الرباط تريد من باريس إثبات جديتها في دعم مغربية الصحراء

ماموني

كل المؤشرات تؤكد أن تأزم العلاقة بين باريس والرباط لازال مستمرا، وهو ما يضعف شراكتهما الاستثنائية. ولم تستطع الخطابات الرسمية تجاوزها بسبب تصاعد التوترات ومنها القيود على التأشيرات، رغم التراجع عنها من الجانب الفرنسي، وملف الصحراء المغربية، ورهان إيمانويل ماكرون على النظام الجزائري.

ما يريده المغرب هو أن تخرج باريس، الحليف والشريك القديم، من المنطقة الرمادية، وتتبنى موقفًا واضحًا بشأن الصحراء، على غرار الموقف الداعم من الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا، والعديد من الدول الأخرى. وهو ما دفع رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى ترجمة عقيدة المملكة فيما يخص السيادة على البر والبحر والجو، مشددا في مقابلة أجرتها معه صحيفة “لوبينيون” الفرنسية مؤخرا على أن “هناك تطورات مهمة في قضية الصحراء بعد اعتراف القوى الكبرى بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية”، وأن “باريس لا ينبغي أن تكون مجرد مراقب”.

ما يعني بالمنطق السياسي، أن على فرنسا أن تكون جادة في دعمها لخطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وإثبات أنها حريصة على إنهاء أمد النزاع المفتعل حول الصحراء من أجل حماية وضعها الاقتصادي في المغرب.

◙ انحراف البرلمان الأوروبي  لم يكن دون دوافع سياسية واقتصادية. لا يمكن أن يتحرك النواب الأوروبيون دون ضوء أخضر صادر عن دول أوروبية  لها المصلحة في التضييق على المغرب

ما أكد عليه أخنوش هو أن على باريس أن تنظر إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة، فالاستثمارات الفرنسية في المغرب كانت دائمًا مرحبا بها دون قيود، بعدما منح المغرب شركاتها معاملة تفضيلية في مشاريع البنية التحتية الضخمة في البلاد طيلة العقدين الماضيين.

الرباط لم تعد تقبل ازدواجية المواقف، وتتوقع من باريس حسم موقفها والاعتراف بوضوح بالسيادة المغربية على صحرائها سيرا على خطى واشنطن. لكن، ما ترفضه باريس هو التعايش مع الصدمة التي أحدثها الاعتراف الأميركي، غير المتوقع، بسيادة المغرب على صحرائه على أصحاب القرار السياسي والاستخباراتي الفرنسي. كما أن الرئاسة الفرنسية تعاند بكل الأساليب وترفض دعم جهود المغرب كي يتراجع عن قراره تقليص الهيمنة الفرنسية على اقتصاده، وتحجيم مساره الخاص على المستويين الإقليمي – الإفريقي والدولي.

ما قالته وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا عند زيارتها إلى الرباط في ديسمبر الماضي، فيما يخص الصحراء المغربية، مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي لم تقتنع به الدوائر الرسمية في الرباط. كلام كولونا يحتاج إلى تمحيص أكثر عندما أكدت أمام نظيرها المغربي ناصر بوريطة أن “موقف فرنسا من الصحراء واضح وثابت.. إننا نؤيد وقف إطلاق النار وجهود المبعوث الأممي الخاص للصحراء في جولاته، ونأمل عودة العملية السياسية من أجل حل سياسي عادل وواقعي”. هذا الحديث لا يمكن اعتباره إشارة تهدئة تهدف إلى وضع حد للأزمة الدبلوماسية العالقة مع المغرب.

بكل وضوح، موقف فرنسا غير المفهوم بشأن الصحراء يجعلها شريكًا غير موثوق به بالنسبة إلى الرباط، وهو إثبات على أن نخبتها تساند مخطط الاستعمار الجديد ولازالت تعتبر المغرب حديقتها الخلفية. مشكلة قصر الإليزيه أنه لم يستوعب حقيقة أن المغرب لم يعد يقبل بأنصاف المواقف، ولا أن يتجاوز أحدٌ سيادته، ولا يقبل اللعب على المصطلحات الفضفاضة حتى وإن صدرت عن شريك.

الإشارات القوية القادمة من البرلمان الأوروبي تؤكد قطعا عدم حياده، وتؤكد أن فرنسا متورطة في اتخاذ القرار الذي حمل إدانة للمغرب في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة. سياقات هذا القرار تأسست على مجموعة من الأحداث والتراكمات التي أظهرت المملكة كقوة إقليمية صاعدة، جاءت بعد الزيارة التي قام بها وفد من الكونغرس الأميركي، ويمثل الداعمين للاتفاق الدبلوماسي الثلاثي الموقع بين المملكة والولايات المتحدة وإسرائيل.

◙ ما يريده المغرب هو أن تخرج باريس، الحليف والشريك القديم، من المنطقة الرمادية، وتتبنى موقفًا واضحًا بشأن الصحراء

اتخاذ المغرب خطوات متزايدة لتنويع شراكاته على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني والدبلوماسي ودوره المتزايد داخل أفريقيا، يزعج العديد من الأطراف المناوئة لكل تقدم تشهده المملكة، فالمصالح الاقتصادية الاحتكارية السابقة لفرنسا في المملكة لم تعد كما كانت. إضافة إلى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء.

وتأتي العلاقات المغربية – الإسرائيلية لتزيد من حنق الفرنسيين، حيث تم حرمان الأجهزة الاستخبارية والسياسية الفرنسية من مخزون وافر من المعلومات المتنوعة تضغط به على أصحاب القرار المغربي مستفيدة من احتكارها قناة التواصل المباشر مع الإسرائيليين.

الأمر الذي دفع المسؤولين السياسيين المغاربة للإشارة بأصابع الاتهام باتجاه باريس كمحرّض رئيسي، ومنهم إدريس لشكر رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قال بوضوح إن “فرنسا إلى حد مّا كانت تخدع المغرب وتدّعي مساندته، وأن المغرب لن يرضخ لابتزازات الأوروبيين بمن فيهم باريس”.

انحراف البرلمان الأوروبي  لم يكن دون دوافع سياسية واقتصادية. لا يمكن أن يتحرك النواب الأوروبيون دون ضوء أخضر صادر عن دول أوروبية  لها المصلحة في التضييق على المغرب. فوقوف فرنسا وراء القرار الأخير للبرلمان الأوروبي المتعلق بوضعية حقوق الإنسان وحرية التعبير في المغرب، ليس سوى تصفية حسابات.

◙ على فرنسا أن تكون جادة في دعمها لخطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وإثبات أنها حريصة على إنهاء أمد النزاع المفتعل حول الصحراء من أجل حماية وضعها الاقتصادي في المغرب

من الواضح أن فرنسا منخرطة بشكل أو بآخر في المحور المناهض للمغرب، نتيجة الاختراقات الدبلوماسية التي حققتها الرباط في السنوات القليلة الماضية، اختراقات أزعجت باريس ومن يسير في ركبها، ومن المتوقع ألا تتم زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون في الوقت الذي حددته الخارجية الفرنسية، بعد ما جرى داخل البرلمان الأوروبي، حيث لم تبد فرنسا رغبة حقيقية في التراجع عن الأضرار التي ألحقتها بمصالح المغرب.

تبين بما لا يدع مجالا للشك أن رؤساء فرنسا دعموا ظاهريًا المغرب في مجلس الأمن في السنوات الخمس عشرة الماضية. دعم لم يكن كاملا في أيّ وقت من الأوقات، فقد بقيت فرنسا أسيرة لنفس العبارة على مدى سنوات دون أن تطور موقفها، مؤكدة أن خطة الحكم الذاتي المغربية هي أساس “جاد” و”موثوق” يمكن لأطراف النزاع حول الصحراء من خلاله بناء حل سياسي دائم.

كلام لم يعد له أيّ اعتبار خصوصا بعد مواقف واشنطن ومدريد الإيجابية تجاه المصالح الإستراتيجية للمملكة، وهذا ما أكدته المشاريع والاتفاقيات المشتركة.

إلى جانب ما تفعله ضد الرباط، تحرص باريس على تلافي اتخاذ مواقف تضر بمصالحها مع النظام الجزائري، فزيارة رئيس الأركان الجزائري سعيد شنقريحة إلى فرنسا هذه الأيام تعزيز لما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس ماكرون الأخيرة إلى الجزائر بعد انتخابه لولاية ثانية، وهي إشارة إلى أن باريس اختارت شريكها في المنطقة.

أين موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتخاذل من تأكيدات رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الثلاثاء، أمام البرلمان الإسباني بأنه “سيدافع دائما عن الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب”، وأن “الحقائق والواقع يؤكدان أهمية المغرب بالنسبة إلى إسبانيا وأوروبا”، وأن “من مصلحتنا الحفاظ على أفضل العلاقات، ليس من أجل إسبانيا فحسب، ولكن أيضا من أجل الاتحاد الأوروبي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: