الجسر المعلق يعوض الحلم المغربي- الاسباني بدلا من النفق المؤجل

بعد أكثر من 40 سنة على تعثر تحقيق الحلم المتمثل في النفق البحري الذي قد يربط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق، أصبح الحديث يدور هذه الأيام حول مشروع بناء جسر معلق فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، يبدو أكثر منطقية وأقرب إلى التحقق عملياً.
المسؤولون الإسبان والمغاربة يركّزون حالياً على هذا المسار الذي ينتظر أن تكون له عائدات اقتصادية وسياحية، فضلاً عن البعد الرمزي في الربط القاري بين البلدين الجارين اللذين أصبحا يتقاربان سياسياً ودبلوماسياً أكثر من ذي قبل وفق قاعدة «المصالح المشتركة».
وكانت بريطانيا، بدورها، تطمح إلى إنجاز هذا «الحلم» من خلال الربط القاري بين «جبل طارق» التابع لها وشمال المغرب. وتردد ذلك خلال خروجها من الاتحاد الأوروبي وتعزيز نشاطاتها الاقتصادية مع الرباط.
لكن، واقعياً، الوجهة صارت مركزة فقط على إسبانيا والمغرب، فمشروع الجسر الذي أطلق عليه اسم «أورافريكا» من المنتظر أن يصبح طريقاً سياحياً رئيسياً في المستقبل، وقد استوحيت الفكرة من «الطريق السريع عبر البحار» الذي يعبر أرخبيل جزر «كيز» في فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا أعطت سلطات البلدين الضوء الأخضر من أجل إنشاء جسر يربط بين «مالاباطا» في خليج مدينة طنجة المغربية و»بونتا بالوما» قرب مدينة طريفة الإسبانية. وسيتيح على المدى المتوسط ​بعبور 15 مليون طن من البضائع و17 مليون مسافر سنوياً، وفق ما ذكرت مصادر إعلامية.
وحسب وزيرة النقل الإسباني راكيل سانشيز خمنيز، فإن «الجسر يمثل استثماراً هائلاً لكنه أقل أهمية من مشروع النفق»، موضحة في تصريحات أدلت بها نهاية الأسبوع، أنه «بعد تأملات ناضجة، يبدو لنا أكثر منطقية، ولكن أيضاً أكثر إثارة للإعجاب أن نبني أورافريكا». وأضافت برومانسية قائلة: «فقط تخيل أنك تراه عند غروب الشمس لتفهم حماسنا».
المسؤولون المغاربة، من جانبهم، يعولون على العائدات السياحية لهذا الجسر، معتبرين أنه جزء أول فحسب من طريق أطول بكثير، إذ يحمل بعداً إفريقياً انطلاقاً من الاسم الذي يحيل عليه. ويأملون أن يمتد الطريق حتى جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا، بحلول عام 2030، حيث يتضمن المشروع المستقبلي توفير محطات سياحية لجميع المسافرين على طول المسار، خاصة أن الكثير من السياح يفضلون استعمال الطرق البرية في ضوء الزيادة في أسعار الرحلات الجوية.
وذكرت مصادر أن المشروع سيكون، علاوة على ذلك، ذا بعد بيئي خالص، إذ «سيتم تجهيز الطريق بطلاء خاص، وستتضمن الخرسانة شوائب مضيئة، وسيتم تحويل الطاقة الكهرومغناطيسية الناتجة عن حركة السيارات إلى كهرباء وستستهلكها محطات الاستراحة التي ستنشأ مستقبلاً على طول الطريق.
وتطمح إسبانيا من وراء هذا الجسر إلى تعزيز مكانتها كوجهة سياحية رئيسية من خلال الانفتاح على أسواق جديدة.
وظلّ الكثيرون في البلدين الجارين يحلمون لعدة عقود ببناء نفق يربط بين إسبانيا والمغرب في أعماق مياه البحر الأبيض المتوسط، وأعيد طرح الموضوع خلال الاجتماع الأخير للجنة العليا المشتركة بين البلدين، آملاً في تيسير مرور البضائع والمسافرين. وسبق أن وقعت اتفاقية بين العاهلين المغربي الراحل الحسن الثاني والإسباني السابق خوان كارلوس، خلال زيارة هذا الأخير للرباط سنة 1979 جرى بموجبها إنشاء شركتين لدراسات الربط القاري عبر مضيق جبل طارق، الأولى إسبانية والثانية مغربية، حيث عقدت اجتماعات مختلطة إلى أن توقفت عن اللقاء عام 2010.
المشروع الذي يعتبر أحد أكثر المشاريع طموحاً في العالم، واجهته العديد من العقبات على مدار 40 عاماً، من بينها تخفيضات الميزانية في إسبانيا بعد الأزمة المالية لعام 2008، وسلسلة من الخلافات الدبلوماسية السابقة بين مدريد والرباط لا سيما حول قضايا الهجرة. لكن مراقبين يرون أن المشكلة الرئيسية تظلّ ذات طبيعة فنية، فمضيق جبل طارق الواقع على حدود الصفائح التكتونية الأوروبية والإفريقية هو منطقة جيولوجية معقدة مع أجزاء غير مستقرة من الطين وتيارات بحرية عنيفة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: