الجزائر تلقي بثقلها المالي لتدارك نفوذها المتراجع في أفريقيا

بوشعيب البازي

تلقي الجزائر بثقلها المالي، من أجل استعادة نفوذها المتراجع في القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة.

وبعد تكريس تحالفاتها التاريخية والتقليدية في القارة، خاصة مع جنوب أفريقيا، جاء الدور على الجانب المالي، برصد الجزائر مبلغ مليار دولار لمد شراكات اقتصادية جديدة.

وأعلن الرئيس عبدالمجيد تبون عن تخصيص بلاده مبلغ واحد مليار دولار، من أجل تمويل مشروعات تنموية في القارة السمراء.

وسيتم ضخ هذا المبلغ في الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، التي استحدثت في العام 2020، وهي هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية وتجمع بين النشاط الاقتصادي والدبلوماسي الخارجي.

وقال تبون، في الرسالة التي وجهها عبر رئيس الوزراء أيمن عبدالرحمان إلى القمة السادسة والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي التي انعقدت في أديس أبابا “قررت ضخ مبلغ مليار دولار أميركي لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، لاسيما منها تلك التي تكتسي طابعا اندماجيا أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة”.

الرئيس تبون يجدد التزام الجزائر بالتمسك بالحق المشروع لأفريقيا في الوصول إلى العضوية الدائمة بمجلس الأمن الأممي

وأضاف الرئيس الجزائري “هذه قناعة من الجزائر بارتباط الأمن والاستقرار في أفريقيا بالتنمية”.

وتحاول السلطة الجزائرية استدراك الفراغ الذي ورثته عن الخيارات الدبلوماسية السابقة، عندما انصب اهتمام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على العلاقات مع أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، على حساب القارة السمراء، رغم البعد الجيوسياسي الأفريقي للبلاد، الأمر الذي كلفها فقدانها لنفوذها داخل القارة خلال السنوات الأخيرة.

وجاءت الأريحية المالية التي تعرفها الخزينة العمومية للدولة بفضل عائدات صادرات الطاقة التي ارتفعت منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لتقدم دعما للسلطة من أجل لعب ورقة المال والاستثمارات الاقتصادية، عبر بوابة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، والتي اعتبرت جهازا دبلوماسيا موازيا لعمل وزارة الخارجية.

وتسعى الوكالة إلى خلق تكامل بين جهود الجزائر الدبلوماسية والاقتصادية من أجل تعزيز نفوذها داخل القارة السمراء.

ويرى مراقبون أن الجزائر تسعى لاستثمار العائدات المالية التي حققتها في الأشهر الماضية من أجل دعم سياستها الناعمة في قارة أفريقيا، وكسب دعم دول لاسيما تلك التي تعاني من صعوبات مالية في قضايا سياسية مختلف حولها، وبعضها مفتعل كقضية الصحراء.

وجدد تبون في الرسالة التي ألقاها بالنيابة عنه رئيس الوزراء في قمة أديس أبابا دعم بلاده “الثابت للشعب الصحراوي في تقرير مصيره من خلال تنظيم استفتاء حر ونزيه بما يتماشى مع القرارات التي صادقت عليها الأمم المتحدة ومواثيق الشرعية الدولية”، على حد تعبيره.

ودعا تبون الاتحاد الأفريقي “لتحمل مسؤوليته الكاملة إزاء القضية الصحراوية على أن يلعب الدور المنوط به وفقا لعقيدته الثابتة في تصفية الاستعمار”.

ويشير المراقبون إلى أن جزءا من الدعم المالي الذي أعلن عنه تبون سيذهب إلى دول هي محال تنافس على أشده بين روسيا والغرب على غرار مالي، حيث أن السلطة الجزائرية تريد أن يكون لها دور مؤثر على هذه الساحة، مستندة في ذلك إلى العلاقات التي نسجتها مع الفرقاء الماليين عبر رعايتها لملف المصالحة.

وأكد تبون في الرسالة على “عزم الجزائر على المساهمة في المضي قدما في مسار السلم والمصالحة الوطنية في مالي والعمل مع الأشقاء الماليين من أجل إعطاء دفعة جديدة لهذا المسار، ورفع العراقيل التي قد تعيق تنفيذ اتفاق السلم المنبثق عن مسار الجزائر، مبديا ارتياحه لتحسن العلاقات بين مالي وأشقائها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، على أمل أن تعود هذه العلاقات إلى سابق عهدها وأن تطوى صفحة الخلافات نهائيا”.

 

الجزائر تسعى لاستثمار العائدات المالية التي حققتها من أجل دعم سياستها الناعمة في قارة أفريقيا
الجزائر تسعى لاستثمار العائدات المالية التي حققتها من أجل دعم سياستها الناعمة في قارة أفريقيا

 

ويذهب الطموح الجزائري، في الشأن الدبلوماسي، إلى قيادة القارة الأفريقية لاكتساب مقعد دائم داخل مجلس الأمن، والعمل على تعبئة الرأي العام الأفريقي لصالح الهدف المذكور، والذي يشكك كثيرون في إمكانية تحققه في ظل التحفظات الكثيرة لدى المجموعة الدولية بشأن مسلك الجزائر.

وجدد الرئيس تبون “التزام الجزائر بالتمسك بالحق المشروع لأفريقيا في الوصول إلى العضوية الدائمة بمجلس الأمن الأممي، وعلى مواصلة العمل دون هوادة من أجل إعلاء صوت القارة ومطالبها المشروعة”.

وثمّن تبون ما أسماها بـ”روح التعاون المستمر والتنسيق المثمر بين الأشقاء ممثلي الدول الأفريقية على مستوى المحافل الدولية والإقليمية لإسماع صوت الموقف الأفريقي الموحد، وضرورة تمكين أفريقيا من الظفر بمقعدين دائمين في مجلس الأمن ورفع حصة تمثيلها في فئة المقاعد غير الدائمة بهذا المجلس من 3 إلى 5 مقاعد وفقا لما ورد في ‘توافق إيزولويني’ و’إعلان سرت’”.

وشدد على أن بلاده “جعلت من مسألة إصلاح مجلس الأمن ضرورة حتمية لتحقيق نظام دولي أكثر تمثيلا وعدلا وتوازنا، لاسيما في ظل السياق الدولي الحساس الذي تفاوتت فيه الأزمات والتداعيات التي تحمل في طياتها بوادر تغيرات جديدة لموازين القوى على الساحة الدولية، بينما لا تزال قارتنا الأفريقية عرضة للعديد من التهديدات متعددة الأبعاد والأشكال والتي تمس بالسلم والأمن كظاهرة الإرهاب وتفاقم الحروب والتغيرات المناخية وأزمات الغذاء والطاقة والصحة، والتي زاد من حدتها تفشي جائحة كورونا والصراع الروسي – الأوكراني”.

ودعا إلى “تكثيف وتعبئة الجهود اللازمة حتى تستند المفاوضات المقبلة إلى وثيقة إطار العمل لعام 2015 التي تشكل وثيقة مرجعية تعكس مواقف ومقترحات ما يقارب 120 دولة عضو في الأمم المتحدة بما في ذلك الموقف الأفريقي الموحد، مع العمل على التصدي لمختلف المحاولات الرامية لتقويض عملية الإصلاح أو عرقلتها أو حتى لإضعاف المواقف وتفريق مؤيديهم”.

وعبر عن أمله في أن تشارك المجموعة الأفريقية بطريقة بناءة وفعالة جنبا إلى جنب مع جميع الدول الأعضاء ومجموعات المصالح في المفاوضات الحكومية الدولية المقبلة، وأن تتعاون مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لحشد الدعم للموقف الأفريقي الموحد، من أجل ضمان تقارب أكبر حول إصلاح مجلس الأمن ودعم دوره في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين بطريقة تجعله أكثر تمثيلا وحيادية و شفافية ومصداقية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: