المغرب يجدد رفضه لأي «إقحام» للاتحاد الافريقي في تسوية نزاع الصحراء ويتمسك بالأمم المتحدة

يوسف الفرج

أكد المغرب أنه كان دائماً مستجيباً للزيارات التي طلبت القيام بها آليات الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وأوضح أن رده على جميع البلاغات المتعلقة بمزاعم عن انتهاكات حقوقية يكون على الدوام سريعاً وتلقائياً وأكثر انفتاحاً. وقال إنه “في حال وجود مزاعم عن انتهاكات لحقوق الإنسان، يمكن تفعيل هذه الآليات التابعة للأمم المتحدة وبإمكانها أن تعمل بما يتفق مع التزامات المغرب على الصعيد الدولي”.
جاء ذلك في وثيقة للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان في المغرب  تحمل عنوان “تقرير أساس حول حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية”.
الوثيقة التي تقع في 200 صفحة تسلط الضوء على عمل المؤسسات العاملة في المجال الحقوقي في الأقاليم الصحراوية، مشيرة إلى وجود ثلاث لجان جهوية تابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تقوم بأدوار هامة لحماية الحقوق والنهوض بها، من خلال الحماية والرصد والمواكبة، وتلقي الشكايات، ورصد المظاهرات وزيارة السجون والمراكز الطبية وتنظيم أنشطة بناء القدرات لجهات مختلفة من أصحاب المصلحة، بالإضافة إلى مواصلة رصد تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة فيما يتعلق بالضحايا السابقين لانتهاكات حقوق الإنسان. كما يوجد في الصحراء فرع لـ”ديوان المظالم”.
ووفق المصدر نفسه، فإن “الدولة المغربية من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة قد أفصحت عن إرادتها بخصوص الضحايا إثر الاشتباكات المسلحة في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. وبالمقابل، تبقى البوليساريو کجماعة غير دولتية مسلحة مدعومة ومحتضنة من طرف الجزائر، مسؤولة عن الإفصاح عما يخصها في شأن مصير الأشخاص المختفين في إطار النزاع الجاري”.
وذكر التقرير أن المغرب تحدوه الرغبة في مواصلة التعاون المثمر مع آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق المفاوضات السياسية تجري حصراً في إطار الأمم المتحدة، وذلك بعد الإخفاقات المتتالية لمنظمة الوحدة الأفريقية في تدبير شؤون هذا النزاع.
واعتبر أن الاتحاد الأفريقي بسعيه إلى إحياء مقترحات عفا عليها الزمن وخطط اعتبرتها الأمم المتحدة غير قابلة للتطبيق، يهدف جلياً إلى عرقلة المساعي التي تبذلها الأمم المتحدة بدعم كافة أطراف المجتمع الدولي، بما في ذلك البلدان الأفريقية، ومن ثم فإن “أي محاولة تسعى إلى إشراك الاتحاد الأفريقي في هذه المسألة أو إلى إسناد أي دور له أو إتاحة أي حيز له للتفاعل كيفما كان ستكون لها آثار وخيمة على مساعي الأمم المتحدة المبذولة بشأن الصحراء”، وفق المصدر نفسه.
وينظر مجلس الأمن في النزاع الإقليمي على الصحراء بمقتضى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
وتولي الأمم المتحدة النظر حصرياً في قضية الصحراء بعد فشل منظمة الوحدة الأفريقية في تدبير هذه القضية. كما أن إجراء عملية المفاوضات الساعية إلى التوصل إلى تسوية سياسية لقضية الصحراء المغربية، تقبل على نحو متبادل، تحت سلطة مجلس الأمن حصرياً، ورعاية الأمين العام وبتیسیر من مبعوثه الشخصي.
وأكدت الوثيقة الالتزام الراسخ للمملكة المغربية بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي في جميع المسائل، باستثناء قضية الصحراء، والدافع إلى ذلك ـ كما تقول ـ “هو تبني الاتحاد الأفريقي منذ سنين موقفاً صريحاً لصالح الأطراف الأخرى، مما جعله يحيد عن شرط التزام الحياد في هذه القضية”.
من جهة أخرى، يلفت التقرير الانتباه إلى النسبة العالية لمشاركة سكان الصحراء في انتخابات سنة 2021 والتي بلغت 66.94 في المئة في جهة العيون – الساقية الحمراء، و58.30 في المئة في جهة الداخلة – وادي الذهب.
ولاحظ التقرير أن الأقاليم الجنوبية شكلت نموذجاً خاصاً على مستوى المشاركة السياسية، بما يبرز الاهتمام الكبير والكثيف للسكان بالعمليات الانتخابية الوطنية والجهوية والمحلية، حيث مثلت مشاركة الساكنة في الاستحقاقات الانتخابية في مختلف المحطات وعلى مدار ما يزيد عن 8 استحقاقات انتخابية رئيسية، نسبة مرتفعة، ميّزت المشهد السياسي الوطني وطبعت خاصياته الانتخابية، من حيث كثافة المشاركة في الاستفتاءات المتعلقة بالدستور وفي الاستحقاقات الانتخابية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلسي البرلمان وأعضاء المجالس المحلية، بالإضافة إلى قدرة هذه المنطقة على إفراز نخب سياسية تمثيلية لأبناء الصحراء المغربية على صعيد المؤسسات الدستورية الوطنية المنتخبة، وعلى صعيد المجالس المحلية والجهوية والإقليمية والمحلية، فضلاً عن مشاركتها الوازنة على صعيد الأحزاب السياسية وأنشطتها السياسية.
ثم تطرق إلى مبادرة الحكم الذاتي التي يدافع عنها المغرب، من خلال تمكين سكان الصحراء من إدارة كافة الميادين وممارسة كافة السلطات الجهوية، عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. ويقدم هذا الاختيار حلاً عقلانياً لتقاسم السلطة وتنظيمها بين السلطات المركزية وسلطات الحكم الذاتي، وأساساً متيناً لتعزيز المشاركة السياسية للسكان وتمكينهم من مؤسسات خاصة بهم يسيرونها بكل حرية ومسؤولية على قاعدة التدبير الذاتي للشؤون العامة الجهوية. وبالنتيجة ستصبح الصحراء، كما قال العاهل المغربي “نموذجاً للجهوية الموسعة، بما تنطوي عليه من انتخاب ديمقراطي لهيئاتها ومن تحويل واسع للسلطات والإمكانات من المركز إلى الجهات، وكذلك من آليات التضامن الجهوي والوطني والتأهيل الاجتماعي والتنمية البشرية”.
وأوضحت الوثيقة أنه في ضوء ذلك ستتمتع جهة الحكم الذاتي، ووفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، من ممارسة اختصاصات تنفيذية وتشريعية وقضائية، عبر مؤسسات جهوية تتكون من برلمان جهوي وحكومة جهوية ومحكمة عليا ومحاكم جهوية ومجلس اقتصادي واجتماعي جهوي، وتشمل هذه الاختصاصات الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة.
بعد ذلك تناول التقرير جهود المغرب في نزع الألغام المتولدة عن فترة المواجهة العسكرية بين قواته وجبهة البوليساريو منذ منتصف الثمانينيات حتى اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين عام 1991، حيث أشار إلى أن المملكة تمكنت من مراكمة الجهود المعترف بها دولياً، رغم التعقيدات المرتبطة باستمرار النزاع حول الصحراء، وارتفاع درجة التحديات الناجمة عن إشكالية الاستقرار بالساحل والصحراء، وتنامي خطر الجريمة المنظمة العابرة للقارات وتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة، المستفيدة من وضعية الهشاشة والتفكك التي تعرفها بعض الدول في الجوار الإقليمي، وما يرافق كل ذلك من تدفق مقلق المختلف أنواع الأسلحة الفتاكة.
واعتبر المغرب أن مواصلة نزع الألغام في مناخ كهذا، تعبير قوي على التوجهات الكبرى الرامية إلى استتباب السلم واحترام حقوق الإنسان.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: