الجزائر بيئة نافرة للنشطاء السياسيين والإعلاميين

سجلت وضعية حقوق الإنسان بالجزائر انتكاسة جديدة بإعلان الناشط السياسي رشيد نكاز مغادرته البلاد إلى الولايات المتحدة للاستقرار مع أسرته، بعد مدة من الملاحقات والمحاكمات والتضييق، مما اضطره إلى طلب الإفراج الإنساني مقابل اعتزال العمل السياسي.

يأتي ذلك في خضم الجدل المثار بشأن الحكم القضائي الثقيل الذي صدر في حق الإعلامي الناقد إحسان القاضي، الموقوف منذ نهاية العام الماضي.

وأعلن نكاز مغادرة البلاد بعد نحو ثلاثة أشهر على الإفراج عنه، بموجب عفو رئاسي عقب إعلانه اعتزال السياسة نهائيا، في إشارة إلى مقايضة جرت بين الرجل وبين السلطة القائمة في البلاد، مضمونها “الحرية مقابل السكوت”.

 

الناشط السياسي رشيد نكاز يعلن مغادرته الجزائر إلى الولايات المتحدة
الناشط السياسي رشيد نكاز يعلن مغادرته الجزائر إلى الولايات المتحدة

 

وذكر الناشط السياسي في منشور له على صفحته الرسمية على فيسبوك الاثنين “لقد دقت ساعة المغادرة”، مرفقا بصورة لجواز سفره الجزائري وتذكرة رحلة بين الجزائر وبرشلونة الإسبانية.

وجاء قرار المغادرة بعد أيام قليلة على إجراء الرجل لعملية جراحية على جهاز الأنف والحنجرة في مستشفى خاص بمدينة الشلف غربي العاصمة، وهي مقر إقامة الرجل، وظهرت له حينها صور في وضع صحي صعب، لكن على ما يبدو أن نكاز بدأ يستعيد بعض قواه التي تسمح له بالمغادرة إلى الولايات المتحدة.

وذكر في منشوره “دون أي استياء، أي انتقام، أي ندم، أستعد لمغادرة هذا البلد الجميل وهذا الشعب الكريم”، وأوضح نكاز أن وجهته بعد إسبانيا ستكون الولايات المتحدة حيث تقيم زوجته وأولاده.

وأصيب نكاز بالعديد من الأمراض في الآونة الأخيرة، خاصة على مستوى الأنف والأذن والعين والجهاز البولي (البروستات)، جراء ما وصفه بـ”الأوضاع غير الإنسانية داخل السجن، وتعرضه للقمع والمعاملة القاسية من أجل النيل من معنوياته”.

وتعرض الناشط المعارض للتوقيف والسجن مرتين: الأولى في العام 2019، والثانية في العام 2021، لكن التجربة الثانية كانت قاسية عليه، مما دفعه في آخر المطاف إلى المقايضة بين حريته وسكوته، حيث صدر في حقه في بادئ الأمر قرار إفراج، وبعد شهرين استفاد من قرار آخر يسمح له بمغادرة التراب الوطني، ورفع قرار الإقامة الجبرية عليه.

ورشيد نكاز، واحد من النشطاء الجزائريين مزدوجي الجنسية والمولودين خارج البلاد، وقد اختار التنازل عن جنسيته الفرنسية، والتفرغ للعمل السياسي والنضالي في بلده الأصلي منذ العام 2013، وكان أحد الأقطاب التي بلورت الحراك الشعبي في 2019، وظل متمسكا بالعمل السلمي واحترام القانون حتى وهو تحت القمع وسوء المعاملة الأمنية.

ولم تستبعد دوائر حقوقية أن يكون قرار الإفراج عن نكاز، ثم رفع قرار حظر السفر عنه، قد تم بايعاز من السلطات الأميركية، على اعتبار أن زوجته هي فرنكو أميركية، وأولاده يحملون الجنسية الأميركية.

وعلى صعيد آخر نطقت محكمة بالعاصمة بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات، منها عامان موقوفا النفاذ، في حق الإعلامي والناشر إحسان القاضي الموجود رهن التوقيف منذ مطلع العام الجاري، وجاء الحكم ليزيد من تأجيج الانتقادات الموجهة لوضعية الحقوق والحريات، خاصة وأن الرجل يحظى بحملة تضامن واسعة إقليميا ودوليا، والعقوبة المعلن عنها وصفت بـ”الانتكاسة” الحقوقية في البلاد.

وكان حزبا العمال والاتحاد من أجل التغيير والرقي، أول القوى السياسية المحلية التي عبرت عن تضامنها مع إحسان القاضي وكل سجناء الرأي والسياسيين، ودعا الحزبان في بيان صادر عنهما إلى “ضمان ولوج جمهورية جزائرية أصيلة فخورة بمؤسساتها وغيورة عليها”.

وصدر البيان على إثر لقاء قيادات الحزبين بمقر حزب العمال، وتزامن مع تاريخ النطق بالحكم الصادر في حق الصحافي إحسان، وطالب الحزبان بالإفراج عنه دون قيد ولا شرط، محذرين من التراجع المخيف على الصعيدين الاجتماعي والديمقراطي، خاصة بالنسبة للحريات العامة، ما يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي تهدد وحدة الشعب.

وتساءل وفدا الحزبين عن “تعمد شل القوى الحية للأمة، في هذا السياق الدولي الحرج جدا، والذي يستدعي تعبئة حقيقية لمواجهة التهديدات المحتملة والمتعدّدة”.

واتفق الحزبان على أن “التعددية الحزبية والنشاط النقابي والجمعياتي عناصر أساسية لضمان تماسك البلد”، ونبها إلى “الضرورة العاجلة لفتح آفاق على الصعيدين الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي لمحاربة اليأس والمعاناة”، وعبرا عن “استعدادهما لعرض المقترحات والحلول التي يريانها ضرورية، لكن ذلك يطرح الطلب الملحّ بفتح المجالين السياسي والإعلامي”.

وكانت محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، قد نطقت بعقوبة بالسجن خمس سنوات، منها ثلاث نافذة، في حق الصحافي الجزائري، بتهمة تلقي أموال من الخارج، وذلك بعد محاكمة قاطعتها هيئة الدفاع.

وأصدر قاضي المحكمة في جلسة علنية حضرها إحسان القاضي، حكما بـ”ثلاث سنوات سجنا نافذا وسنتين سجنا غير نافذ وغرامة مالية تقدر بـ4800 يورو”.

وكشف فريق الدفاع أن “استئناف الحكم سيتم في الآجال المطلوبة بحسب الاتفاق المسبق مع موكلنا”، ولم يكشف عن إستراتجيته القادمة، خاصة بعد مقاطعته لجلسات المحاكمة التي جرت إلى حد الآن، بدعوى عدم احترام القضاء للإجراءات والحقوق الطبيعية لموكله.

وفيما وصفت اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين، الحكم الصادر في حق إحسان القاضي بـ”حكم العار”، صرح المنتج والمخرج السينمائي بشير درايس بأن “السلطة في الجزائر أجهزت لتوّها على أحد أفضل الصحافيين الجزائريين، إنه يوم حزين للصحافة في الجزائر وللديمقراطية ولصورة البلاد”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: