باحثة: نتجه نحو نظام جزائري أكثر سلطوية.. والجزائريون ما عادوا يريدون مقايضة الغاز والنفط بالسكن والأجور

أخبارنا الجالية

في مقابلة مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، تحدثت داليا غانم، الباحثة المتخصصة في الجزائر، والمحللة في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) عن ينابيع طول عمر السلطة في ظل القيادة الحاسمة للجيش الجزائري.

وتحدثت الباحثة عن “الاستبداد التنافسي” في وصف النظام الجزائري، معتبرة أنه مزيج بين عناصر الاستبداد المتشدد وعناصر الديمقراطية. هناك انتخابات، لكنها لن تكون شفافة أبدا. هناك صحافة، لكنها لن تكون أبدا حرة بما فيه الكفاية. هناك أحزاب سياسية، لكنها لا تستطيع أبدا تهديد النظام الجزائري.

وأضافت أن النظام الجزائري لم يكن ينوي أبدا إضفاء الطابع الديمقراطي، بما في ذلك عام 1988، عندما تم إدخال نظام التعددية الحزبية بعد أعمال الشغب المميتة. كان هذا الانفتاح مقيّدا، وكان على النظام أن يتكيف من أجل البقاء.. في عام 2011، أدرك النظام بسرعة كبيرة أن موجات “الربيع العربي” ستضربه، فسارع إلى استخدام ورقة المال: وزع مليارات الدولارات، وشرع في بعض الإصلاحات المؤسسية. ودخلت المرأة إلى البرلمان.

ورداً على كتابتها أن هذا النظام يقوم على خمسة أركان: الجيش، استيعاب المعارضة، تشرذم المجتمع المدني، ريع المحروقات، والقمع، التي مكنته من المقاومة والتكيف؛ أوضحت الباحثة أنه منذ حرب الاستقلال، كان للجيش قبضة خانقة على السياسة. من الرئيس هواري بومدين (1965-1978)، تم وضع الأمن العسكري في قلب النظام.  صعد إلى السلطة وسيطر حرفيا على كل جانب من جوانب الحياة الجزائرية. ثم أتى الشاذلي بن جديد (1979-1992)، الذي قُدِّم كمدني حتى لو كان نتاجا خالصا لهذا الجيش.  ثم جاء انتهاك نتائج الاقتراع عام 1992 (توقف العملية الانتخابية) مع عودة الجيش إلى مركز الصدارة.

واعتبرت الباحثة أن الجيش الجزائري أدرك أنه يجب ألّا يبقى في دائرة الضوء لفترة طويلة. خلال أزمة عام 2019، التي أدت إلى استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، أدرك الجيش -مع الظهور اليومي لرئيس الأركان على شاشة التلفزيون- أنه يتعين عليه تسليم زمام الأمور إلى مدني. وهذا هو سبب إصراره على إجراء انتخابات رئاسية بسرعة. فهو لا يريد تحميله المسؤولية عن الفشل الاقتصادي والاجتماعي. إنه جيش لا يحكم على أساس يومي، لكنه يدير البلاد من حيث الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، وفق الباحثة دائماً.

وتواصل داليا غانم القول، إن الأمة الجزائرية مبنية على ما وصفتها بـ”أسطورة المليون ونصف المليون الشهيد” الذين سقطوا في حرب التحرير ضد فرنسا، والدور الذي لعبه الجيش. وبالتالي، فإن الجيش مبني على هذه القصة ولا يمكن تصور أمة لا يقودها، لأنه يعتقد أنه أنقذ البلد كما حصل في التسعينات في مواجهة الإسلاميين الراديكاليين، أو في عام 2019، بإجبار بوتفليقة على المغادرة.

وعن أحزاب المعارضة، اعتبرت الباحثة أنها مُتعاونة مع النظام، على الرغم من الوفرة الواضحة للأحزاب السياسية، معتبرة أنه يتم فتح الساحة السياسية وضمان وجود العديد من الأحزاب الصغيرة العاجزة عن الاستفادة من مطالب الشعب، أو أن يكون لديها أجندة مشتركة. وقد فعل النظام الأمر نفسه مع المجتمع المدني، حيث بلغ عدد الجمعيات 92 ألف جمعية في عام 2012. لكن يُمنع الحصول على تمويل خارجي. يمكن للدولة إما خنق منظمة غير حكومية مالياً، أو شيطنتها أو استخدمها، كما تقول الباحثة.

الجيش الجزائري أدرك أنه يجب ألّا يبقى في دائرة الضوء لفترة طويلة. خلال أزمة عام 2019، التي أدت إلى استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أدرك الجيش -مع الظهور اليومي لرئيس الأركان على شاشة التلفزيون- أنه يتعين عليه تسليم زمام الأمور إلى مدني

وتتابع أن هذا ما يفعله الجيش مع التشكيلات السياسية. إنه نظام الحزب الواحد المكون من عدة أحزاب. عقلية قادتهم تشبه عقلية السلطة. كل منهم له شخصية وصاية. هناك القليل من الديمقراطية الداخلية أو لا يوجد على الإطلاق. هذه حركات سلطوية صغيرة، بما في ذلك الإسلاميون، على سبيل المثال، وفق الباحثة.

ورداً على سؤال “لوموند” حول حديثها عن إعادة توزيع الريع الهيدروكربوني كأحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها السلطة، أشارت الباحثة إلى أن انخفاض سعر برميل النفط في عام 1986، تبعه أعمال شغب في 1988، ثم عشرية التسعينات المظلمة. أطلق عبد العزيز بوتفليقة استثمارات كبيرة في البنية التحتية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم انخفض سعر البرميل مجددا في عام 2014. البنى التحتية تتقادم، ولا يمر أسبوع دون وقوع حادث في حقل غاز. يجب الاستثمار، ولكن من الذي سيضخ الأموال في بلد تعد “ممارسة الأعمال التجارية” فيه هي الأسوأ في المنطقة، وفق الباحثة دائما.

واعتبرت غانم أن القمع في السبعينات ثم التسعينات، مثّل خطراً حيوياً على بقاء النظام والدولة. لكن الأمر اختلف مع احتجاجات حراك 2019. هذا يدل على أن النظام قد تعلم من أخطائه. بدأ بالمراقبة وترك الناس ينزلون إلى الشوارع.  ثم شنّ حرب الأعصاب: من يستسلم أولاً؟

أخيرا، جاء كوفيد-19 كنعمة. بدأ القمع المستهدف باعتقال مئات الأشخاص في جميع أنحاء البلاد. لقد أخافوا المواطنين تدريجياً، واختفت النساء والطبقات الوسطى من الاحتجاجات.

ومضت الباحثة إلى القول إن لحظات التحول في هذه الأنظمة تخضع لتيارين: إما أن النظام يعطي علامات الانفتاح على الخصوم لاستيعابهم بشكل أفضل، أو أنه ينغلق أكثر من ذلك، معتقدة أننا نتجه نحو نظام أكثر سلطوية. ففي ظل معدل التضخم والبطالة، فإن الجزائر هي “طنجرة ضغط” مرة ثانية، حيث اجتمعت مكونات الانفجار في جميع أنحاء المنطقة. في 2011، ضربت الموجة الأولى تونس وليبيا ومصر وسوريا. وفي 2019، ضربت الموجة الثانية الجزائر والسودان والعراق ولبنان. إنه وقت طويل، لكنه يغير المجتمعات.

المواطنون الجزائريون يريدون ميثاقا اجتماعيا جديدا. ما عادوا يريدون مقايضة الغاز والنفط بالسكن والأجور. تكسب قيم ما بعد المادية -حرية الرأي وحرية التنقل- شبابا أكثر ارتباطا من الأجيال السابقة، بحسب أقوال الباحثة داليا غانم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: