترأسها مبديع تضمنت إبرام صفقات التأهيل الحضري للمدينة خلافا لأحكام القانون المتعلقة بالصفقات العمومية، والتي كلفت الملايين من الدراهم من المال العام، بما في ذلك صفقات الدراسات وصفقات الأشغال المترتبة عنها، دون مراعاة للمقتضيات ذات الصلة المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

وتفاعلا مع الحدث قال بلاغ لحزب الحركة الشعبية، إنه “من منطلق الإيمان الثابت لحزب الحركة الشعبية بمغرب المؤسسات، وبعد صدور تعليمات عن السلطة القضائية بمتابعة محمد مبديع، فإن الحزب إذ يجدد ثقته في استقلالية القضاء، فإنه ينوه بالقرار الشجاع والحكيم للأخ مبديع بتقديم استقالته من رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بغاية الدفاع عن حقوقه من موقع البراءة بتجرد من مسؤوليته على رأس هذه اللجنة النيابية”.

وأكد الغلوسي أن الوقائع ومعطيات القضية تفيد بأن الاختلالات المسجلة ببلدية الفقيه بن صالح التي يتولى البرلماني مبديع رئاستها منذ عام 1997 إلى الآن هي اختلالات جسيمة ماليا وقانونيا وتدبيريا وحتى يكون قرار النيابة العامة متناغما مع طبيعة وجسامة الوقائع تمت متابعة المتهمين في حالة اعتقال.

وأوضح أن الهدف ليس ذاتيا ولكن لكون جرائم الفساد ونهب المال العام تقتضي اتخاذ قرارات شجاعة وحازمة لمواجهة آفة الفساد واستهتار المفسدين ولصوص المال العام بكل القواعد القانونية والأخلاقية، ولكون المجتمع قد ضجر من الازدواجية في تطبيق القانون ويتطلع إلى المساواة والعدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: