واشنطن للجزائر: منطق الحياد لم يعد مقبولا

حنان الفاتحي

كشف الاتصال الهاتفي الذي جرى بين نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، ووزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد حيال محاولات الجزائر الإمساك بالعصا من المنتصف في العلاقة مع روسيا والغرب.

ويرى مراقبون أن الاتصال الذي جرى بمبادرة أميركية، بحسب بيان للخارجية الجزائرية، أظهر أن واشنطن لم تعد تقبل ارتكان الجزائر إلى المنطقة الرمادية، خصوصا حيال ما يجري في أوكرانيا، وأن التخفي خلف منطق الحياد بات أمرا غير مقبول، وأنه حان الوقت لتحسم الجزائر موقفها، “فإما معنا (الغرب)، وإما ضدنا”.

وجاء الاتصال بعد يوم على اتصال هاتفي جرى بين الرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون والروسي فلاديمير بوتين، تم خلاله تحديد موعد لزيارة تبون إلى موسكو والتي تقررت في مايو المقبل.

وتطرقت شيرمان مع لعمامرة إلى ملفات كان يجري تداولها بعيدا عن الأضواء، لاسيما الموقف الجزائري من الأزمة الأوكرانية، ومسألة الاصطفافات الدولية والإقليمية.

 

ويندي شيرمان: نشدد على أهمية الدعم الدولي لميثاق الأمم المتحدة
ويندي شيرمان: نشدد على أهمية الدعم الدولي لميثاق الأمم المتحدة

 

وبحسب بيان للخارجية الأميركية، فقد أكدت شيرمان “التداعيات العالمية للعدوان الروسي غير المبرر، وأهمية الدعم الدولي لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة الخاصة باحترام وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها”.

ويرى المراقبون أن تصريحات المسؤولة الأميركية بشأن الأزمة الأوكرانية، هي رسالة مباشرة للجزائر بأن البقاء على الحياد في هذا الصراع، هو دعم غير مباشر لموسكو.

وكان بيان للخارجية الجزائرية ذكر أن “وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، أجرى محادثة هاتفية مع نائبة كاتب الدولة الأميركي ويندي شيرمان، بمبادرة من هذه الأخيرة، وقد سمحت هذه المكالمة بتبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما في ذلك على وجه الخصوص الوضع في مالي ومنطقة الساحل والصحراء، والتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، فضلا عن قضيتي الصحراء الغربية وفلسطين، والأزمة الحالية في العلاقات الدولية على خلفية الحرب في أوكرانيا”.

وأضاف البيان “بهذه المناسبة، ثمن المسؤولان الآفاق الواعدة للعلاقات الجزائرية – الأميركية، واتفقا على تعميق الحوار الإستراتيجي على كافة المستويات بين البلدين بمناسبة الاستحقاقات الثنائية المقبلة”.

ويبدو أن الاتصال بين الطرفين، كان شاملا بمختلف الملفات الإقليمية والدولية، خاصة الوضع في مالي ومنطقة الساحل، الذي صار هو الآخر ساحة صراع مفتوحة بين روسيا والغرب، في ظل تراجع التواجد العسكري الفرنسي، مقابل التوسع الروسي عبر قوات “فاغنر”، التي باتت تمثل الذراع العسكرية الممهدة لتمدد النفوذ الروسي في القارة السمراء.

ولا يختلف الحرج الجزائري في ما يتصل بالأزمة الأوكرانية، عن ذلك المتعلق بالتطورات المتسارعة في الساحل والصحراء الأفريقية، ففيما يعتبر الغاز مصدر التجاذب القائم بين الغرب وروسيا حول الموقف الجزائري، حيث شددت البيانات الصادرة في موسكو على أن الاتصال بين تبون وبوتين تركز على كلف الطاقة والغاز، بات الدور الجزائري في تخوم أفريقيا محور استقطاب بينهما أيضا، لقناعة لديهما بأن موقع الجزائر في هذا المعسكر أو ذاك هو الذي يحسم صراع النفوذ.

وذكرت الخارجية الأميركية في بيانها أن شيرمان أعربت عن “امتنانها لمساهمات الجزائر في حل النزاعات الإقليمية، بما في ذلك دعمها لوقف التصعيد العاجل للعنف الإسرائيلي – الفلسطيني، ولجهود الأمم المتحدة لدفع حل دائم وكريم للصحراء الغربية، وللحفاظ على الأمن في منطقة الساحل”.

وبالموازاة مع تصاعد وتيرة العمل الدبلوماسية الأميركي، لثني الجزائر عن شراكتها مع روسيا، اختارت السفيرة الأميركية بالجزائر إليزابيت مور أوبين، وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية لإطلاق رسائلها للنخب الحاكمة في البلاد، لإظهار مغريات التعاون الاقتصادي مع بلادها.

الاتصال الذي جرى بمبادرة أميركية، بحسب بيان للخارجية الجزائرية، أظهر أن واشنطن لم تعد تقبل ارتكان الجزائر إلى المنطقة الرمادية، خصوصا حيال ما يجري في أوكرانيا

وصرحت بالقول “منذ أن توليت هذا المنصب في الثاني من فبراير 2022 كانت هناك العديد من المبادرات بين بلدينا، فأنا أعتبر أن العلاقات الثنائية قوية وتعرف أيضا تطورا، حيث نعمل على توسيع وتعميق روابطنا في مختلف المجالات، وحققنا على وجه الخصوص تقدما معتبرا في علاقاتنا الاقتصادية، فضلا عن تحقيقنا لخطوات هامة هذه السنة في مجال الطاقة، وهو قطاع تعاون تقليدي بين بلدينا ولكن أيضا في جميع المسائل الاقتصادية”.

وأضافت السفيرة الأميركية “القانون الجديد حول الاستثمار الذي صدر في يوليو الماضي يشكل خطوة مهمة للمضي قدما، حيث إنه يستجيب لتطلعات المستثمرين من حيث الإطار القانوني والتنظيمي المتين المسير للاستثمار. كما يمنح ضمانا لتحويل الرأسمال المستثمر والمداخيل التي يحققها نحو بلد آخر، وأعتقد أن هذا الإطار الجديد للاستثمار جذاب كثيرا للمؤسسات الأميركية”.

وبشأن التوقيع على اتفاق لفتح خط جوي مباشر بين الجزائرونيويورك خلال العام الجاري، قالت مور أوبين “إننا في مرحلة تفاوض، كما أؤكد أن المفاوضات التقنية انتهت وآمل في التوصل إلى اتفاق في القريب العاجل خلال هذه السنة، وأن هذه الرحلة المباشرة ستغير كليا العلاقة الجزائرية – الأميركية”.

ولم تفوت الدبلوماسية الأميركية الفرصة للتذكير بأهمية “التعاون الإستراتيجي بين البلدين في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب، ومساهمتهما في تحقيق السلام في جميع الأرجاء”.

ولفتت إلى أن “الجزائر والولايات المتحدة تعملان سويا وبشكل وثيق سواء في المحافل الدولية أو على الصعيد الثنائي، للمساهمة في تحقيق السلام في كل مكان. وقد كانت للبلدين جهود استباقية وواقعية في علاقاتهما مع دول الجوار في محاولة لتعزيز الاستقرار”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: