“قذائف” المقالات، ضد مغرب المنجزات.. مجرد فقاعات

خلال أسبوع واحد، هذا الذي انصرم، تمتّع المغرب باهتمام خاص ومميّز في صفحات جريدة ““لوفيغارو”” الفرنسية، وفي مجلة “ذي إيكونوميست” الإنجليزية. في كليْهما ملف “دَسِم وطويل” عن المغرب، وخاصة عن العاهل المغربي محمد السادس؛ في “ذي إيكونوميست” بالمباشر من العنوان إلى الخاتمة، وفي ““لوفيغارو””، أيضا في مقال خاص وفي خلفية تحليل لأوضاع المغرب.

عجيب، غريب ومريب أن لا تجد إدارتا التحرير في الصحيفتين، من الأحداث والقضايا الجارية في العالم، أهم من المغرب وملكه. ما يفيد بأن المغرب وملكه قضيّة هامة لدى موجّهي القرار التحريري في الصحيفتين. بما يمكن من اعتبار الملفين متكاملين، بل متعاونين، في الوصول بالقارئ إلى الاقتناع بأن المغرب، بقيادة ملكه، هو اليوم، فعلا، في موقع ريادة وفرادة عربيّة وأفريقية، ولذلك هو معضلة تستدعي التفكيك. في الملفين شحنات انزعاج، غضب وقلق من المغرب، يتطاير رذاذها وفوارها من خلال الكلمات والجمل.

ملف “لوفيغارو” ذكّر بما تسرّب عن تقرير للمخابرات الفرنسية، تحدّث عن خطّتها “لمنع المغرب من أن يكون قوة إقليمية”. والملف بمضمونه، وبما استبطنه من تهديد للمغرب، ومن تقديمه للعالم بكونه “معتدّا بنفسه”، وتستبد به “شراسة المجروح في نرجسيته”، بحيث تدير دولته الشأن الداخلي بالمزيد من الضغط على شعبها، وهي خطر على جيرانها وعلى علاقاتها الأوروبية، وخاصة الفرنسية، بممارساتها العدائية من نوع “التجسُّس”، على الأصدقاء قبل الأعداء، ومن نوع الإعداد للحرب ضد الجزائر. ليصل الملف إلى حقن موضوع الحكم في المغرب بالتّشكيك في قابلية الملك أو جاهزيته لممارسة الحكم. بهذا المضمون يكون الملف “الصّحفي” قُنْبلة “ناعمة”، من “خُطة” مُحاولة منع المغرب من أن يكون قوة إقليمية.. لعلَّها مدخل تلك الخطة أصلا.

◙ إنه المغرب الذي بات في وضع يسمح له بأن يفرض تأسيس علاقاته، مع فُرقائه التّقليديين والجُدد، على قاعدة رابح – رابح. وأن يختار مع من وكيف. وأن يُدير تلك العلاقات من موقع التكافؤ

ملف “ذي إيكونوميست”، مشابه في الكثير من فقراته وفي بعض ما نُسب لمَعْلومين أو مَجْهولين من تصريحات خاصة في “تيمة” الحياة الخاصة للملك. هو الآخر ينتهي بترديد شائعات، أُطلِقت منذ سنوات، في أروقة العداء للمغرب في باريس، ويُردِّدُها تسعة مغاربة مُمْتهنون للمُشاغبة ضدَّ المغرب ومُنْتفعون بعائداتها المالية عليهم، حول احتمال أن يتنازل الملك محمد السادس عن العرش لفائدة ولي العهد. وكان الملف قد بدأ باعتبار “المغرب هو أكبر النَّجاحات في العالم العربي، بسبب منجزاته الصناعية والسياحية، وبسبب إفلاته من عدْوى “الثورات العربية”، سُرعته في التّجاوُب مع غضب الشارع بالإصلاحات الدستورية التي بادر بها الملك. وما بين بداية المقال (الطويل على غير عادة المجلة) ونهايته، سيل من الإشاعات والحكايات والأحكام والتكهُّنات، المنسوبة لمصادر غير مُسَمَّاة، إما مَكْذوب عليها أو لا تملك شجاعة تبَنِّي ما صرحت به.

إنّه تنْقيب في الحياة الخاصة للملك، وفي محيطه القريب وفي إدارته لحياته الخاصة، وكل تلك المادة المكوَّنة، فقط ولا غير، من شائعات، نميمة سياسية وأُمْنيات، من إنتاج مخابرات أجنبية، تملك خيالا مُؤامراتيا، وروَّجتها شرذمة مغاربة سابقا، من متسوّلي العمالة ضد بلادهم في الخارج، ويردّدها معهم، في الداخل، كُمْشة مستثمرين في التطرف السياسي، متمرِّسين في تحويل الفائِر من الأقوال إلى الوافر من الأموال. وهكذا يكون الملف الصحفي، هنا، محاولة لتوجيه غيوم الاضطراب في الفضاء السياسي للمغرب، واستِمْطارها في داخله وحواليه بملوّثات “تلطّخ” نصاعة ولمعان “فرادة نجاحاته في العالم العربي”.

الملفان في الجريدة والمجلة، بكاملهما وتواقتهما، يشكلان، عمليا وبما أفصحتا عنه، مقالا واحدا بسعي مشترك ومتناغم نحو نفس الهدف؛ الاعتراض على النّهضة المغربية وكبح جموحها في الفضاءات الأفريقية، العربية والمتوسطية، وحجز امتداداتها في تلك الفضاءات، قُوّة رائدة وبجاذبية القُدْوَة والمثال. ولتحقيق ذلك الهدف يتوجه الاعتراض إلى قائد هذه النهضة، مبدعها ومدبّرها: الملك محمد السادس. في “لوفيغارو” ستقول متدخلة فيه “لقد جانب الملك الحذر حين سينظر إلى علاقاته مع الأصدقاء من زاوية الصحراء المغربية”.

“ذي إيكونوميست” خصّصت ملفها، بالكامل، لتقديم صورة مُركّبة عن ملك المغرب. مُركّبة بعناية مغرضين وملوّنة بحقدهم. جزء من الصورة يبدو فيها “هاربا” من بلده، والجزء الآخر تحدثت فيه عن “ميله” إلى العبث. لتخلُص إلى أنه “مُتشبث” بالحكم رغم أن المخزن (الدولة) “متبرم” منه. واضح هنا تأثُّر الصحافي ببعض حكايات ألف ليلة وليلة. تلك الصورة، جمعها كاتب المقال من تصريحات لمصادر مبهمة التعريف، كما لا يجدُر بصحافي إنجليزي أن يفعل في مجلة، عريقة وتتباهى باحترامها لشروط الاحترافية ومقتضيات أخلاقيات مهنة الصحافة.

في سياق تلك الصورة، أثَّثَ الصحافي مقاله بتوزيع وِشايات ومَزاعم، في شكل ألْغام بطيئة الانفجار زرعها في بِنْية النظام السياسي المغربي عبر حقله الأمني. والمُضحك فيها الوشاية ضد السيد عبداللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني والمحافظة على التراب الوطني. حمّله المقال كل ما تلوكه جماعة من المُتاجرين بالتّيَاسُر السياسي. فهو السُّلطة التي لا راد لبطْشها، يعتقل “المعارضين” على مِزاجه وهو من “يحكم” عليهم بالسّجن لسنوات، يخرس الصحافة ويُرْعِبُها ويُوَجِّهها.. إنه الاسم الشخصي لما يردّده أغنياء اليَسْراوية اللَّفظية، من أن في المغرب “الدولة بوليسية”.

◙ إنّه تنْقيب في الحياة الخاصة للملك، وفي محيطه القريب وفي إدارته لحياته الخاصة، وكل تلك المادة المكوَّنة، فقط ولا غير، من شائعات، نميمة سياسية وأُمْنيات، من إنتاج مخابرات أجنبية، تملك خيالا مُؤامراتيا

ولعلّ هذا ما يرتاح له أولئك، ومُوَجِّهوهم من الدوائر التقليدية للاستعمار الجديد، خاصة في فرنسا، لو كان واقعا. لأن “أقصى اليسار خدم دائما أقصى اليمين”، كما هو معروف في الأدبيات “اللِّينينية”. والدولة البوليسية هي نتاج اللاَّقانون، وهي من تعيد إنتاجه باستمرار. وأولئك، جميعهُم أصلا مع انعدام القانون. هم ينْتَعِشون في عَتَمات دولة التحكم، تلك التي تشْمَئزُّ من الشَّفافية وتُتيح إمكانية “التفاهُمات” والتسامح في “تبادل” المنافع بينهم وبينها. بينما السيد حموشي مسكون باحترام القانون، لا يصدر عنه بلاغ باعتقال مشتَبهين في قضية إرهابية إلا ويذيِّله بالجملة الشهيرة “تحت إشراف النيابة العامة المختصة”. ولا يُتبلغ، مباشرة أو عبر الإعلام، بشكاية ضد موظف أمن أو تجاوز أو تعسف منه، ومهما كانت رُتْبته، إلا ويحقق في الأمر، وإذا ثبت لديه ما يُبرر الشكاية أو يثبت الواقعة، يبادر بتوقيف الموظف وعَرْض أمره على القضاء.. لا بل أشرف على تكوين أكثر من 500 مُوظّف أمن على ثقافة حقوق الإنسان، عدا عن إدراج تلك المادة في المعاهد التابعة له. ولا بأس أن أكشف ما قاله في صديق له، حين التمس منه الصديق أن يتدخل لفائدة نجاح قريب له اجتاز مباراة توظيف شرطة، أجابه “اعذُرني، لا أستطيع أن ألبِّي لك طلبك، لأن أبناء المغاربة عندي سواسية، ولا يمكن أن أغلِّب حَظّ أحدهم على الآخرين وضد القانون والأخلاق.. وطلبات من هذا النوع أرفضها مهما كانت علاقتي بصاحبها…”. لم يقل هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي. قاله لتمرين أصدقائه على ضبط ساعاتهم على مُؤشرات المرحلة وعلى الشّرط الديمقراطي والحُقوقي فيها لتحمُّل المسؤوليات الوطنية. وبنفسه أعطى المثال. ولا يحتاج السيد حموشي إلى دفاع عن سمعته الوطنية ولا عن كفاءته المعروفة للمغاربة والمُجرّبة عالميا في مكافحة الإرهاب.

في الملفين إقرار بتقدم المغرب وبنجاحاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في محيطه الأفريقي والعربي.. إنه مغرب المُنجزات، المغرب الذي، وهي تُقر به، تسعى هذه الحملة الإعلامية – السياسية إلى التعْتيم عليه بل ونسْفه. وتُحاول أن تستخرج في قراءتها لتلك المنجزات، ما تراه عائدا “نفسيا” على المغرب، يُنمّي فيه الزّهْو والتّعالي والجَاهزية العُدوانية. إنها المنجزات التي وضعت المغرب على سكة التخلُّص من “قبضة” الاستعمار الجديد، من أجل التّكريس الفعلي والملْمُوس للاستقلال الوطني. إنها التطورات الهامة في نسيجه الصناعي وفي الحكامة الاقتصادية عامة، القفزات النوعية في الرَّوافع التنموية، من موانئ، سِكّة الحديد، الطرق والطرق السيارة، تعميم الكهرباء والماء الصالح للشرب، الاتصالات.. وفي تجويد الروافع الاجتماعية بالتقدم في إصلاح التعليم، استقلال القضاء، تحرير الفضاء السمعي – البصري، إصلاح الحقل الديني، تعميم التغطية الاجتماعية الإجبارية، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان، وتجديد البنيات القانونية لحكامة الدولة.. وغيرها كثير ونوعي.

إنه المغرب الذي بات في وضع يسمح له بأن يفرض تأسيس علاقاته، مع فُرقائه التّقليديين والجُدد، على قاعدة رابح – رابح. وأن يختار مع من وكيف. وأن يُدير تلك العلاقات من موقع التكافؤ، ومن زاوية مصلحته الوطنية. إنه المغرب الذي لم تقُد إنجازاته قوى خَفيّة أو فضائية. الإنجازات تحققت بفضل عقول وسواعد المغاربة وبإرادة لصيقة، مُبدعة ومُثابرة لقائد اسمه الملك محمد السادس. حمل معه، حين تحمَّل مسؤولية المُلك، تصورا إصلاحيا وتحديثيا بمداه البعيد وبتحقُّقاته المرحلية والتأسيسية، وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وامتداداتها الدبلوماسية والتي خطَّ فيها مَسار استقلالية القرار الوطني، وسط أدغال النظام الدولي بقواعده وبالاحتقانات داخله وتجاذباتها..

إنه الملك نفسُه الذي يُزعج جهات، تآلفت مع رِيع ومَغانم علائق الاستعمار الجديد، ومع مُواضعاته و”ثقافته”. وهي تلمس أن مساحات تحركها في المغرب ضاقت، وأنّ تقدم المغرب وتنوّع علاقاته السياسية والاقتصادية والتجارية، يقْضِمان من مكاسبها ويضيقان مصالحها ويقلصان نفوذها وهي اليوم تشنّ عليه حملة بقذائف “مقالات”، وستلجأ إلى السمعي – البصري، وإلى ما سوى ذلك من أساليب الضغط والابتزاز. والتي تصطدم اليوم، وأيضا غدا، بجدار التلاحم القوي بين الملك وشعبه، بحيث تتساقط المحاولات عليه وتنفجر كفُقاعات صابون.

◙ عجيب، غريب ومريب أن لا تجد إدارتا التحرير في الصحيفتين، من الأحداث والقضايا الجارية في العالم، أهم من المغرب وملكه. ما يفيد بأن المغرب وملكه قضيّة هامة لدى موجّهي القرار التحريري في الصحيفتين

حَكمُ مُباراة المغرب وفرنسا في نصف نهائي كأس العالم في قطر، صرّح لإذاعة مكسيكية، مبررا أخطاء تحكيمية، بأن “الفار هو من مَنَعه أكثر من مَرّة من إعلان ضربات خطأ لصالح المغرب، قريبة من المرمى الفرنسي…” وهو ما يؤكد ما راج من “إشاعات” بأن بعض المستشهرين (من مؤسسات تجارية عالمية) هدّدوا بوقف تمويلهم للفيفا إذا مرّ المغرب إلى المباراة النهائية. لأن في ذلك “لخبطة” في النظام الكُروي العالمي، وهو المنسوج على منوال النظام السياسي الدولي.

لست معنيا بنفي ولا بتصديق هذا الكلام ما هو واضح لدي، هو ما شعرت به في المغرب وفي قطر وأنا أتابع أجواء تلك النهائيات، وبما ميّزها من نهوض حماسي مُلتهب للحسّ الوطني، وضمنه الترديد القوي، العميق والصادق للنشيد الوطني، في الملاعب، وأمام أكثر من مليارين من المشاهدين في العالم لتلك النّهائيات، وفي شوارع قطر ومقاهيها، وفي كل أرجاء المغرب، مدنه وقراه، أحيائه وأزقته، بيوته ومقاهيه.. النشيد الذي تختمه الأنفاس الوطنية، بنبرة تحد وهي تُعلن “أنَّا هُنا نحيا بشعار الله، الوطن، الملك”. لقد كانت تلك الملحمة مناسبة للشعب المغربي ليعلن، تلقائيا القسم للوطن والاعتزاز بالملك. إنه الشعب المغربي، حوالي 39 مليون مواطن، ناقص “79”! شخصا، إقامتهم ما بين المغرب وأوروبا، متوزّعين ما بين مُتاجر بالتطرف السياسي أو متسول باللّجوء السياسي. أولئك الذين يوجّهون “مدفعية” المقالات ضد المغرب وضد ملكه، لا شك، هالهم الأمر.

إنه استفتاء تلقائي لصالح الملك محمد السادس وبنتيجة 99.99 في المئة والمُعلنة على الهواء وتحت أنظار المُراقبين من جميع أطراف العالم. ومن ذلك إحساسي، آنذاك، بأن ردّهم لن يطول انتظاره. ولكني سرعان ما “غادرت دهشتي” وأن أقول لصديق كان بجانبي، إن ما يُزعج المُعترضين على تقدُّم المغرب وعلى استقلاله، أعني التلاحُم القوي حول الوطن، بين الملك وشعبه. هو بالذات قوَّته التي بها سينتصر لإرادته، رغما عما يوجه ضده من نفّاثات الأحقاد والفتن. وإرادة هذا المغرب، كانت وستبقى كرامته وتقدمه، ليكون بها عونا في مُحيطه، وفي علاقاته لمن يرمي إلى صون كرامته وتحقيق تقدمه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: