علماء الدين …مفهوم يحتاج إلى تحرير

يسود اعتقاد بين أفراد الجالية بأن الدين عِلم يجب اكتسابه، وهو اعتقاد خطير جداً، ومن أسباب ترسيخ الجهل وخلق التطرف. وسأحاول توضيح هذا الأمر من خلال النقاط التالية:

1- الدين ليس علماً من العلوم

إذا كان الدين عِلماً كالهندسة مثلاً، فهذا يعني أن ليس من حق أي شخص أن يمارسه إذا لم يتوفر على “دبلوم الدين”، كالمهندس والأستاذ و الصحفي والصيدلي. وبهذا المنطق أيضا عندما يكون الفرد في حاجة إلى “الدين” يصبح مرغما على الاستعانة بـ”الأخصائي في الدين” ليقوم بقضاء حاجياته، مثلما نستعين بالمحامي والأستاذ والممرض عند الحاجة. ومن هنا نستنتج ألا لوم على من ليس له “دبلوم الدين”، ولا يجب أن يحاسبه الله؛ لأنه يجهل هذا العلم! هكذا تنطبق علينا صورة “أننا كلنا أغنام والأخصائيون في الدين رُعاتنا”؛ وهذا هو الخطأ الذي ارتكبته جل الديانات استنادا إلى هذه القولة الشائعة في المجتمع: “باشْ تْفْهم الدين خاصْكْ تْكونْ قاري عْليهْ وْعارْفْ التاريخ دْيالو وْحافْظ الكِتاب وكل الأحاديث، ودارسْ كتب الشيوخ والعلماء”.

هذه السيطرة على الدين أدت إلى ابتعاد المواطنين عنه وعن معناه الحقيقي. ونحن نؤدي الآن الثمن عندما نُلقي نظرة على شوارعنا وعلى الحياة اليومية لمجتمعنا.. إذا كان الدين يفوق القدرات العقلية للأغلبية، فلماذا وجه إذاً إلى كافة الخلق؟

هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا اعتبرنا الدين علماً فماذا ابتكر من ابتكارات للإنسانية منذ وجوده؟ لا شيء! عفواً لقد ابتكر المتخصصون فيه الجدال والاختلاف والتفرقة إلى مئات الفرق التي تنتهي بالقتال وسفك الدماء. وأضيف أن العِلم الذي لا يبتكر شيئاً يعتبر مجرد كلام فارغ، يبدأ بالأقوال وينتهي بالأقوال! هل هذا عِلمٌ؟ هل هذا هو هدف الدين؟.

2- التطرف والجهل نتيجة لاعتبار الدين “عِلما”

في تاريخنا المجتمعي والثقافي، يُعتبر الفرد “عالِماً” في الدين إذا تمكن من حفظ الكتاب السماوي والأحاديث النبوية؛ وهذه الفرصة لم تكن متاحة في الماضي للكل وبديمقراطيةٍ، إذ لم تكن هناك مدارس تعليمية، وكانت الأغلبية الساحقة أمية، وهذا كان سبب اعتبار الحافظين للكتاب “علماء”، فخولت لهم السلطة في الدين، وكانوا يقودون العباد كالماشية. وبعد ظهور المدرسة الحديثة أحس هؤلاء “العلماء” بالخطر، فطفقوا يقللون من شأنها، ويعتبرون التعلم الآتي من الغرب ضد الدين، وهدفه تدمير العقيدة والمجتمع.

وفي السنوات الأخيرة، وبحكم عدم إجبار كل الأطفال على التمدرس، لاحظ الأميون جهلهم، فلجؤوا مثلما وقع في الماضي إلى الدين، وبعد حفظ مقاطع من الكتب السماوية اعتبروا أنفسهم “علماء” و”أئِمة”، وشرعوا في فرض “علمهم” على الآخرين، وأوقفوا قطار الحداثة والتقدم، ورجعوا بالمجتمع إلى الوراء، فارضين عليه وصفات غير مألوفة.

بهذا خُلق التطرف وإرهاب كل من خالف هؤلاء “الأخصائيين في الدين”، الذين برهنوا على علمهم بِـ”هذا حْرام وْهذا بِدعة، وهذا حلال، وهَكَّ خَصّْكْ تْمشي وتْلْبس وْتَكُل وْتْصليّ وتّْوْضَّ، وْ َكَّ خَصّْ يْكُنْ العرس والجنازة، مثلا”. وأصبحت الماشية (ومنهم حتى المثقفين) تتبع رعاتها وكأنهم ابتكروا ديناً جديداً!

3- وظيفة ومعنى الدين

  • الدين هو حرية العقيدة وحداثة الفكر، ولا حاجة له لواسطة بين الفرد وخالقه، وهو أمر شخصي محض؛ فلا حق لأي أحد في التدخل في العلاقة بين المؤمن والإله.

  • الدين برنامج روحاني لرقي الإنسان في ممارسة الحياة اليومية، وهو في متناول الجميع، لأنه بُعث ملائما لقدرات العقل البشري.

  • الدين اقتناع شخصي وليس جماعيا، ويصل الفرد إلى الاعتقاد به بطريقته الخاصة في بحثه عن الحقيقة، وليس ميراثا عبر الأجيال.

  • الدين ليس هوية، بل أعمال تهدف إلى تطوير القدرات الروحانية وتحقيق ازدهار وأمان المجتمع.

  • الدين هو الآلية التي تطور الفضائل الإلهية، وتُدخل على الفرد السكينة والهناء، وتجعل منه مواطنا نافعا وصالحا في خدمة المجتمع الإنساني.

  • الدين نظام لحياة الفرد والعائلة والمجتمع.

  • الدين يهدف إلى تحقيق المدنية الإلهية.

  • الدين يُؤلف بين المرء وزوجه ويحقق الانسجام والتناغم، والحرص على حقوق كل فرد في الوسط العائلي.

  • الدين سب الألفة والمحبة والاتحاد بين البشر مهما كان اختلافهم الجنسي والعرقي والعقائدي.

  • الدين التسامح والتعايش والعدل بين كل الأجناس الإنسانية.

  • الدين سبب السلم والسلام، وإذا كان سبب النزاع وسفك الدماء فعدمه خير من وجوده.

  • الدين توأم العلم، وهما معا جناحا طائر الإنسانية، إذا لم يكونا متناغمين ومنسجمين فلن تعرف أبداً البشرية السلام. إذا كان الدين يمشي يدا في يد مع العلم فهذا الأخير لن يكتشف أو يبتكر ما هو مُدمرٌ لراحة البشرية.

  • الدين برنامج إلهي يتطور مع تطور الإنسانية، ولكل حقبة من الزمن برنامجها الملائم والخاص. ولكن يبقى هدف الدين راسخاً لا يتغير منذ بدء البشرية…هذا معنى الدين الحقيقي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: