الجزائر تتخفى وراء سياسة عدم الانحياز في مواجهة الضغوط الأميركية المتصاعدة لإبعادها عن روسيا

حنان الفاتحي

تواجه الجزائر ضغوطا أميركية متصاعدة بشأن علاقتها مع روسيا، وهو ما انعكس بشكل واضح على الزيارة التي قام بها قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، ولقائه بقائد الأركان الجزائري الذي شدد له على تمسك بلاده بسياسة عدم الانحياز.

تقول أوساط سياسية جزائرية إن اللقاء الذي جمع بين قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، وقائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانغلي، لم يكن مريحا. وهو ما ظهر في ردود فعل شنقريحة، التي بدت حازمة وغاضبة في الآن ذاته.

وتشير الأوساط نفسها إلى أن استدعاء قائد أركان الجيش الجزائري لمفردات من ستينات القرن الماضي، ومنها تمسك بلاده بـ”مبدأ عدم الانحياز” واستقلال قرارها السيادي، هو رسالة موجهة إلى الإدارة الأميركية التي يبدو أنها صعدت ضغوطها على الجزائر لتخفيف ارتباطاتها مع روسيا.

وتجد الجزائر نفسها عالقة بين محورين متضادين: روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة ثانية، وهي تسعى للحفاظ على قدر من التوازن في العلاقة بين الجانبين، لكن هذه المساعي باتت تجابه بتشدد أميركي واضح، لاسيما مع تصاعد الاستقطاب الأميركي-الروسي في أفريقيا.

وتقول الأوساط إن زيارة قائد أفريكوم إلى الجزائر يبدو أنها ترتبط بمهمة محددة في علاقة بوضع حد للمواقف الهلامية الجزائرية، والاصطفاف مع الولايات المتحدة وحلفائها في محاصرة النفوذ الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، ولاسيما في مالي.

الولايات المتحدة مصرة هذه المرة على دفع الجزائر نحو التخلي عن منطق الحياد، وحسم موقفها لجهة :إما معنا أو ضدنا”

وبحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية قال شنقريحة للانغلي الذي يزور البلاد لفترة غير محددة المدة “أود التأكيد بهذه المناسبة أن الجزائر تتشبث بمبدأ عدم الانحياز، وهي غيورة على تاريخها الحافل بالأمجاد والبطولات وغيورة أيضا على استقلالها وقرارها السياسي السيد”.

وشدد قائد الجيش الجزائري على أن بلاده “تتعامل، في إطار خدمة مصالحها، مع دول صديقة كثيرة تربطها معها علاقات عسكرية واقتصادية على غرار الولايات المتحدة الأميركية”.

وأعرب عن استعداد الجزائر لـ”إرساء تعاون يكون في مستوى طموحات الطرفين، كون بلدينا منخرطين في مسار تحسين الوضع الأمني في القارة الأفريقية”.

ودون تفاصيل عن طبيعة المباحثات بينهما، كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون استقبل مساء الأربعاء الجنرال لانغلي، وفق بيان للرئاسة.

وكشفت مؤشرات عديدة في الآونة الأخيرة عن أن الولايات المتحدة لم تعد تقبل باستمرار تخفي الجزائر خلف منطق الحياد، وسياسة عدم الانحياز، والتي سبق أن فسحت المجال للجزائر كما لعدد من الدول العربية الأخرى مثل مصر لتوطيد علاقتها بالاتحاد السوفييتي سابقا.

ويرى مراقبون أن واشنطن تصر هذه المرة على دفع الجزائر نحو التخلي عن هذه السياسة، وحسم موقفها لجهة “إما معنا أو ضدنا” في الجهود الجارية لاحتواء النفوذ الروسي المتعاظم لاسيما في القارة السمراء.

ويشير المراقبون إلى أنه بالنظر للعقلية التي تدير الجزائر من غير المرجح أن تقبل الأخيرة المطالب الأميركية، الأمر الذي قد يقود إلى تحرك فعلي لواشنطن ضد الجزائر.

وسبق أن طالب نواب في الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات على الجزائر، وإدراجها ضمن ما يُعرف بقانون “خصوم أميركا”.

 

سيرجي لافروف: هاجمتم الشخص الخطأ
سيرجي لافروف: هاجمتم الشخص الخطأ

 

وأعربت مجموعة من أعضاء الكونغرس، تتزعمهم ليزا ماكلين، في رسالة توجهوا بها إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، عن “القلق بشأن التقارير التي تتحدث عن العلاقات المتنامية باستمرار بين الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية”. وأكدت الرسالة أن “روسيا تعد أكبر مورد للأسلحة العسكرية للجزائر”.

وكانت الجزائر وقعت صفقة شراء أسلحة مع روسيا بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من سبعة مليارات دولار. وتشمل هذه الصفقة شراء مقاتلات روسية متقدمة، بما في ذلك طائرة “سوخوي 57″، وهي طائرة لم توافق روسيا على بيعها إلى أي دولة أخرى.

واعتبر أعضاء الكونغرس أن هذه الصفقات تجعل الجزائر “ثالث أكبر متلق للأسلحة الروسية في العالم”، ويرى النواب أن عقد مثل هذه الصفقات سيوفر موارد مالية لصالح موسكو، ما يقود إلى تقويض العقوبات الغربية ويساهم في تمويل خطط الحرب الروسية في أوكرانيا، وأجندة موسكو في أفريقيا.

ويستند أعضاء الكونغرس في دعوتهم إلى إدراج الجزائر ضمن لائحة العقوبات الأميركية إلى تشريع أقره الكونغرس عام 2017، ويتعلق بـ”قانون مكافحة أعداء أميركا”، وهو موجه لفرض عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات والدول التي تنخرط في صفقات تشمل قطاعات الدفاع أو الاستخبارات الروسية.

إقرأ أيضا

فريق دولي للدفاع عن الصحافي الجزائري الموقوف إحسان القاضي

ويرى مراقبون أن امتناع الجزائر عن تخفيف صلاتها بموسكو قد يقود إلى تفعيل تلك الرسالة، من قبل إدارة جو بايدن.

وقبل أيام أعلن الرئيس الجزائري أنه سيزور روسيا في مايو المقبل، وشدد على أن لبلاده علاقات جيدة مع جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة والصين.

ومن المرتقب الإعلان خلال الزيارة، وفق مراقبين، عن توقيع مشروعات لتعزيز التعاون المشترك في قطاعات، من بينها قطاع الدفاع.

وفي مقابلة بثتها قناة “روسيا اليوم” (حكومية) في 2 فبراير الجاري، سئل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن “رغبة واشنطن في معاقبة الجزائر لعدم مشاركتها في العقوبات (الغربية) ضد روسيا” على خلفية الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا منذ نحو عام.

وأجاب لافروف “سمعت أن هناك أعضاء من البرلمان (الكونغرس) أرسلوا رسالة خاصة إلى وزير الخارجية (الأميركي أنتوني) بلينكن، معربين عن استيائهم من عدم مشاركة الجزائر في العقوبات واقترحوا معاقبة الجزائر”.

ومضى لافروف قائلا “لدينا مثل شعبي يقول: هاجمتم الشخص الخطأ. فالجزائريون ليسوا ذلك الشعب الذي يمكن أن يملي عليه أحد ما يجب أن يفعله أو أن يتوقع منه بفرقعة إصبع من وراء المحيط تنفيذ توجيهات تتناقض بشكل مباشر مع مصالحه الوطنية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: