الوضع السياسي والحقوقي في الجزائر ينحدر نحو الأسوأ

تصرّ السلطة الجزائرية على مقاربتها المتشددة في مواجهة خصومها ومنتقديها، الأمر الذي يسمم الأجواء في الجزائر ويبعث برسائل سلبية للداخل والخارج على السواء بأنه لا تغيير واردا في البلاد، وهذا التمشي من شأنه أن يضاعف من حجم الضغوط والتدخلات الأجنبية.

يسود التشاؤم الأوساط السياسية والحقوقية في الجزائر في ظل إصرار السلطة على التضييق على الحقوق والحريات، وتكميم أي صوت معارض، غير متّعظة في ذلك بالتجارب السابقة التي قادت البلاد إلى هزات.

وترى الأوساط أن رهان السلطة الجزائرية على سياسة شراء السلم الاجتماعي من خلال رفع الرواتب والمعاشات مستغلة في ذلك عائدات الغاز، في مقابل دفعها باتجاه عزل الأصوات المعارضة والمنتقدة، من شأنه أن يخلق مناخا غير سليم في الجزائر ستكون له تبعات مستقبلية.

وتقول تلك الأوساط إن الإشكال في الجزائر يتمثل في أن منظومة الحكم القائمة لا تؤمن بالحقوق والحريات وتعتبرها “ترفا”، فيما الأولوية بالنسبة إليها هي التركيز على المناحي الاجتماعية وإن كان ذلك على حساب الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.

تحذيرات من مغبّة الذهاب في تطبيق قانون النقابات الجديد، حيث تضمّن المشروع تقييدا لحرية الممارسة النقابية

وحذرت لويزة حنون رئيسة حزب العمال اليساري من المغالاة في سياسة الانغلاق السياسي والحقوقي بشكل وضع البلاد محل اهتمام دولي، وفتح غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، حيث باتت منظمات إقليمية ودولية تتدخل في الشأن الداخلي للبلاد، وتصدر توصياتها لإدارة الشأن العام، الأمر الذي يعتبر مساسا بالسيادة الوطنية، ويمهد الطريق للتدخل التدريجي وممارسة الابتزاز السياسي على الدولة.

ورسمت حنون صورة قاتمة عن الوضع السياسي والحقوقي في البلاد، بسبب إفراط السلطة في سياسة التضييق على الحريات السياسية والإعلامية، حيث باتت المقاربة الأمنية وتوظيف القضاء آلة في يد السلطة للتعاطي مع الذين يخالفونها طروحاتها وتصوراتها.

وذكرت حنون في تسجيل صوتي خصصته لتقييم حصيلة العام الجاري في الجزائر بأن “العام كان قاسيا ومأساويا في كل الجوانب، وأن حرب أوكرانيا ألقت بظلالها على دول العالم بما فيها الجزائر، خاصة في ما يتعلق بالتضخم وغلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية، الأمر الذي فاقم من حدة التعقيدات الاجتماعية وحتى السياسية، إذ باتت الجزائر عرضة للضغوط الأميركية والغربية من أجل فك الارتباط مع روسيا وإجبارها على تبني موقف مؤيد للغرب”.

ووصفت زعيمة حزب العمال البند 87 مكرر من قانون العقوبات المثير للجدل بـ”الانحراف الخطير جدا”، في تلميح إلى تداعيات تطبيقه على لجم الحريات السياسية والإعلامية، وسهولة توجيه التهم الثقيلة للناشطين السياسيين المعارضين، وحتى الفعاليات السياسية والأهلية.

ولفتت إلى أن “اللجوء إلى البند 87 مكرر لمعالجة الوضع الداخلي هو انتكاسة حقيقية للحقوق والحريات، فقد استحدث لترهيب الناس، وبواسطته يتم تلفيق تهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيمات إرهابية والمساس بالوحدة الوطنية، وبواسطته تتم مصادرة حرية الأشخاص بكل سهولة.. البند خلف انحرافات خطيرة جعلت البلاد معرضة للابتزاز الخارجي، بطلب المنظمات والهيئات الدولية التحقيق في الأوضاع الداخلية، وإصدار التقارير الدورية، والضغط على السلطة لأجل إلغائها، وهو أمر يضر بالمناعة الوطنية في مواجهة الضغوطات الخارجية”.

وتم إقرار المادة 87 مكرر في قانون العقوبات في نوفمبر 2021، وتضمنت تعريفات واسعة للإرهاب من قبيل “السعي بأي وسيلة للوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بالطرق غير الدستورية أو التحريض على ذلك”.

 

حزب العمال اليساري يحذر من المغالاة في سياسة الانغلاق السياسي والحقوقي
حزب العمال اليساري يحذر من المغالاة في سياسة الانغلاق السياسي والحقوقي

 

وخولت المادة إنشاء قائمة وطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية التي ترتكب أحد الأفعال المنصوص عليها، وفسحت المجال للنيابة العامة لتوجيه تهم الإرهاب لعدد من الناشطين في الحراك الشعبي، حيث أدين بعضهم على أساسها.

وتأتي هذه المادة المثيرة للجدل ضمن ترسانة من التشريعات والقوانين التي أقرتها الحكومة الجزائرية، والتي تستهدف ضرب القوى السياسية والمدنية والنقابية المعارضة، وهو أمر يدفع إلى المزيد من تسميم الأجواء في البلاد، وإثارة الرأي العام الدولي، ومنح قوى دولية المزيد من الأوراق للضغط على الجزائر.

ولفتت حنون إلى أن السؤال المطروح في ظل التطورات التي يعيشها العالم منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية هو مدى قدرة الجزائر على مواجهة الضغوط الغربية والحفاظ على سيادتها السياسية واستقلالها في ظل الارتباك الذي يخيم على أداء السلطة السياسية القائمة.

وقالت إن “مواجهة الوضع تتطلب شروطا داخلية تتعلق بالجبهة الداخلية في ارتباط بالسياسات الاجتماعية القوية والشاملة، وتحقيق النمو المستدام وردم الفوارق الجهوية وتعزيز الحقوق والحريات، وهو ما لم يتحقق حيث تشهد البلاد للعام الثالث على التوالي انهيارا فظيعا للقدرة الشرائية، وتفشي البؤس والفقر والتسول، فضلا عن تفاقم مظاهر العنف الحضري والجريمة والهجرة السرية”.

وأضافت “ظاهرة الهجرة عرفت مستويات مرعبة خلال العام الجاري، كأن البلاد تعيش في حرب، ففي كل يوم تغامر عائلات وأفراد من مختلف الأعمار ومن الجنسين بالهجرة إلى الضفة الأخرى، وبدل أن يتم معالجة الظاهرة في أطرها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يتم تجريمها وردع أصحابها بعقوبات قاسية”.

التشاؤم يسود الأوساط السياسية والحقوقية في الجزائر في ظل إصرار السلطة على التضييق على الحقوق والحريات، وتكميم أي صوت معارض

وشددت المتحدثة على أن أسباب هذه المأساة هي الإقصاء والتهميش والبطالة وهشاشة الظروف الاجتماعية، والغلق السياسي والإعلامي المحكم، وغياب الأفق الذي يربط الناس بوطنهم.

وكانت السلطات الإسبانية أعلنت الأسبوع الجاري عن وصول 250 مهاجرا سريا إلى جزر البليار بعد عيد الميلاد قادمين من السواحل الجزائرية أغلبهم من أصول جزائرية والباقي من جنسيات أفريقية، وهو رقم يعكس نشاط وتيرة الهجرة في السنوات الأخيرة، بينما لا تزال السلطات السياسية تتجاهل الظاهرة، ولم يدل الرجل الأول في الدولة الرئيس عبدالمجيد تبون بأي شيء رغم أنه خاض في مختلف المسائل والملفات في تصريحات لوسائل إعلام بلاده.

وأكدت حنون على أن “القمع المسجل حاليا لم يكن حتى خلال العشرية الدموية، ونقول ذلك لأن البلاد كانت تعيش ظروفا استثنائية أمنيا وسياسيا، لكن الآن يفترض أننا نعيش في أمن وسلام ولا مبرر لتلك الممارسات”.

وتابعت “نحن لسنا في حرب كي يتم اللجوء إلى ذلك، وحتى المؤسسات الأمنية تقر بتراجع الإرهاب في ربوع البلاد، وبالتالي لا شيء يبرر استمرار ماكنة القمع.. هناك أزيد من 320 من سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين، فضلا عن تعليق نشاط أحزاب سياسية بطلب من الإدارة”.

ولفتت القيادية اليسارية إلى تفاجئها في الآونة الأخيرة باستدعاء معارضين ونقابيين من طرف الأمن والقضاء، كما تم توقيف الإعلامي إحسان القاضي من بيته في ظروف غير مقبولة، وغلق مبنى المؤسستين الإعلاميتين اللتين يمتلكهما وهما “راديو أم” وموقع “مغرب إيمارجان”، في مؤشر على غموض وارتباك مسار السلطة وغياب مؤشرات حقيقية لدخول العام الجديد بأمل وارتياح.

وحذرت حنون السلطة من مغبة الذهاب في تطبيق قانون النقابات الجديد، لأن المشروع تضمن خرقا صارخا لحرية الممارسة النقابية، لاسيما تلك المتعلقة بالفصل بين النشاط النقابي والسياسي وحظر الحق النقابي في قطاعات أخرى لم يتم الإعلان عنها، حيث تم الاكتفاء بوصفها بـ”الإستراتيجية”، مما يهدد بحرمان قطاع من الطبقة الشغيلة من حق الانخراط والتهيكل النقابي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: