لماذا فشل دي ميستورا في اختراق جمود ملف الصحراء؟

ماموني

منذ نوفمبر 2021 وستافان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، يبحث عن منافذ لاختراق ملف الصحراء، واستئناف العملية السياسية التي توقفت قبل مغادرة سلفه الألماني هورست كوهلر. فبعد جولات قادته سابقا إلى المغرب والجزائر ودول أخرى التقى دي ميستورا في السادس من ديسمبر الجاري بمساعدة وزير الخارجية الأميركي بالإنابة والمكلفة بشؤون الشرق الأدنى، يائيل لامبرت، أملا في أن تقدم بدورها يد المساعدة لتفعيل التوصيات المتعلقة ببعث العملية السياسية، وإيجاد تسوية سياسية عادلة ودائمة ومقبولة للملف.

الولايات المتحدة تؤيد العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة من أجل مستقبل سلمي للمنطقة، لكن المغرب لا يقبل بأن يتبنى دي ميستورا اقتراحا لإطلاق مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة بوليساريو، وهو ما ترغب فيه الجزائر وفق وزير خارجيتها رمطان لعمامرة رغم أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأخير لا يقبل التأويل عندما نصّ على أهمية المبادرة المغربية للحكم الذاتي لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء.

يمكن القول إن ستافان دي ميستورا سيعمل على إدارة هذا الملف بجدية وحيوية للوصول إلى نقاط تواصل بين الأطراف وإن لم تقبل بها في النهاية، فالأهم عنده في هذه المرحلة هو أن يجمعها على طاولة حوار واحدة، كخطوة أولى يراها ضرورية لمهمته كوسيط، رغم أن الأطراف اجتمعت قبل ذلك في جنيف بحضور المبعوث الأممي السابق دون جدوى.

الجزائر الدولة الداعمة لبوليساريو والتي اقتطعت لها جزءا من أرضها بتندوف ليست مستعدة لتقديم أي تنازلات عمّا تعتبره حقا تريده في الصحراء. حق المرور إلى الأطلسي على ظهر دولة وهمية تسمى بوليساريو

كيف سيقنع دي ميستورا الجزائر بالجلوس إلى طاولة الحوار كطرف في النزاع المفتعل، كما تصفها قرارات مجلس الأمن، وماذا سيقدم لبوليساريو للكف عن رفع سقف أطماعها في أرض الصحراء التي لن تنالها، وهل يرى في المبادرة المغربية للحكم الذاتي منطلقا للحل؟

أسئلة محورية وأساسية في أي خطة يحملها معه دي ميستورا، ولن يكون الجلوس حول طاولة المفاوضات كافيا دون الإجابة عليها.

ليس هناك طرف واحد في هذه المعادلة الصعبة التي يعرف دي ميستورا بعض مجاهلها بالتأكيد.

لطالما كان المغرب متعاونا مع المبعوثين الذين كانت لهم معرفة عميقة بالملف وتعقيداته والظروف التي أدت إلى وجوده لمدة تقارب نصف قرن. وبالتالي لن يكون التعاون مع الوسيط الجديد للأمم المتحدة معقدا إن كان بالفعل يحمل أفكارا جديدة  لبداية التفاوض وبحسن نية.

مجلس الأمن أكد مرارا على دعم جهود الوسيط الدولي، مقدما له الدعم المادي واللوجيستي والسياسي للقيام بمهمته، وهو لن يواجه الفشل في مهمته إلا إذا استمرت الجزائر في إنكار علاقتها بالملف، بينما تستمر في دعمها للانفصاليين، وستكون الثقة مفقودة في دي ميستورا إذا كان يحمل رؤية بعيدة عن الموضوعية اللازمة التي يريد حلها.

ما من شك أن مهمة الوسيط معقدة، ونجاحه يعتمد على إدراكه بأن الواقع الميداني والدبلوماسي والسياسي يعمل لصالح المملكة المغربية، فهي صاحبة حق شرعي وتاريخي وجغرافي ودبلوماسي، وصاحبة مشروعية قانونية واجتماعية على الأرض وبين الناس. ولهذا، فإن أي لقاء بين المسؤولين المغاربة والمبعوث الأممي لن يخرج عن هذا الإطار، ولن يستطيع الإقناع بأي حل خارج هذا الإطار وحدوده، المملكة لها السيادة الكاملة على الصحراء، التي هي جزء لا يتجزأ من وحدتها الترابية ومحط إجماع شعبي وسياسي.

مبادرة الحكم الذاتي، التي قدمها المغرب عام 2007 كحل وحيد لـ”نزاع مفتعل”، هي القاعدة الأساسية التي يمكن البناء عليها في أي مشروع للحل، ولهذا يجد دي ميستورا نفسه في مأزق حقيقي أمام من يريدون إقناعه بعبارة “تقرير المصير” و”الاستفتاء في الصحراء” التي يروج لها الانفصاليون بدعم جزائري واضح، رغم أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن لا يستخدمان العبارتين.

هناك مأزق آخر لا يستطيع دي ميستورا التعامل معه إلا بدعم دولي قوي، وهو إعلان بوليساريو انفكاكها من طرف واحد عن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991. وحديثها عن العودة إلى حمل السلاح منذ سنتين كاف لنسف كل محاولات المبعوث الأممي لخلق بيئة مساعدة لجلوس الأطراف كلها إلى طاولة مباحثات واحدة.

المغرب لن يعود خطوة إلى الوراء، ميدانيا أو دبلوماسيا، خصوصا بعد دحر ميليشيات بوليساريو من على مقربة من معبر الكركرات. وهو في الوقت نفسه يمد يد المصالحة للجزائر، لأنها المعني الأول بهذا الملف الذي تستغله لأهداف لا علاقة لها بالجوانب الإنسانية التي تدغدغ بها حواس السذج.

لن يكون التعاون مع الوسيط الجديد للأمم المتحدة معقدا إن كان بالفعل يحمل أفكارا جديدة لبداية التفاوض وبحسن نية

لم يبق أمام دي ميستورا سوى القيام بزيارات إلى عواصم أوروبية، عساه يجد ما يستأنس به لإنجاح مهمته، سواء كانت وسيلة ضغط أو إغراء. وهذا ما دفعه في الأيام الأخيرة إلى التوجه نحو معقل اليمين الأوروبي، إيطاليا، فلربما يجد عند حكومتها الجديدة سبيلا لإنعاش مهمته بتنازل من أحد الأطراف.

العقبة الأولى التي تواجه دي ميستورا في مهمته هي الاستفتاء الذي يتضمن خيار الاستقلال، والذي تؤمن به ميليشيات بوليساريو وتدعمه المؤسسات الرسمية الجزائرية، رغم أنه حلم يستحيل تحقيقه، وقد نبه إلى ذلك مبعوث أممي سابق، بقوله “لن ينخدع المغرب بأي إغراء أو مساومة أو ضغط لتمرير هذا السيناريو”، الذي كان يدعمه كريستوفر روس المبعوث الأسبق.

إذا كان دي ميستورا يحمل بعض الأفكار للحل، مستدلا بتيمور الشرقية أو جنوب السودان، أو إقليم الباسك في إسبانيا، فهذا لن يفيده في شيء هنا في المغرب. لأن الاختلاف شاسع في الجغرافيا والتاريخ والبشر، والاستقرار لن يأتي بالانفصال. الأقاليم الصحراوية توجد فعليا تحت حكم ملك واحد، تتداول فيها عملة واحدة، وعلم موحد، وتجرى فيها انتخابات وتستثمر فيها أموال وتفتح قنصليات دول في كبرى مدنها.

نضيف أن الجزائر الدولة الداعمة لبوليساريو والتي اقتطعت لها جزءا من أرضها بتندوف ليست مستعدة لتقديم أي تنازلات عمّا تعتبره حقا تريده في الصحراء. حق المرور إلى الأطلسي على ظهر دولة وهمية تسمى بوليساريو.

على دي ميستورا التعامل مع هذا الوضع المتشابك لإقناع النظام الجزائري بالجلوس إلى المغرب. وهو نظام قطع كل أواصر العلاقات الجوية والبرية والدبلوماسية والثقافية مع الرباط. بل فتح الباب أيضا لإيران وذراعها حزب الله للعبث بالأمن القومي المغربي وأمن الجنوب الأوروبي.

وعلى دي ميستورا أيضا أن يعلم أن أي اختراق لهذا الملف لن يتم بالتصريحات أو الجولات المكوكية بين العواصم، بل بوضع خطة مبتكرة والبناء عليها وبإقناع الأطراف الأخرى ممثلة في الجزائر وبوليساريو بأنه لا سبيل لتغيير الوضع الراهن، وبأن كل الظروف في صالح مبادرة الحكم الذاتي كحل ذي مصداقية وموضوعية كما اعترفت به جلّ الدول التي تستخدم الأدوات المنطقية في التحليل والاستشراف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: