كم هو صعب أن تكون صحافيا في البلدان المغاربية الآن

يحاول كل نظام سياسي من أنظمة المنطقة المغاربية، إقناع مواطنيه والعالم بأن الوضع مختلف عنده على مستوى الحريات الإعلامية. في حين يخبرنا واقع الحال أن أوضاع الصحافة والصحافيين مشابهة لحد الملل في هذه المنطقة من العالم. التي ما زال يسجن فيها الصحافي بسبب مقالة كتبها، أو رأي حر عبّر عنه وهو يرفض الانصياع لمنطق الرقابة الذاتية، الذي تريد تكريسه الأنظمة لدى الإعلاميين.
الأنظمة التي تلجأ في السنوات الأخيرة إلى التحايل على الدستور، الذي يمنع في هذه البلدان سجن الصحافيين بسبب ما يكتبون، بتلفيق تهم تتبارى أنظمة المنطقة في البحث عنها، واللجوء إلى تطبيقها ضد أبناء وبنات المهنة، التي تعرف هشاشة اقتصادية واجتماعية واضحة على مستوى ظروف العمل والحياة والتكوين، الذي تقوم به جامعات لا تحمل إلا الاسم، ترمي سنويا آلاف الطلبة والطالبات إلى سوق عمل يسوده منطق السوق غير الرسمي، لكي ينهشهم الفقر والبطالة وكل أنواع الابتزاز، التي تنوعت أكثر بعد تأنيث المهنة وفتح أبوابها أمام أبناء وبنات الفئات الشعبية.
في وقت زاد فيه عدد العناوين الإعلامية، وتنوعت أشكالها بين التقليدي ـ الورقي الذي يوجد في حالة تقهقر يتجه نحو الزوال، والرقمي الذي ما زال يحاول فرض نفسه داخل بيئة اقتصادية واجتماعية وسياسية معادية، نتيجة تخوف النخب الحاكمة من هذه التكنولوجيات التي تريد ترويضها، من دون نجاح داخل سوق دولية لا تتحكم فيها، ووضع ثقافي أهم ما يميزه ضعف كبير للمقروئية لدى المواطنين، وحياة ثقافية وفكرية راكدة تميز كل بلدان هذه المنطقة التي زاد فيها عدد المتعلمين، وقلّت فيها الأمية، ليبقى التعامل مع النص المكتوب محدودا، رغم التنوع اللغوي الحاضر في هذه البلدان، التي ما زالت فيها الفرنسية حاضرة نسبيا. وسيطرة العربية عند الأجيال الصغيرة، التي قامت الأنظمة الوطنية لفترة ما بعد الاستقلال، بتنشئتها على قيم تتسم بالكثير من الانغلاق، منحها الفكر الديني والوطنية أبعادهما التي ظهرت في العقود الأخيرة، بعد تقهقر قيم اليسار والانفتاح على العالم الذي ميز ستينيات وسبعينات القرن الماضي. زيادة بالطبع على اعتبارات اقتصادية أخرى أكثر ديمومة، كقلة الدعم العمومي – في غياب النجاعة الاقتصادية للمشروع الإعلامي المستقل في هذه الدول – والمسالك الملتوية في الوصول إلى هذا الدعم، الملغومة بالكثير من أشكال الابتزاز، حتى عندما أصبح القطاع الخاص وليس العمومي هو المسيطر على الاقتصاد الوطني كقاعدة عامة. ليكتشف رجل الإعلام أن الابتزاز الذي يعيشه في الوصول إلى الدعم والإشهار، هو جزء من كل ما يعاني منه القطاع الخاص ذاته، والفئات الحاملة له، التي لم تعترف لها الأنظمة الريعية القائمة بالاستقلالية المطلوبة داخل اقتصادات يتشابك فيها العام بالخاص، ماليا واجتماعيا – عبر الجهة والعائلة تحديدا – رغم التنوع المخادع في الوجوه التي تفضحها اللقاءات أثناء الاحتفالات العائلية والمناسبات الاجتماعية، حين يلتقي الجمع. معاداة لحرية التعبير والإعلام التي تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة، بدءا من الإطار القانوني الذي ما زال غير مكتمل، ومعاداة للحريات في كل بلدان المنطقة، كما تؤكده الجزائر هذه الأيام وهي تصدر نصا قانونيا جديدا لن يغير من واقع الحال، وقد يزيده سوءا، إذا عرفنا عدم الجدية التي تتعامل بها هذه الأنظمة مع قوانينها التي لم تسمح بالإذاعات المستقلة لحد الآن ولا حتى بالتلفزيونات التي تعيش منذ عقدين تحت غطاء قانوني غريب عجيب، ترفض السلطات العمومية رفع اللبس عنه، بعد أن اكتشفت مع التجربة أنه وضع قانوني مفيد لها، يسمح بالابتزاز لهذه القنوات التلفزيونية التي يمكن تسليط سيف القانون عليها في أي لحظة، إذا خرجت عن خط التزلف والمهادنة المرسوم لها. دعما لوضعية حجر ارتاحت لها هذه التلفزيونات مع الوقت، مثل الابن المراهق في مجتمعاتنا، الذي يرفض أن يستقل ويتحمل مسؤولياته، مهما زاد سنه.

الشعوب لم تعد تقبل بترقيع أنظمة سياسية قديمة رافضة للتغيير الجدي، الذي يمس توزيع الثروة والسلطة، ويعلي من دور المواطن التواق إلى ديمقراطية فعلية

أنظمة سياسية برهنت على أنها تعرف كيف تتعامل مع موازين القوى السياسية المرتبطة باللحظة السياسية الوطنية، تتنازل عندما يزيد الضغط السياسي الشعبي، كما حصل أكثر من مرة في المنطقة عام 2011 كمثال ـ لتشد الحبل من جديد عندما تحس أن هذا الظرف السياسي أصبح لصالحها،ٍ كما هو الحال في الوقت الراهن، حتى في تونس، التي سجلت انفتاحا ديمقراطيا فعليا أشادت به كل التقارير الدولية التي تقيس حرية التعبير في العالم لعدة سنوات، لتنتكس في المدة الأخيرة، بعد استفحال الوضع الاقتصادي وهو يلتقي مع بروز قوي للفكرة السياسية الشعبوية، كما يعبر عنها الرئيس قيس سعيد، الذي يمكن أن يعود بهذه التجربة سنوات إلى الوراء كما بدا يلوح به الكثير من المؤشرات.
ليكون الوضع في المغرب أسوأ بعد إعادة تأكيد ممارسات الحالة المغربية لما ميزها على الدوام، استعمال الحياة الخاصة للصحافيين، كمادة للابتزاز والقمع، كما حصل مع أكثر من صحافي يقبع في السجن منذ سنوات، تؤكده حاله توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني ومحمد الراضي، لتبقى الحالة الجزائرية أكثر استعمالا لأدوات القمع الاقتصادي ـ القانوني تعبيرا عن حالة البارانويا التي يعيشها النظام الجزائري، وهو يسوق لفكرة العداوة التي يركز عليها في علاقاته مع الخارج. كما تعبر عنها هذه الأيام حالة إحسان القاضي الذي حكمت العدالة عليه بالسجن خمس سنوات، منها سنتان غير نافذتين، زيادة على غرامات مالية ومصادرة لكل وسائل عمله الإعلامي الذي بناه طول مساره المهني الذي يمتد لأكثر من ثلاثين سنة. ومنعه من العمل في وظائف عمومية لمدة خمس سنوات أخرى. يتم كل هذا في منطقة تعيش حالة غلق سياسي كلي لم يبق على المستوى الإعلامي فقط، بل مس كذلك المجال السياسي الذي سيكون في حاجة إلى موجة جديدة من الإصلاحات، بعد وصول الموجات الأولى التي عاشتها في 2011-2019 إلى منتهاها، حققت القليل وفشلت في تحقيق الكثير الذي تطمح له الشعوب، التي لم تعد تقبل بترقيع أنظمة سياسية قديمة رافضة للتغيير الجدي على أكثر من صعيد، يمس توزيع الثروة والسلطة، ويعلي من دور المواطن التواق إلى ديمقراطية فعلية، من دونها تبقى كل الإصلاحات قابلة للانتكاسة والتقهقر، كما نعيشه في بلداننا هذه الأيام، يعبر عنه بشكل واضح، تدهور الحريات الإعلامية والمس بحقوق المواطنين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: