الرئيس الجزائري ينأى بنفسه عن إخفاقات الحكومة والمؤسسات الرسمية

بوشعيب البازي

فاجأت الوكالة الجزائرية الرسمية الرأي العام المحلي ببرقية ضمنتها غضب الرئيس عبدالمجيد تبون من أداء وقرارات حكومية لم يكن يعلم بها أو موافقا عليها، على غرار هدم البنايات غير الشرعية ووقف الاستيراد، في موقف يظهر رغبة الرئيس الجزائري في النأي بنفسه عن الفشل وتحميله للحكومة.

ويبدو أن الهدف من إظهار غضب الرئيس الجزائري هو التمهيد لرحيل حكومة أيمن بن عبدالرحمن. لكن ما أثار استغراب المتابعين هو محاولة مؤسسة الرئاسة التهرب من الفشل وإلقائه على الآخرين، وهو ما يدفع للتساؤل عما إذا كان دور الرئاسة هو الاكتفاء بالمراقبة في نظام رئاسي يفترض أن يمر كل شيء على أنظار الرئيس ليقره ويأمر بتنفيذه.

ويتساءل مراقبون جزائريون عن سبب لجوء تبون إلى نشر الغسيل خارج القنوات الرسمية، وهل أن هناك جهات ترفض تطبيق أوامره وتنفرد بإدارة الحكومة والمؤسسات ويريد أن يخرج الخلاف معها إلى العلن.

◙ الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة أغفلت أداء ودور مؤسسة الرئاسة في المواكبة والاطلاع على مختلف الملفات

وألمحت وكالة الأنباء الجزائرية إلى قرارات صارمة يستعد تبون للإعلان عنها، في المدى القريب، لوقف ما وصفته بـ”ثقافة التقاعس”، و”الأمور غير المتوقعة”، في إشارة إلى أداء الحكومة والمؤسسات الرسمية في إدارة العديد من الملفات.

لكن اللافت هو خروج “غضب” الرئيس إلى الرأي العام، ساعات بعد انعقاد اجتماع مجلس الوزراء، ليكون بذلك سابقة أولى في تاريخ تقاليد قصر المرادية، حيث يلجأ الرجل الأول في الدولة إلى الوكالة الرسمية لتبليغ الشارع الجزائري بما يدور في دواليب السلطة، رغم أنه هو المسؤول عن شكل الحكومة وتركيبتها، وعن أداء المؤسسات الرسمية.

ويبدو أن تبون يريد النأي بنفسه أمام الجزائريين عن إخفاقات الجهاز الحكومي، بعد توصله بمعطيات لا تدعم حظوظه الشعبية في المرور إلى ولاية رئاسية ثانية بدأ الحديث عنها لدى الدوائر الموالية له، غير أن الوكالة الرسمية اكتفت ببعض الملفات فقط، ولم تتحدث عن أخرى يراها البعض في صدارة الوضع الغامض الذي تعيشه البلاد، لاسيما في مجال الحريات السياسية والإعلامية.

وقالت برقية بثتها وكالة الأنباء الجزائرية، وتم تداولها على نطاق واسع في الإعلام المحلي، إن الرئيس تبون “يظهر جليا أنه سيتعين عليه اتخاذ إجراءات صارمة، لوضع حد لثقافة التقاعس التي تعيق تجسيد بعض الإجراءات المتخذة”.

 

◙ هل لجأ تبون لنشر الغسيل لوجود جهات ترفض تطبيق أوامره، وهل المقصود الضغط على المؤسسة العسكرية لتقف عند حدها؟
هل لجأ تبون لنشر الغسيل لوجود جهات ترفض تطبيق أوامره، وهل المقصود الضغط على المؤسسة العسكرية لتقف عند حدها؟

 

وأضافت “رئيس الجمهورية الذي انطلق في سباق حقيقي مع الزمن، والذي على علم بما يجري، يدرك تماما أن علاجات أخرى تفرض نفسها من أجل القضاء على هذا الورم الخبيث المعروف باسم البيروقراطية”.

ولفتت إلى أن “الرئيس غاضب حقا وغير راض عن وتيرة معالجة الحكومة للعديد من الملفات حيث أن الآجال الطويلة والأرقام التقريبية غير الدقيقة، والقرارات التي تحدث الاختلال والارتباك على يوميات المواطنين وعلى المتعاملين الاقتصاديين قد أثارت حفيظة الرئيس”.

وعادة ما تُحسب الحكومة في الجزائر على رئيس الدولة، في ظل التشريع الدستوري الذي يكرس النظام الرئاسي للبلاد، فالانتخابات التشريعية والأغلبية البرلمانية ليس لهما أي تأثير في شكل الحكومة وتركيبتها، وكل ما يتعلق بالجهاز التنفيذي هو من الصلاحيات التي يخولها دستور البلاد لرئيس الجمهورية، الأمر الذي يحمّله وحده المسؤولية السياسية والأدبية.

وتمهد قراءة الوكالة الرسمية للوضع داخل دواليب السلطة إلى تغييرات عميقة في الجهاز الحكومي والمؤسسات والمديريات المركزية، وربما إلى أنماط تسيير أخرى، سيتم الإعلان عنها قريبا، ولو أن الحديث عن التغيير الحكومي بدأ منذ عدة أشهر لكنه ظل حبيس الأدراج، لأسباب قد تقف وراءها لعبة التوازنات والنفوذ بين الدوائر النافذة في السلطة.

وإذ حصرت الوكالة أسباب غضب تبون في بعض الممارسات كالبيروقراطية والتسلط والتقاعس، فإنها لم تشر إلى أوضاع أخرى باتت تشكل مصدر قلق حقيقي داخليا وخارجيا، على غرار الوضع الحقوقي وتغوّل المؤسسة الأمنية والعسكرية، والأداء الدبلوماسي الذي كلف البلاد ارتباكا ملحوظا في العلاقات الإقليمية والدولية.

وذكرت بأن “رئيس الجمهورية عندما يتحدث عن هيبة الدولة يفهم البعض التسلط، ولمّا يشدد على حماية المنتوج الوطني يفهم البعض الحمائية، فرئيس الجمهورية لم يأمر أبدا بهدم بنايات غير قانونية، بل بأخذ الإجراءات اللازمة كي لا يتكرر ذلك مستقبلا، فالتحرك يجب أن يكون بصفة قبلية وليس بعد إنجاز البناية والإقامة فيها، وأن رئيس الجمهورية يعمل من أجل جزائر منفتحة على العالم وليس من أجل بلد منغلق، فلم يأمر قط بمنع الاستيراد، ذلك أنه لا وجود للاكتفاء الذاتي في أيّ بلد من العالم”.

وأضافت “الواردات ضرورية ورئيس الجمهورية أمر بوضع حد للفوضى أي بمعنى لا استيراد لمواد لا يحتاجها المواطن، كما فرض رئيس الجمهورية تطهير القطاع لوضع حد لظاهرة تضخيم الفواتير التي تعد مصدرا لتهريب مبالغ معتبرة من العملة الصعبة تقدر بالمليارات من الدولارات”.

◙ يبدو أن الهدف من إظهار غضب الرئيس الجزائري هو التمهيد لرحيل حكومة أيمن بن عبدالرحمن

لكن الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة أغفلت أداء ودور مؤسسة الرئاسة في المواكبة والاطلاع على مختلف الملفات، لاسيما وأن تقليص الواردات بدأ من عملية التطهير ذاتها، بحسب شهود عيان، وجدوا أنفسهم في حالة إفلاس وحرمان الأسواق المحلية من الحاجيات الضرورية.

وتظهر نوايا تبون في تضحية منتظرة بقطاع معتبر من مقربيه وحكومته، من أجل استمالة الشارع الجزائري، بحثا عن شرعية شعبية لا زالت تنقصه منذ انتخابات ديسمبر 2019، من خلال اعتبار المواطن الجزائري “خطا أحمر ورفاهيته أولوية الأولويات”.

وذكرت البرقية، في هذا الشأن، بأن “الجزائريين الذين انتخبوه في 12 ديسمبر 2019 لا يريدون الرجوع إلى ممارسات الماضي ولا إلى التسلط أو الحمائية ولا إلى الحقرة (التهميش) والمظاهر الكارثية لبلد كان منغلقا وفي قبضة بعض البيروقراطيين الخطرين”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: