الانتخابات الأميركية: ماذا تعني للشرق الأوسط؟

الانتخابات الأميركية التي جرت في وضع داخلي وعالمي مليء بالتحديات الاقتصادية والأمنية والصحية اكتسبت أهمية خاصة، بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قلب الموازين بسياساته المتجاهلة لحلفاء أميركا التقليديين في أوروبا، خاصة ألمانيا وفرنسا وكندا، وغيرها، مع العلم أن إخلاصه لإسرائيل تجاوز إخلاص أي رئيس أميركي، على الأقل منذ أن مرر الكونغرس قانون “سفارة القدس” عام 1995 (طالب فيه الحكومة الفدرالية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في عهد الرئيس بيل كلينتون الديمقراطي وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس بشقيه)، لتصبح الانتخابات مشوقة بشكل خاص. فنسبة الذين يتمنون خسارة ترامب قد تكون أكثر بكثير من الذين يتمنون فوزه، وهذا يشمل الصين وأوروبا وإيران وتركيا وغيرها.

رغم سياسات ترامب التي توصف بالعدائية نحو المهاجرين وسياسة منع السفر من عدة دول إسلامية إلى أميركا لم يسبق لدول عربية وإسلامية أن هرولت إلى طلب الرضا من ترامب والتطبيع مع إسرائيل كما حصل في السنوات الأربع السابقة، وتوجت بمد لم يسبق له مثيل منذ أوسلو من شرعنة علاقات كانت تدور بالسر لسنوات مع إسرائيل في الأشهر القليلة الماضية. وأحد الأسباب المهمة في ذلك هو إيران وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة الذي بدأ بعد احتلال العراق وتدميره وتوَّجَهُ الرئيس السابق باراك أوباما بالتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران.

ترامب أتى ليعقد الصفقات وهو لا يهمه عدو أو حليف وإن انتخب لا أستبعد عودة علاقات قوية مع الصين والتي توترت بسبب الوباء وإيجاد صيغة ما مع الإيرانيين فإيران قوة كبيرة لا يجب الاستهانة بها

كان من المفروض أن يطمئن الاتفاق خصوم إيران في المنطقة إلى أن إيران لن تطور سلاحا نوويا لكن بالنسبة لإسرائيل والسعودية والعديد من دول الخليج إيران تريد الاستفادة من كسر عزلتها الاقتصادية والسياسية وتحسين وضعها الداخلي المتآكل ولكنها أبدأ لا تريد التخلي عن مشروعها النووي وفي النهاية هي ماضية لأن تصبح قوة نووية. إن تحالف قوى إقليمية وعلى رأسها إسرائيل بدعم من أميركا يخلق حلفا وسدا في وجه الطموح التوسعي الإيراني في المنطقة وهو الرد الذي يسعى إليه خصوم إيران. وإسرائيل لا تخشى إيران ولكنها تستغل خوف العرب من إيران لتصفية القضية الفلسطينية وتفرقة العرب أكثر مما هم متفرقون وفتح الأقفال الاقتصادية الهائلة مع دول الخليج وأفريقيا.

كان إلغاء الاتفاق النووي مع إيران هو أحد أهم المواضيع التي ركز عليها ترامب في حملته السابقة 2016 وكان موضوع نقل السفارة الأميركية هو الموضوع الثاني وقد صدق ترامب في وعوده لناخبيه في المسألتين. فماذا سيتغير في حالة فوز جو بايدن نحو هاتين المسألتين؟ لا شيء. جو بايدن حليف قديم لإسرائيل والسفارة لن تعود إلى تل أبيب. لا يأمل الإيرانيون كثيرا من بايدن فهو لن يعود إلى الاتفاق الأساسي الذي عقده أوباما والاتحاد الأوروبي وقد يسعى إلى اتفاق معدل الأمر الذي رفضته إيران بشدة وقد ترغم على قبوله لإنقاذ الوضع الاقتصادي وإلا سيكون هنالك تصعيد خطير في المنطقة خاصة وأن الانتخابات الإيرانية في 17 يونيو القادم قد تأتي برئيس محافظ أكثر تشددا.

والسياسة الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص ليست من أولويات أي من الطرفين. وقد تركزت المناظرتان الأميركيتان الأولى والثالثة (الثانية ألغيت بسبب إصابة ترامب بكورونا) حول عدة مواضيع رئيسية، الشرق الأوسط والتواجد العسكري الأميركي فيه ليس من ضمنها: وباء كورونا، النظام الصحي، التوتر العرقي، الهجرة، وأمن الانتخابات (اتهامات متبادلة بين ترامب وبايدن حول التدخل الروسي والصيني ومؤخرا الإيراني في الانتخابات).

حتى الآن يبدو أن كلا من ترامب وبايدن في موقف واحد يسعى إلى الحد من التدخل العسكري الأميركي الخارجي. وقد يكون اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في ديسمبر الماضي هو عملية نادرة لترامب الذي ركز أكثر على عقد صفقات مالية تجارية مع دول خليجية وغيرها وهي مسألة تناسب ترامب رجل الأعمال تماما الذي ذكر في إحدى جولاته الانتخابية مؤخرا أنه يُنتقد لأنه ليس رجلا سياسيا وهذا صحيح فهو انتخب لأنه رجل أعمال ولأن الناس سئمت رجال السياسة وأنه لو كان سياسيا لربما لم يتم انتخابه وترامب محق تماما في هذا مع أن الوضع من أربع سنوات ليس هو كما الوضع اليوم وليس بالضرورة أن يتم انتخابه مجددا هذه المرة.

ازداد الضعف الأميركي بقيادة أوباما الذي لم يفشل فشلا ذريعا فقط في سياسته الخارجية نحو سوريا والمنطقة بل وكانت سياسته سببا رئيسيا في تفاقم ويلاتها. فإذا كان جورج بوش أحد الأسباب الرئيسية في احتلال وتدمير العراق فإن أوباما حامل جائزة نوبل للسلام والذي هلل له العرب كان عاملا رئيسيا في دمار الشرق الأوسط بكامله وتحويله مع حلفائه في المنطقة إلى بؤر ظلام تكفيرية حين انسحب من العراق دون أن يلتفت إلى الوراء تاركا فراغا أمنيا خطيرا خلق داعش وأعطى لإيران الحبل على غاربه لتفعل ما تشاء.

نجح ترامب في تركيع عدد كبير من الدول العربية تمنت رضاه وتمنت إعادة انتخابه. والدول الخليجية التي فرضت الحصار على قطر. وقطر نفسها تبارت في الحصول على دعم ترامب والتأكيد أنه في صفها ضد الآخر. ومن المستفيد في كل هذا الوضع: إسرائيل، إيران، أردوغان الذي يستغل ضعف العرب والمسلمين ليفرض وصاية وخلافة عليهم وهو المستمر بعلاقاته الدبلوماسية والأمنية مع إسرائيل، الروس، الدكتاتوريات العربية القديمة والجديدة التي جاءت بعد “الربيع العربي”.

لقد نجح بوتين منذ توليه أول سلطة حقيقية في روسيا، كرئيس وزراء تحت سلطة الرئيس بوريس يلتسين 1999، بالذي أراده معظم الروس بعد الانهيار السريع وغير المتوقع للاتحاد السوفييتي بإعادة روسيا إلى مركز المسرح العالمي كقوة عظمى قادرة على التصدي والتحدي للهيمنة الأميركية التي تجلت كقوة وحيدة بعد سقوط القطب السوفييتي وأعطت المسرح للأميركان لأن يصولوا ويجولوا في العالم دون رقيب.

حين قررت أميركا غزو العراق تجاهلت معارضة الأمم المتحدة وشريكتيها ألمانيا وفرنسا في الناتو وضربت عرض الحائط كل من عارضها. ولكن أميركا بعد سيطرة بوتين على روسيا لم تعد قادرة على شيء شبيه والقضية السورية أكبر مثال على أن ما كانت أميركا تستطيع فعله في السابق لم تعد تستطيع فعله اليوم بعد عودة روسيا كقوة عظمى فاعلة في السياسة العالمية لتفرض رؤى ومشاريع مضادة لأميركا.

رغم سياسات ترامب التي توصف بالعدائية نحو المهاجرين وسياسة منع السفر من عدة دول إسلامية إلى أميركا لم يسبق لدول عربية وإسلامية أن هرولت إلى طلب الرضا من ترامب والتطبيع مع إسرائيل كما حصل في السنوات الأربع السابقة

ترامب استطاع العودة بقوة إلى الشرق الأوسط بفرض معادلات على الحلفاء والأعداء معا. لقد أتى ليعقد الصفقات وهو لا يهمه عدو أو حليف وإن انتخب لا أستبعد عودة علاقات قوية مع الصين والتي توترت بسبب الوباء وإيجاد صيغة ما مع الإيرانيين فإيران قوة كبيرة لا يجب الاستهانة بها.

في نفس الوقت يجب ألا يغرق العرب الكارهون لأميركا أو ترامب في وهم أن بايدن سيصبح حليفهم ولا إلى أن بوتين هو المدافع عن قضايا العرب وأردوغان عن قضايا الإسلام. وبالنهاية الشرق الأوسط هو ضحية الصراعات بين قوى دولية وإقليمية بسبب الضعف العربي الكبير. فرغم جميع التدخلات التاريخية في المنطقة وإقامة إسرائيل من الخطأ وضع اللوم على الاستعمار وعلى إسرائيل فقط رغم أدوارهما وتجاهل العامل الأهم في المعادلات العربية وهو العرب أنفسهم.

إننا شعوب تعاني من الجهل وتعاني من الانجرار وراء الأجنبي وتعاني من التطرف والرجعية وقمع الحريات. إذا بقيت الأمور على هذا الحال لن تقع تصفية القضية الفلسطينية فقط بل كل القضايا العادلة لهذه المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: