الجزائر تلوح بدبلوماسية الدولار النفطي لمضايقة المغرب

ماموني

قرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ضخ مبلغ مليار دولار أميركي لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل ما أسماه بالتضامن والتنمية لتمويل مشاريع في الدول الأفريقية. واختيار النظام الجزائري الكشف عن هذه الخطوة الجزائرية بمناسبة القمة الـ36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي التي اختتمت أشغالها يوم الأحد في أديس أبابا، جاء بعد أن استشعرت الجزائر النفوذ الكبير الذي يحظى به المغرب داخل القارة، وما يقوض أجندة النظام الجزائري المناهضة لمصالح الرباط.

يأتي هذا التفاعل الجزائري مع مطالب التنمية الأفريقية، مباشرة بعد الهبة التي قدمها الملك محمد السادس، المقدرة بـ2000 طن من الأسمدة إلى جمهورية الغابون قبل أيام. لهذا نقول إن الدبلوماسية الناعمة التي اعتمدها المغرب في تعامله مع دول القارة الأفريقية لم تكن أبدا لشراء مواقف سياسية عابرة، بل استثمر الأموال وعبأ الشركات من خلال مشاريع داعمة لأمن واستقرار أفريقيا وخلق قيمة إضافية يستفيد منها الجميع وعلى رأسهم العنصر البشري الأفريقي.

الواقع أن النظام في الجزائر فشل في استثمار أموال النفط والغاز في معالجة الاختلالات البنيوية الناتجة عن النموذج الذي اختاره، وخلق على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي مشاكل لا حصر لها. وبدل التعامل مع مشاكله الداخلية، ارتأى النظام الجزائري توجيه الثروة المالية في اتجاه واحد هو رشوة عدد من الدول الأفريقية لمناهضة مصالح المغرب، ولم يتوان عن استغلال احتياجات بعض الدول الأفريقية لتحقيق مكاسب لا تمت لما يجاهر به مسؤولون جزائريون بخصوص تنمية الدول الأفريقية.

◙ السياق الأساسي الذي دفع تبون إلى الكشف عن هذا القرار، يتعلق بمطالب مجموعة من الرؤساء والمسؤولين الأفارقة الكبار إنهاء تواجد بوليساريو داخل هياكل الاتحاد الأفريقي

وعلى عكس الجزائر، لم يؤسس المغرب نموذجه في التعامل مع الأفارقة على منطق حسابي ضيق، ولم يكن في أي فترة من فترات تاريخه الحديث في حاجة إلى التخلي عن مخزونه الحضاري والديني والدبلوماسي في التعامل مع مشاكل واحتياجات القارة، ما جعل المملكة تحظى بمكانتها عند هذه الدول دون الحاجة إلى استعمال منطق الرشوة أو الابتزاز. بل كانت صيغة رابح-رابح في إطارها الواسع هي المحرك المغربي داخل القارة، وهذا ما لم، ولن، تفلح في الجزائر في مجاراة المغرب فيه.

كشفت تحركات النظام الجزائري خلال هذه القمة أنه يعمل على تقويض تموقع المغرب ونفوذه داخل القارة، ومنافسته في هذا الحيز الجغرافي باستغلال ما يمكن تسميته بـ”دبلوماسية الدولار النفطي”، للتضييق على الدبلوماسية الملكية الناعمة التي ينهجها المغرب منذ عقود، والتي نجح فيها بامتياز.

كيف يعقل أن يضخ النظام الجزائري أموالا كثيرة في صناديق موجهة لمعاكسة حضور المغرب في القارة الأفريقية وخارجها، دون أن يمتلك نموذجا تنمويا أو اقتصاديا أو زراعيا يعتمده كورقة رابحة في ترويج نفسه منقذا للأفارقة. النظام الجزائري منذ حكم الرئيس الراحل هواري بومدين إلى عهد عبدالمجيد تبون فشل في إنتاج نموذج تنموي مستقر يساهم في خلق الثروة بالداخل بعيدا عن الريع النفطي، يحقق الأمن والسيادة الغذائية بالدرجة الأولى للشعب الجزائري من خلال استغلال الأرض والمال والعنصر البشري لتحقيق التنمية. ما لم يحدث ذلك لن تكون للنظام الجزائري أية مصداقية في ادعاء مساعدة الأفارقة لتنمية بلدانهم تضامنيا من خلال التمويل الخارجي للمشاريع الاستثمارية بالقارة.

وفي الوقت الذي اختار فيه المغرب طريقه السياسي والاقتصادي وشراكاته تزامنا مع تأسيس نموذجه الاقتصادي والتنموي، لازال النظام الجزائري يحاول دون جدوى مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي في الشق المتعلق برشوة المجتمع لإخماد أي حراك مفترض. ولا يجب أيضا إغفال المشاكل التي يتخبط فيها مناخ الأعمال والمنظومة المصرفية والضريبية، والتي تؤشر إلى أن النظام الجزائري لن ينجح بالخروج من الاقتصاد البترولي الريعي.

مؤخرا، وافق شركاء التنمية في صندوق التنمية الأفريقي على الالتزام بحزمة مالية إجمالية قدرها 8.9 مليار دولار، لدورته التمويلية في الفترة من عام 2023 إلى 2025، وهي أكبر عملية تجديد لموارد الصندوق في تاريخه، كما أن اليابان قررت على لسان رئيس وزرائها فوميو كيشيدا، التزام بلاده بتقديم مساعدات لأفريقيا بقيمة 30 مليار دولار على مدى ثلاثة أعوام مقبلة.

ولا بد هنا من التذكير بأن رشوة النظام الجزائري لبعض الدول الأفريقية ليست وليدة اليوم، فقد أقدم قبل عشر سنوات على مسح ديون أكثر من 16 دولة افريقية، في إطار ما أسماه العمل التضامني الذي اختارت الجزائر اعتماده ضمن سياستها الدبلوماسية، والتي فشلت فيها بجدارة.

◙ الدبلوماسية الناعمة التي اعتمدها المغرب في تعامله مع دول القارة الأفريقية لم تكن أبدا لشراء مواقف سياسية عابرة، بل استثمر الأموال وعبأ الشركات من خلال مشاريع داعمة لأمن واستقرار أفريقيا

بعملية حسابية بسيطة، هل المليار دولار الذي وعدت به الجزائر الدول الأفريقية سيساعد تلك الدول على تطبيق مسار تنموي يسمح لشعوبها بالاستقرار على مستوى بلدانها والمزاوجة بين التنمية المحلية والبعد الاندماجي، كما ادعى الوزير الأول الجزائري، الذي قال إن “الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي ستباشر خلال الأيام القادمة مهامها لتكريس هذه المشاريع”؟

نعتقد أن السياق الأساسي الذي دفع تبون إلى الكشف عن هذا القرار، يتعلق بمطالب مجموعة من الرؤساء والمسؤولين الأفارقة الكبار إنهاء تواجد بوليساريو داخل هياكل الاتحاد الأفريقي. وأيضا رفض المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، تمرير توصية جزائرية توسيع تواجد هذا الكيان الوهمي ضمن شراكات المؤسسة مع باقي الشركاء الاقتصاديين والعواصم الكبرى.

الهدف من قرار الجزائر تخصيص مبلغ مليار دولار أميركي لمشاريع تنموية في قارة أفريقيا، هو مساعدة بعض الدول في ولوج مسار تنموي ناجع، وفق ما روج له الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمان، انطلاقا مما أسماه “المقاربة الجزائرية التي تنص على أنه لا يمكن للسلم والأمن في أفريقيا أن يتحقق دون تنمية فعالة”.

تلويح الجزائر بورقة الدولار النفطي لمساعدة الدول الأفريقية، هو محاولة لإيقاف تمدد المغرب داخل القارة، خصوصا بعد أن جدد مؤتمر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وهو أعلى هيئة بالمؤسسة الأفريقية، التأكيد على الدور الحصري للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية، وتجنب أي إشارة أو إحالة أو نقاش حول هذه القضية.

حضور المغرب المتنامي بالقارة الأفريقية يعكس أولوياته من الناحية الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، ومن الواضح أن الأمر يتعلق بضمان السيادة والتفوق التجاري والتنمية الاقتصادية للقارة الأفريقية بشكل عام، ويساهم بكل الوسائل الممكنة لمساعدة الأفارقة في الوصول إلى الكهرباء والزراعة المحسنة إضافة إلى المياه والصرف الصحي ووسائل نقل محسنة، بما في ذلك بناء وإعادة تأهيل آلاف الكيلومترات من الطرق، وهذا يحتاج إلى نفس طويل وصدق في التعامل، وهو ما لا يملكه النظام الجزائري.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: