أي تشريع وقضاء لحماية طفولتنا

إستقلال السلطة القضائية وماتبعه من تعديلات هامة ، في محاولة لفصل السياسي عن القضائي ، من أجل تقوية مرفق القضاء كسلطة مستقلة عن باقي السلطتين التشريعية والتنفيذية ، أمر حرص معه المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تمكين السادة القضاة من آليات وبرامج الإشتغال بما يكفل تطوير وتقوية مركزهم الوظيفي في صناعة العدالة ، و بإنفتاحهم على الجانب الحقوقي والأكاديمي والمجتمعي وهو ما نتتبعه ونلمسه في عديد من الأحكام التي نلامس فيها قناعة القاضي المستحضر لكل تلك الجوانب الهامة في صناعة الحكم ، اللهم ما أستثني منها وثم تداركه في مراحل الطعن لإرجاع الأمور إلى مجراها الصحيح والسليم مسطرتا وموضوعا .

والحماية القانونية لها مظاهر كثيرة منها ما هو إجتماعي وأسري و مدني و تجاري وحتى إداري و كذلك الأهم الجنائي ، فالقضاء دون منازع هو الضامن للحقوق والحريات .

فقرار غرفة الجنايات الإبتدائية بالرباط والذي ستعاد مناقشته أمام غرفة الإستئناف الجنائية بذات المحكمة بإعتبار أن الإستئناف يعيد نشر الدعوى من جديد ، قرار إبتدائي جنائي نعتبره نشازا وإستثناءا ، أسال الكثير من المداد وحرك جمعيات حقوقية كثيرة فقضية قاصر تيفلت أو هذا القرار الغريب شرعا وقانونا ، الذي أعاد النقاش القانوني الى الواحة من جديد فيما يتعلق بسلطة القاضي التقديرية في إعمال ظروف التخفيف من عدمه وما مستدل القاضي في هذا التنزيل حالة وضوح النص المشدد للعقوبة في قضايا الإعتداءات الجنسية على الأطفال ، وقائعة خطيرة بالنظر لسن الضحية وبشاعة الفعل الجرمي المرتكب بالتعدد والتهديد .

حاجتنا ملحة الى نجاعة قضائية تحمي المجتمع وحاجتنا لا تقتصر فقط على القضاء الزجري لوحده لبناء قاعدة حمائية لحقوق الطفل والحد من مثل جرائم الإغتصاب وهتك العرض التي يقع ضحيتها أطفال في عمر الزهور ، الى آليات و لبنات متكاملة بدءا من إجراءات البحث التمهيدي ومرورا بإجراءات التحقيق وإصدار الأوامر القضائية بالمتابعة لنصل الى مساءلة جودة الأحكام القضائية والنجاعة التي تكفل حماية الحقوق والحريات.

ورجوعا الى الترسانة التشريعية وفي إطار النقاش الحقوقي الذي أثاره الحكم المشار اليه سلفا ، فتبقى بطبيعتها لبنة جوهرية و آلية لإفراغ الملامسة القانونية والمؤسساتية للطفل بالقانون، حيث أن المغرب أكد وبموجب دستور 29 يوليو 2011 ، على صيانة الحريات والحقوق ، خصوصا للطفل وحماية سلامته وحياته ، حقه في العلاج و الحماية الإجتماعية وفي التعليم والتنشئة الوطنية .

و على الخصوص الفصل 32 المؤكد على الحماية القانونية للطفل ، و الإعتبار الإجتماعي والمعنوي لهذه الفئة الهشة، وأيضا إحداث المجلس الإستشاري للأسرة والطفولة كهيئة دستورية بنص القانون 78.14 الذي له الدور الأساسي في تفعيل هذه الحماية.

ونرى أنه وبخصوص ما بات يعرف بقضية طفلة تيفلت ومن وجهة نظرنا فإن العقوبة المتصلة بالفعل الجرمي المرتكب من طرف المتهمين سنتين حبسا نافدا ، فتحديد هذه العقوبة في نطاق النصوص القانونية الواجبة التطبيق وبالنظر لوقائع الملف ولسن الضحية (12 سنة) ولعملية الإغتصاب والإفتضاض الناتج عنه حمل.
أقول أن طبيعة الفعل وتعدد الجنات وسن الضحية وما جاء به الحكم غير منطقي.

حيث ينظر القانون إلى جريمة الإغتصاب بإعتبارها مساس بشرف المرأة المغتصبة وشناعة الفعل أخلاقيا وبشاعته ، فما بالك إذا وقع على طفلة لا تتجاوز 12 سنة.

مواقعة المرأة دون رضاها من أهم أركان جريمة الإغتصاب ، أي غياب حالة الرضا عند المرأة في العلاقة التي تحدث دون إرادتها وهنا يفرق القانون بين هذه الجريمة والجرائم الجنسية الأخرى بإكراه الضحية على الفعل وترهيبها وتشدد طبعا في حالة ما دون 18 سنة.

لذلك يختلف هذا المفهوم عن قضايا الفساد والزنا الأخرى التي تصنف أي علاقة جنسية بين رجل ومرأة خارج إطار الزواج ، من خلال وجود عنصر الرضا في الجريمة الثانية.

وقد وضع القانون المغربي عقوبة لجريمة الإغتصاب وحدد بعض الحالات التي تخفف فيها العقوبة والحالات التي تشدد فيها ، وذكر أن العقوبة تكون السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات .

بينما تكون العقوبة في حالة صغر سن الضحية عن 18 سنة، أو أن تكون الضحية لديها مرض عقلي أو نفسي أو عجز كذلك في حالة حملها بطفل أثناء وقوع الجريمة ، بالسجن لمدة تتراوح من 10 إلى 20 سنة.

وبالتالي يكون الحكم الصادر في حق من هتك عرض الطفلة غير مطابق للقانون بتاتا.

ولحماية الضحية الطفل والمرأة على النحو الأمثل من كل أشكال العنف والإعتداءات الجنسية بما فيها التحرش ، يقتضي الأمر من وجهة نظرنا ، الإسراع في تحقيق نقلة حقيقة في تأويل القانون وتطبيقه ، بشكل يسمح على وجه التحديد ، إعتبار الإعتداء الجنسي بمثابة إعتداء على السلامة الجسدية وتشديد العقوبات في حالة الإعتداء على الأطفال وردع مثل هذه الجرائم بشكل لا مجال فيه لأي تراجع أو تنازل أو تواطئ أو هروب من قبضة العدالة، من أجل أطفالنا ومن أجل مغرب جدير بأطفاله.

الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: