ماكرون وحواريوه.. بين الفرنسيين من أصل مغربي والمهاجرين الجزائريين في أرض الـ”ماما”

استشْرت البرودة مؤخرا في العلاقات بين المملكة المغربية وفرنسا. لكن سلطات الأخيرة قررت التوغل أكثر، في كل ما قد يعمق الخلافات بينهما ويوسع الهوة لتصبح أكبر من أي مسعى لرتقها، وبما يلقي بتبعات ذلك على كواهل مواطنين فرنسيين متحدرين من أصول مغربية وجدوا أنفسهم، على حين غرة، مجرد أكباش فداء ارتأت فرنسا التضحية بهم في صراع كسر العظام مع المغرب.

فرنسيون من أصول مغربية؟ التهمة جاهزة

في فرنسا إيمانويل ماكرون يكفي أن تكون مغربيا متمتعا بالجنسية الفرنسية، حتى لا تسري عليك القوانين التي تسري على الفرنسيين. فالتهمة جاهزة لكل الفرنسيين المتحدرين من أصول مغربية؛ إنهم جواسيس وعملاء مثلما يتهمون جزافا، وذلك حتى لو ثبت العكس.

وبالفعل، اكتسى الخلاف بين المغرب وفرنسا أبعادا مختلفة، بعدما انبرت الأخيرة عبر وزارة داخليتها إلى التضييق على مواطنيها المتحدرين من أصول مغربية، ومن ثمة صرف اتهامات مجانية وجزافية في حقهم تحاول من خلالها النيل منهم. وقد وجدوا أنفسهم محشورين في دوامة وضعتهم فيها السلطات الفرنسية، الرامية من وراء ذلك لبعث رسائل إلى نظيرتها المغربية، وتظنها بذلك مشفرة وهي واضحة، بل ومفضوحة.

استهداف فرنسي واضح للمهاجرين من أصل مغربي واختلاق المبررات لتشويه سمعتهم

ومنذ تفجر الخلاف بين المغرب فرنسا، بسبب حربائيتها وعدم تحريها الوضوح المفترض في العلاقات الثنائية المبرمة بين البلدين، انهمك جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي، في تقفي ما يفرق بين البلدين أكثر مما قد يحلحل المشاكل التي تسببت فيها الرئاسة الفرنسية، والتي شكلت سابقة في تاريخ البلدين معا.

وشنت وزارة الداخلية الفرنسية موجة تشويه شعواء تتصيد مواطنين فرنسيين من أصول مغربية، وقد فصَّلت لأجلهم اتهامات جاهزة ومجانية، تزيد من تشنج الأوضاع بين بلدين لطالما درجت علاقتهما على التميز، إلى حين منعطف الرئاسيات الفرنسية التي جنحت لرئيس هو أخف من أن يتحمل مهمة جسيمة مثلها ولا ينفلت بالمرة.

رشيد امباركي.. شجرة تخفي الأكمة

لم تبقِ وزارة الداخلية الفرنسية في عهد جيرالد دارمانان أحدا من الفرنسيين ذوي الأصول المغربية، ولم تذر أي أحد منهم يتبوأ مكانة مرموقة هناك إلا واتهمته بالتخابر لصالح المغرب، فكما تغيرت الوجوه والنماذج ظلت التهمة واحدة لتنم عن مزاج فرنسي مجبول على العجرفة.

وفجأة وجد رشيد امباركي، الصحافي الفرنسي من أصول مغربية عن قناة BFMTV، نفسه تتلاطمه اتهامات بالتخوين وخدمة الاستخبارات المغربية، وقد ألصقت على ظهره جريرة الدفاع عن مصالح المغرب في فرنسا، عبر تأكيده في نشرة إخبارية مسائية على مغربية الصحراء.

وكان رشيد امباركي اتهم في شهر فبراير الماضي ببث أخبار تخدم مصلحة المغرب، وهو الاتهام الذي اختُلق لتقويض مسار صحافي لم يثر يوما أنه مغربي إلى أن تقرر الزج به في حرب قذرة تريد جعله كبش فداء لعلاقة متذبذبة بين المملكة الشريفة وساكن قصر الإليزيه الذي تفنن في تسميم العلاقات بين البلدين، وسايره في ذلك حواريوه في الحكومة الفرنسية.

ولعل ما يؤكد الحملة الممنهجة التي تستهدف المواطنين الفرنسيين من أصول مغربية، هو ما دافع به رشيد امباركي، أمام لجنة التحقيق البرلمانية التي مثل أمامها في شهر مارس 2023، عن نفسه وقد قال لقد “أصبحت بقدرة قادر أنعت بالصحافي المغربي – الفرنسي، وهو أمر لم يحدث من قبل ولم يتم التطرق إلى أصولي المغربية من طرف الإعلام”.

مهاجرون جزائريون.. طبطبة وحنو فرنسي

وفي مقابل ما يقع للفرنسيين المتحدرين من أصول مغربية، فإن ما يرفل فيه مهاجرون من أصول جزائرية من طبطبة وحُنُوٍّ يبعث على الاستغراب من النهج الذي ارتأته السلطات في البلد الأوروبي، لتتعامل بانتقائية مع الوقائع وتكيف لنفسها كل الأحداث لتضيِّق على ذوي الأصل المغربي وتفتح الباب مشرعا أمام المتحدرين من المقاطعة الفرنسية التي تدعى “الجزائر”.

تصمت السلطات الفرنسية عندما يتعلق الأمر باستهداف معارضين جزائريين لأنها تعتقد أنها بذلك تخدم عسكر الجزائر

ولا غرو أن أزلام النظام العسكري القائم في الجزائر، المندسين في فرنسا يحظون بكل الحماية المطلقة. فهم في حل من أي متابعة أو تقصّ حتى لو تورطوا في ما يجعل الولدان شيبًا، كما كان الشأن حين محاولتهم تصفية أمير بوخورص، المدون والصحافي الاستقصائي والمعارض للنظام العسكري الجزائري المعروف بـ”أمير ديزاد” (Amir DZ)، خلال محاول الاغتيال الفاشلة في يوم الجمعة 11 نوفمبر 2022، بساحة الجمهورية في باريس أثناء تنظيم وقفة رفقة مجموعة من المهاجرين الجزائريين الغاضبين على النظام القائم في بلدهم الأصلي.

حينها خرج الضحية ليقول بملء فمه إنه يعرف من حاول اغتياله وأن مقترف الجرم مأجور من النظام العسكري، ونعته بالبيان والبنان وقد أورد أن اسمه “قاسمي فاتح” وأنه مولود في 26 ديسمبر 1985، بعين البنيان في الجزائر العاصمة، فماذا فعلت وزارة الداخلية الفرنسية حيال ذلك؟ لقد لزمت الصمت وحينها ارتأت أنها ستخدم النظام العسكري الجزائري بترك هذه القضية، وهو ما تم فعلا.

وإلى جانب “أمير ديزاد” هناك هشام عبود وعبدو السمار، وهم جميعا تعرضوا لمحاولات تصفية جهارا نهارا في فرنسا، التي استباحها المأجورون من النظام العسكري الجزائري، لكن لم يحس أحد إزاء كل هذا لجيرالد دارمانان همسا ولم يسمع له أحد ركزا، وقد احتمى بالصمت وضرب عليه طوقا منه، خدمة لأجندة مرسومة تنحاز للمقاطعة الفرنسية والمنصَّبين فيها على رؤوس الجزائريين.

نعم في فرنسا إيمانويل ماكرون ما يشي بأن الأمور تسير وفق منهاج خاص، تستباح تحت سمائها حريات المغاربة ولو كانوا فرنسيين. فهم مهددون بأن تصادر حقوقهم ولا يذرف عليهم الدمع أحد، وبتعامل مقيت ينتصر للمهاجرين الجزائريين الذين لهم أن يعيثوا في فرنسا ما شاءوا من فساد.. ولن تعاقبهم البتة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: