قمة الجزائر.. دعوات رفع الحرج، تزيد الحرج

البازي

قمة الجزائر بانتظار معجزة قد تحدث وقد لا تحدث، فالتوقعات تذهب إلى أن القمة ستشهد تمثيلا محدودا من جانب الدول الخليجية والأردن أيضا. وبرغم التأكيدات الجزائرية بأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل الدعوة التي وجهها إليه وزير الخارجية رمطان لعمامرة خلال مشاركته في اجتماعات مجلس الجامعة العربية في القاهرة، إلا أن مشاركة السيسي ليست قاطعة.

بدأت الجزائر توجيه الدعوات إلى القادة العرب لحضور القمة العربية المقررة يومي الأول والثاني من نوفمبر المقبل، وسط توقعات بأنها ستكون واحدة من أدنى القمم العربية من ناحية مشاركة القادة العرب، وأقلها قدرة على “لم الشمل”، رغم أن عنوانها الرئيسي هو “لم الشمل”.

القطيعة الحادة مع المغرب، والرفض المتواصل لكل مبادرات رأب الصدع، كشفت عن موقف عنيد دفع إلى إعلاء مشاعر اليأس من أن توفر القمة فرصة لإعادة بناء العلاقات بين البلدين الجارين.

وفي حين تصدر تعليقات رسمية تؤكد هذا المنحى، فإن الموقف العدائي ضد المغرب، بات يشمل موقفا عدائيا ضد الذين يبذلون مساعي الوساطة أيضا.

تذمر جزائري من العرب

الهجمات التي يشنها معلقون جزائريون قريبون من مؤسسة السلطة ضد السعودية، أكدت أن الأجواء بين البلدين متكدرة إلى درجة قد لا تسمح بمشاركة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولا ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وربما ولا حتى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، الذي حاول أن يشق الطريق إلى تهدئة الخواطر وتسوية الخلافات، إلا أنه تلقى رفضا حادا، اعتبرته أوساط المراقبين في الرياض صادما إلى درجة لم يبق من بعده ما يمكن أن يُقال.

وما لم تحدث معجزة، فإن البعض يتوقع تمثيلا خليجياً وأردنياً محدودا. أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فيقول الجزائريون إنه قبل الدعوة التي وجهها إليه وزير الخارجية رمطان لعمامرة خلال مشاركته في اجتماعات مجلس الجامعة العربية في القاهرة، لكن لا شيء مؤكداً حتى الآن.

المصادر الرسمية الجزائرية قالت إنها سوف ترسل مبعوثا خاصا إلى المغرب لتوجيه الدعوة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس للمشاركة في القمة. إلا أنها ألحقت هذه النية باعتبارات تتعلق بـ”رفع الحرج”، وأخرى بروتوكولية.

القضايا التي تعوق “لم الشمل” لا تقتصر على القطيعة مع المغرب، ولكنها تشمل أيضاً موقف الجزائر المهادن لإيران

هذه المصادر قالت إنه “وفق القاعدة المعمول بها سترسل الجزائر مبعوثاً خاصاً إلى المملكة المغربية، وهو ما يعتبر واجباً أخلاقياً وسياسياً يستلزم معاملة جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة، لأن الأمر لا يتعلق بالعلاقات الثنائية، بل بعلاقات متعددة الأطراف”. وأضافت “إن الجزائر بإرسال الدعوة إلى المغرب تكون قد رفعت الحرج عنها وعن الدول الأعضاء، سواء بالموافقة أو رفض طلب الاستقبال الذي سترسله الجزائر”.

وتأمل الجزائر ضمنيا على الأقل، في مشاركة الملك محمد السادس، لأنها السبيل الوحيد فيما يبدو لإنقاذ ماء الوجه من قمة محدودة التمثيل على مستوى القيادات العربية. وفي إطار هذا الأمل، صدرت تلميحات قالت إن “الجزائر شاركت سابقاً في قمتين عربيتين بالمغرب، في وقت كانت فيه العلاقات بين البلدين تعيش قطيعة تامة“.

القضايا التي تعوق “لم الشمل” لا تقتصر على القطيعة العنيدة مع المغرب، ولكنها تشمل العديد من القضايا الأخرى، ومنها الموقف الجزائري المهادن من التهديدات والاعتداءات الإيرانية ضد دول المنطقة، ورغبتها في طرح ملف إصلاح الجامعة العربية سعيا لإضعاف ما تعتبره “نفوذا مصريا” عليها، وتبني موقف يدعم الأطراف الموالية لتركيا في ليبيا، وطرح مسألة عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية من قبل أن تنضج الظروف السياسية الملائمة لهذه العودة.

ويلفت المراقبون إلى أن الجزائر تبني علاقات تعاون تحمل طابعا لا يخدم المصالح العربية المشتركة مع دول الجوار الإقليمي وهي تركيا وإيران وإثيوبيا، ولا يتم التشاور مع الأطراف العربية ذات الصلة.

فالعلاقات مع تركيا، فيما يخص الملف الليبي، لا تتم بالتشاور مع مصر. والعلاقات مع إيران لا تتم بالتشاور مع دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية والإمارات رغم أن هناك أزمة ملتهبة في اليمن. والعلاقات مع إثيوبيا لا تتم بالتشاور مع السودان ومصر، رغم أن هناك أزمة ملتهبة أخرى بشأن المخاطر التي تهدد مستقبل إمدادات المياه إلى هذين البلدين.

الجزائر تتعامل مع القمة العربية على أنها عبء، وتأمل في التخلص منه بأي صورة من الصور

وعلى الرغم من أن القضية الفلسطينية، برزت في التحضيرات للقمة على أنها قضية مركزية، إلا أن مقاربة الجزائر لها استعادت مزايدات شعاراتية قديمة، وسعت إلى توظيفها كغطاء سياسي من ذلك النوع الذي ظل سائدا في القرن الماضي.

الجزائر لم تطرح مشروعا واضح المعالم لتحقيق الغاية المعلنة من القمة لـ”لم الشمل”، خشية من أن يُعاب عليها تمسكها بعدم لم الشمل مع المغرب. كما أنها لم تطرح مشاريع تتعلق بالتوافقات المطلوبة في القضايا العربية الرئيسية الأخرى. وهو ما يشير إلى أن الجزائر تتعامل مع القمة العربية على أنها عبء، وتأمل في التخلص منه بأي صورة من الصور.

فمن ناحية، تعتبر الجزائر أنه من غير اللائق بمكانتها العربية أن تبدو عاجزة عن استضافة قمة، فتضطر إلى طلب إلغائها أو تأجيلها مرة ثالثة أو نقلها إلى بلد آخر. ومن ناحية أخرى، فإنها تبدو وكأنها تعيش في عالم آخر حيال اهتمامات ومشاغل الدول العربية.

هذا الواقع يشير إلى أن دعوة “رفع الحرج” التي وجهتها إلى المغرب، هي بمجملها دعوة “لرفع الحرج” عنها بتوجيهها إلى الدول العربية التي تنتظر استقبال مبعوثيها الخاصين، لتسألهم عما يفترض أن تحققه بالقمة.

فشل الجامعة أم السياسات؟

Thumbnail

بعض المعلقين الجزائريين، بدأ منذ الآن في مهاجمة سجل الجامعة العربية، باعتبارها مؤسسة فاشلة، وذلك على سبيل استباق النتائج المنتظرة.

أحد هؤلاء المعلقين، قال “إن من مصلحة الجزائر أن تعلن منذ وقت مبكر رفضها استضافة القمة العربية حفظا لماء وجهها حتى لا يدنس ترابها قادة ضعفاء أسهموا في تخلف بلدانهم”.

وكان من بين المفارقات أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حدد خلال مشاركته في اجتماعات مجلس الجامعة العربية، إستراتيجية أكثر وضوحا، عندما دعا إلى “قراءة موضوعية لواقع العالم العربي، المشحون بشتى الخلافات والنزاعات البينية، والمخططات الخارجية والداخلية الهادفة إلى التقسيم ودعم نزعات الانفصال وإشعال الصراعات الحدودية والعرقية والطائفية والقبلية، واستنزاف المنطقة وتبديد ثرواتها”.

قمة “رفع الحرج” سوف تعقد في النهاية، بمن حضر، ليس لأجل أن تحقق أي هدف مشترك، لم يتم تحديده بعد، ولكن لرفع الحرج عن كاهل مستضيف لا هو قادر على إلغائها، ولا هو قادر على أن يحقق بها “لم الشمل” الذي يعجز هو نفسه عن تحقيقه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: