تغلغل ناعم للمؤسسة العسكرية في المفاصل المدنية للدولة الجزائرية

لم يعد الاهتمام المتزايد للمؤسسة العسكرية الجزائرية بالشأن المدني في البلاد أمرا محرجا لها قياسا بالدلالات السياسية للمسألة، خاصة في ظل توسع نفوذها خلال السنوات الأخيرة، وتدخلها في مهام وصلاحيات مؤسسات مدنية.

وتتسلل المؤسسة بشكل ناعم ودون ضجيج داخل هذه المؤسسات، الأمر الذي يعتبره قطاع من الطبقة السياسية الراديكالية تعميقا للأزمة السياسية في البلاد، وتجاهلا لمطالبة الشارع بسحب الجيش إلى الثكنات وترك الشأن السياسي للسياسيين.

ونظّمت مديرية الإعلام والاتصال في قيادة أركان الجيش الجزائري، بالمركز العسكري في ضاحية بني مسوس بأعالي العاصمة، ندوة حول “الإعلام والحفاظ على الذاكرة الوطنية.. التزام ومسؤولية لتعزيز الدفاع الوطني”، وهو ملف لم يكن ضمن تقاليد المديرية قبل التحولات المستجدة في مهام المؤسسة وصلاحياتها بشكل عام، حيث باتت في السنوات الأخيرة مختلف القضايا والملفات السياسية والاجتماعية في متناول الجيش.

مؤسسة الجيش تتجه إلى عسكرة المجتمع والاستحواذ على مهام وصلاحيات من صميم مؤسسات أخرى

ولم يعد الأمر حصرا على مديرية الإعلام والاتصال للمؤسسة التي كانت متفرغة لمهام محدودة في وقت سابق، حيث سبق لقيادة المؤسسة أن تناولت العديد من القضايا، كالخطاب الديني، ومحتويات شبكات التواصل الاجتماعي، والتاريخ والإعلام، وهو ما طرح مسألة دلالات التمدد لمهام المؤسسات الأخرى، والتسلل المستمر داخل المفاصل المدنية للدولة.

وحققت المؤسسة العسكرية الجزائرية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ في نوفمبر 2020 مكاسب غير مسبوقة في التاريخ التشريعي للبلاد، فعلاوة على مهامها التقليدية بات دورها في مختلف المسائل السياسية والاجتماعية يجري تحت غطاء الدستور، وكثيرا ما عبّرت مجلة الجيش عن رأي المؤسسة العسكرية في مختلف القضايا، كما لم تتوان المؤسسة عن تخصيص أنشطة رسمية لها بعيدا عن شؤون الدفاع والأمن والتسليح.

ويبدو أن المؤسسة العسكرية، التي تراجع دورها بشكل لافت خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في إطار توازنات الصراع بين الرئاسة والاستخبارات، لا تريد تكرار نفس التجربة مع القيادة السياسية الجديدة، وتعمل على تدعيم نفوذها بشكل لا يترك أيّ فرصة للمناورة في المستقبل، ولذلك يجري التركيز في التغطية على نشاطها في مختلف الملفات المدنية بما فيها السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والمجتمع.

وجاءت ندوة “الإعلام والحفاظ على الذاكرة الوطنية.. التزام ومسؤولية لتعزيز الدفاع الوطني”، لتكرس التوجه السابق، وتترجم التسلل الناعم في المفاصل المدنية للدولة، مستفيدة في ذلك من المكاسب الدستورية، ومن خطاب التناغم بينها وبين القيادة السياسية.

وذكر بيان لقيادة أركان الجيش بأن الفريق أول سعيد شنقريحة أشرف على افتتاح أشغال ندوة “الإعلام والحفاظ على الذاكرة الوطنية”، بحضور وزير الخارجية رمطان لعمامرة، وقادة القوات والدرك الوطني، وقائد الناحية العسكرية الأولى، ورؤساء دوائر ومديرين ورؤساء مصالح مركزية بوزارة الدفاع الوطني وقيادات الجيش، وعدد من الشخصيات ومسؤولي هيئات ومؤسسات إعلامية جزائرية.

وما تزال مقاربة المؤسسة العسكرية قائمة على الدعاية والتسويق الموروث عن عهد أيديولوجي سابق لمشاريع السلطة، دون التكيف مع تطور آليات وأنماط صناعة الرأي العام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: