الإعلام المغربي في زمن كورونا: بين «الهاكا» وإشكالية التكوين وأخلاقيات المهنة

في الوقت الذي دأبت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في المغرب «الهاكا» منذ بداية انتشار فيروس كورونا على رصد واقع المعالجة الإعلامية للإذاعات والتلفزات العمومية والخاصة، فإن إشكالية تكوين الصحافيين والإعلاميين في مجال تدبير الأزمات والكوارث، والالتزام بأخلاقيات المهنة تطرح بحدة في هذا الظرف الاستثنائي غير المسبوق.
سجلت «الهاكا» في تقريرها، الذي يغطي الفترة الممتدة ما بين 23 مارس و 30 يونيو 2020 وقدم «معطيات ومخرجات دالة» حول خصائص المعالجة والمواكبة الإعلامية التي رصدتها الإذاعات والقنوات التلفزيونية للأزمة الوبائية» بعض النقائص التي طبعت مجهود اليقظة والتعبئة الإعلامي الذي أفرد لهذه الأزمة» والتي «تستدعي المزيد من الجهد واليقظة، على الرغم مما لاحظه واضعو التقرير من قيام وسائل الإعلام السمعية البصرية من «تكييف برامجي استثنائي، ولجوء لافت للتفاعلية، واعتماد إعلام القرب، وتكامل بين الخدمة العمومية للإعلام والعرض السمعي البصري الخاص وانفتاح على الفضاء الرقمي».

التلفزيونية العمومية

واعتمد على رصد 24 إذاعة وقناة تلفزيونية عمومية وخاصة، وذلك استنادا على عتبة تتكون من 6048 ساعة بث علاوة على 60 حلقة من المجلات الإخبارية المتخصصة لمناقشة قضايا الشأن العام في الخدمات العمومية التلفزيونية العمومية ذات البرمجة العامة الأولى والقناة الثانية وتمازيغت.
وإن كان التقرير الذي يندرج ضمن عمليات الرصد الاستثنائية التي أطلقتها الهيئة منذ 17 مارس الماضي للمعالجة الإعلامية لأزمة كوفيد 19 من لدن متعهدي الاتصال السمعي البصري، قد ثمن عموما «التفاعل الإيجابي لسائر الخدمات الإذاعية والتلفزيونية العمومية والخاصة والمجهود النوعي والإضافي لهذه الخدمات» إلا أنه سجل «اهتماما غير كاف بمخاطر التعرض المفرط لوسائل الاعلام والطابع المثير للقلق بالنسبة للجمهور الناشئ، مع «ضعف التوازن بين مجهودي الإخبار والتحليل» للجائحة.
كما لاحظت «الهاكا» وجود «تفاوت» في خطاب الخبرة الصحية وخطاب الفعل السياسي والنقابي والجمعوي، مشيرا الى أن نصف المتدخلين من خارج الفعاليات السياسية والاجتماعية، حيث تم التعامل مع هؤلاء المتدخلين بناء على مسؤولياتهم الوظيفية والإدارية أو بناء على تخصصاتهم أو خبراتهم الأكاديمية.

القدرات المادية والكفاءات المهنية للإعلام

وبخصوص مقاربة النوع الاجتماعي في وسائل الإعلام، وصفت «الهاكا» في تقريرها المعالجة والمواكبة الإعلامية المرصودة للأزمة الوبائية، بأنها «كانت غير منصفة» بالنسبة لتمثيلية النساء، والتي لم تتجاوز عتبة 13 في المئة. إلا أن تجربة «التعبئة الإعلامية» في مواكبة الأزمة الوبائية «خلقت فرصا وأنتجت ممارسات يتعين استثمارها وتطويرها للمساهمة ليس فقط في رفع تحديات المراحل المقبلة في تدبير الجائحة، وإنما أيضا في تقوية الدور الفريد للإعلام في تدبير كل الأزمات».
وهو ما يستوجب تنمية القدرات المادية والكفاءات المهنية للإعلام العمومي والخاص، حتى يسهم على الوجه الأكمل، في تعزيز الثقة في الفعل العمومي عبر تحقيق تفاعل خلاق ومستدام بين المرتفقين وجميع دوائر تدبير الشأن العام كشرط لضمان مساهمة المواطن في إبداع الحلول، حسب تقريرالهاكا.
بيد أن إشكالية التعامل الإعلامي مع الوضعيات الطارئة تطرح تساؤلات مرتبطة في كيفية وطريقة الحصول على المعلومات والمعطيات ومعالجتها تحريرا وتقديمها للجمهور أخبارا وتحسيسا وتثقيفها بل وترفيها أيضا، وهو ما انتبه اليه معدو التقرير حينما سجلوا في مقدمته تعامل وسائل الإعلام مع هكذا وضع « تنطوي على تحديات مهنية، كثيرة وحاملة لرهانات مجتمعية كبيرة من أهمها ضمان حق المواطن في الخبر في ظل القرارات والإجراءات الطارئة، التي يتم إقرارها، مع الحرص على التقيد بأخلاقيات وضوابط الممارسة المهنية.
ومن جديد، أبانت جائحة كوفيد19 الأهمية الخاصة التي يمكن أن يضطلع بها الإعلام المهني خاصة في أوقات الأزمات، عبر تمكين الجمهور من مواكبة دقيقة لوضعية وتداعيات الكوارث الطبيعية والأزمات في مختلف تجلياتها. كما أعادت تداعيات هذا الفيروس القاتل الاعتبار، ليس فقط لوظائف الصحافة في الأخبار والتثقيف والترفيه، ولكن للإعلام التقليدي (الصحافة المكتوبة والراديو والتلفزيون)، الذي على ما يبدو قد تمكن من استعادة زمام المبادرة إلى حد ما وحقق ما يشبه التصالح المرحلي مع الجمهور، على الرغم من المنافسة الشرسة لوسائط التواصل الاجتماعي.
كما أفرز وباء كورونا، وقائع جديدة وتأكدت معه حقائق ظلت مغيبة الى حين، في مقدمتها الدور الحاسم للخدمة العمومية ليس في قطاعات الصحة والتربية والتعليم وحفظ الأمن فحسب، وإنما للإعلام المهني الذي يعتمد على نشر المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة بكفاءة ومهنية أطقمه الصحافية والتقنية.
وعلى الرغم من هذا التطور الملحوظ في الأداء المهني، فإن مجهودات أخرى ما زالت مطلوبة مستقبلا، ليس فقط من لدن الطواقم الصحافية والتقنية، ولكن من لدن كافة المؤسسات والفعاليات المتدخلة في تدبير الشأن الإعلامي الوطني، تكريسا لـ»إعلام الحقيقة وتوخي اليقظة الإعلامية.
ففي هكذا وضعيات طارئة، والتي تتميز بخصوصيتها الدالة وأبعادها المركبة وتأثيراتها المعقدة، وهو ما يجعل من تعامل وسائل الإعلام مع هذه الوضعيات عملية منطوية على تحديات مهنية كثيرة وحاملة لرهانات مجتمعية كبيرة، من أهمها ضمان حق المواطن في الخبر في ظل القرارات والإجراءات الطارئة، التي يتم إقرارها في ومن كورونا مع الحرص على التقيد بأخلاقيات وضوابط الممارسة المهنية، كما جاء في التقرير الذي صادق عليه المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري خلال اجتماعه في 28 يوليو/تموز 2020.
بيد أنه لا ينبغي أن يغرب عن البال تأثير السياقات والتحولات العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية المرتبطة بانتشار الجائحة، فضلا عن التغيير العميق الذي أحدثته الشبكة العنكبوتية، الإنترنيت على معالم وسائل الاعلام التقليدية، أدى إلى ظهور فاعلين جدد في بلورة انتشار المعلومة الإخبارية، «تخلخلت معه الممارسات المهنية للصحافيين أنفسهم، وغيرت الطريقة التي يجرى بها إخبار الجمهور، فكانت سببا في إعادة توزيع الأدوار بين المنتجين والمستهلكين لمواد وسائل الإعلام في تغيير تدريجي لاعتماد المعلومة، التي لم تعد فقط في متناول الصحافيين، بل إنها أضحت أيضا في متناول الجمهور، كما رصد ذلك عالم الاجتماع الفرنسي رامي رافايل في مؤلفه «الثورة الرقمية ثورة ثقافية».

الأزمات السياسية والاقتصادية

وإذا كانت البلدان المتقدمة، عملت منذ وقت طويل على إحداث تخصصات إعلامية مهنية ومختبرات علمية في مجال تدبير الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والوبائية، فإنه قد آن الأوان، أن تبادر مؤسسات ومعاهد التكوين في مجال الصحافة والإعلام والاتصال في المغرب، لإدراج هذه التخصصات في برامجها الدراسية النظامية وأنشطتها البحثية، لملء النقص المهول الحاصل في هذا الميدان وتشجيع البحث العلمي، مع إطلاق نقاش واسع لإحداث منظومات تواصلية مؤسساتية موازية مع شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري.
وفي إطار مهامه في مجال التحسيس والتوعية بضرورة احترام أخلاقيات المهنة، أصدر المجلس الوطني للصحافة بدوره تقريرا رصد فيه الأداء الصحافي لوسائل الإعلام سجل فيه بالخصوص «العمل المهني الإيجابي» الذي تقوم به الصحافة والإعلام إزاء جائحة كورنا، وذلك على الرغم من «الخروقات التي تبقى على العموم معزولة واستثناء» معتبرا أن الالتزام بأخلاقيات المهنة يكتسي أهمية قصوى خلال الكوارث والأزمات، خاصة مع ما يمكن تسجيله من انتشار كبير للشائعات والأخبار الكاذبة أو المضللة في مثل هذه الأزمات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: