الجزائر توسع نطاق تدخلها في اختيار قيادات بوليساريو

ماموني

كانت بصمة المخابرات الجزائرية حاضرة بقوة في التشكيلة الحكومية الجديدة لجبهة بوليساريو، والتي كشفت عن إقصاء كل الأصوات التي تعارض التجديد لإبراهيم غالي، وفي مقدمتهم البشير مصطفى السيد.

كشفت لائحة أسماء “حكومة” جبهة بوليساريو الجديدة عن إقصاء جميع القيادات المعارضة لنهج زعيم المنظمة إبراهيم غالي الذي جرى التجديد له في المؤتمر السادس عشر، الذي عقد في يناير الماضي وصاحبه جدل واسع بسبب خلافات بين أقطاب الجبهة، تحولت إلى تراشق بالاتهامات.

ويرى مراقبون أن بصمة المخابرات الجزائرية كانت حاضرة بقوة في التعيينات الجديدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى التجديد لغالي.

وتم تجريد البشير مصطفى السيد، شقيق مؤسس بوليساريو ومنافس غالي، من جميع مناصبه، وتعيين مريم السالك احمادة على رأس “وزارة الداخلية”، فيما غاب عبدالقادر الطالب عمر المنتمي إلى قبيلة أولاد دليم، رغم أنه حل في المرتبة الأولى في التصويت لاختيار أعضاء الأمانة العامة، وبرر متابعون للشأن الصحراوي ذلك بأن شعبيته هي سبب تهميشه.

 

محمد سالم عبدالفتاح: النظام الجزائري يتمسك بالحرس القديم لبوليساريو
محمد سالم عبدالفتاح: النظام الجزائري يتمسك بالحرس القديم لبوليساريو

 

وبعد إعادة انتخاب غالي لولاية ثالثة على رأس جبهة بوليساريو، تم الإعلان عما يسمى بـ”الحكومة” الجديدة للجبهة الانفصالية، بقيادة بشرايا بيون، وشهدت قائمة “الوزراء” غياب محمد سالم ولد السالك من “وزارة الخارجية”، وهو الذي شغل هذا المنصب منذ عام 1998.

وكان ولد السالك قد تعرض لانتقادات واسعة في مخيمات تندوف، خاصة بعد افتتاح دول أفريقية يعترف بعضها بـ”بوليساريو” قنصليات في الداخلة والعيون، وتم تعيينه بدلا من ذلك “مستشارًا” لإبراهيم غالي مسؤولاً عن الشؤون الدبلوماسية.

ويرى نشطاء صحراويون أن التغييرات كانت منتظرة، خصوصا في علاقة بجناح البشير مصطفى السيد.

وكان مصطفى السيد، الرجل القوي في بوليساريو خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، قد أعلن ترشحه في مؤتمر بوليساريو لمنافسة غالي على قيادة الجبهة وأدلى بتصريحات هاجم فيها سياسات غالي التي وصفها بالفاشلة.

ويحظى مصطفى السيد بتأييد واسع لاسيما في صفوف الشباب الصحراويين، لكنه ليس المفضل بالنسبة إلى المخابرات الجزائرية التي لم تنس له هفوة تقديمه عرضا للولايات المتحدة بإقامة قاعدة في حال دعمت أطروحة بوليساريو.

وقال محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، “إن النظام الجزائري يفضل التمسك بالحرس القديم لبوليساريو ويرفض تشبيب القيادة وضخ دماء جديدة فيها”.

ولفت عبدالفتاح في تصريحات لـه إلى “غياب البدائل المريحة بالنسبة إلى الجزائر في ظل تورط معظم العناصر القيادية بالجبهة الانفصالية في انتهاكات لحقوق الإنسان بحق سكان المخيمات، إلى جانب انكشاف تورط العديد منهم في الفساد ونهب المساعدات والاغتناء ومراكمة الثروة من مواقعهم القيادية”.

وأشار رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن إخراج ولد السالك من القيادة المباشرة واستبداله بمحمد سيداتي، الممثل السابق للجبهة في الاتحاد الأوروبي، أتيَا بقرار جزائري.

وشكل احتفاظ مصطفى محمد علي سيد البشير من قبيلة البيهات، وصاحب العبارة الشهيرة “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ليست دولة”، بمنصب “وزير الأرض والجاليات” مفاجأة للكثيرين.

تجريد البشير مصطفى السيد، شقيق مؤسس بوليساريو، من مناصبه، وتعيين مريم السالك احمادة وزيرة للداخلية

وأوضح عبدالفتاح أن “المكون القبلي الذي ينتمي إليه هو سبب تعيينه، على الرغم من خلافاته العميقة مع السلطة الجزائرية وقيادة بوليساريو”.

وشهد ما يسمى بـ”الحكومة” الجديدة تعيين مريم السالك احمادة على رأس “وزارة الداخلية”، وأشارت مصادر صحراوية إلى أن احمادة جزائرية ولدت بتندوف، ومعروفة بقربها من غالي. كما شملت التغييرات تعيين لحبيب محمد عبدالعزيز، ابن رئيس الجبهة السابق والذي يحمل الجنسية الجزائرية، عضوا في لجنة الدفاع المؤثرة جدا داخل الأمانة العامة، الأمر الذي يكرس وجود الجزائريين داخل قيادة بوليساريو، استعدادا لخلافة غالي في الأشهر أو السنوات المقبلة.

وحرصت الجزائر في المؤتمر الأخير للجبهة على دعم غالي في قيادة الجبهة الانفصالية، في محاولة لمحاصرة أي صوت يجاهر بعكس أجندة النظام الجزائري في الصحراء، خصوصا مع تنامي تيار معارض لغالي ومجموعة من المحيطين به ممن يستفيدون من النزاع المفتعل ويحظون بسخاء مالي جزائري، فضلا عن تمعشهم من هبات مالية إنسانية لسكان مخيمات تندوف.

وفي هذا الصدد أشار رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن النظام الجزائري يسيطر على قرار بوليساريو من خلال دعم بعض العناصر الجزائرية، وقد تم تشكيل خلية أمنية جزائرية ضيقة داخل بوليساريو عهد إليها بالإشراف على تنفيذ الأجندات الجزائرية المتعلقة بتدبير أمور تندوف.

وأوضح عبدالفتاح أن الجزائر عملت عبر هذه الخلية على توظيف المشروع الانفصالي في خدمة صراعها الإقليمي ضد الوحدة الترابية للمغرب، والتي توسعت في السنوات الأخيرة، رغم أنها باتت تنقسم على نفسها نتيجة صراع الأجنحة داخل النظام الجزائري ما يؤثر على الجبهة الانفصالية، بحكم توزع ارتباط العناصر القيادية في بوليساريو وأعضاء الخلية الأمنية بمختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية في الجزائر.

رغم الجولات المكثفة التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، لحلحلة النزاع فإن ذلك لم يحرز تقدما

وعرف المؤتمر السادس عشر للجبهة خلافات قوية بين وجوه قديمة تحظى بدعم كبير من النظام الجزائري الذي يمسك بزمام السلطة في المخيمات رغم الإخفاق السياسي للقيادة الحالية، وجيل جديد من الشباب يريد التعبير عن مواقفه السياسية بما يتماشى مع المتغيرات الدولية الحاصلة في النزاع المفتعل، وقد أدت تلك الخلافات إلى تأجيل المؤتمر أكثر من مرة.

ويرى مراقبون أن النهج الإقصائي الذي سلكته القيادة القديمة الجديدة من شأنه أن تكون له تداعيات مستقبلية كبيرة على الجبهة الانفصالية، ذلك أن القيادات المستبعدة بالتأكيد لن تصمت على عملية تحييدها.

يأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه الجبهة تحديات كثيرة داخل الاتحاد الأفريقي بشكل خاص، بعد الهزائم المتتالية دبلوماسيا وسياسيا وميدانيا.

وكان رؤساء وزراء ووزراء أفارقة سابقون طالبوا مؤخرا بإنهاء عضوية ما يسمى “الجمهورية الصحراوية” داخل الاتحاد الأفريقي، مؤكدين على ضرورة تدارك هذا “الانحراف القانوني” و”الخطأ السياسي”، لكون هذا الكيان الوهمي لم يسبق الاعتراف به من أي منظمة من المنظمات الدولية.

وليس في أجندة قيادة بوليساريو الحالية وبتحريض جزائري أي نية للتفاعل الإيجابي مع دعوة مجلس الأمن الدولي في نهاية أكتوبر الماضي إلى استئناف المفاوضات المتعثرة للسماح بـ”حل دائم ومقبول للطرفين”.

ورغم الجولات المكثفة التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، لحلحلة النزاع فإن ذلك لم يحرز تقدما.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: