خطة إنقاذ عاجلة للصحافة المطبوعة في المغرب

تمرّ الصحافة المكتوبة المغربية بأزمة خانقة جراء توقف الإعلانات وتراجع مداخيلها بشكل لافت، منذ قرار وقف طباعة وتوزيع الصحف لمواجهة انتشار فايروس كورونا، ومع تخفيف الإجراءات بادرت الحكومة لدعم القطاع بخطة عاجلة، يجب أن تقابله الؤسسات الصحافية بتحسين المحتوى لجذب القراء.

أعلن وزير الثقافة والشباب والرياضة عثمان الفردوس الجمعة، عن خطة لإنقاذ قطاع الصحافة الورقية بدعم مالي يتجاوز 20 مليون دولار، يضاف إلى الدعم الاعتيادي في وقت تترنح فيه الصحافة الورقية لأسباب متعددة وبشكل خاص بعد توقف الصحف عن الصدور لثلاثة أشهر بسبب الجائحة.

وقال الفردوس الجمعة أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال، إن لقاء جمعه مع مهنيي الصحافة المكتوبة، تبين له من خلاله بأن الدعم التقليدي غير كاف، ويجب الذهاب إلى شيء أكثر استثنائية في هذا الموضوع.

وأوضح أن وزارته اشتغلت على مخطط عاجل لإنقاذ قطاع الصحافة المكتوبة، يبدأ بتخصيص 7.5 مليون دولار، لتتكفل الدولة بكتلة الأجور في المؤسسات الصحافية ثلاثة أشهر، يوليو وأغسطس وسبتمبر، مضيفا أن أكثر من 130 مؤسسة صحافية تقدمت بطلب الدعم التقليدي، وتبين من خلال دراسة ملفاتها أن الكثير منها يعاني من ظروف صعبة.

ورأى الصحافي بأسبوعية “الأيام” محمد كريم بوخصاص، أن الإجراءات التي أعلنها وزير الثقافة والاتصال محاولة للإنقاذ وستساهم في ضمان البقاء لأشهر إضافية، كونها ستخفف أعباء الصحف في انتظار عودة الحياة إلى طبيعتها بعد رفع الحجر الصحي.

وأضاف بوخصاص في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، “أن الصحف ستعود للطباعة دون هواجس كبيرة بعد فتح المقاهي التي تعتبر الزبون الأول للصحف (خاصة اليومية) بنحو 60 في المئة من مبيعاتها”.

وترى الصحافية المختصة في تحليل المحتوى الإعلامي شامة درشول، أن “الخطة العاجلة هي مبادرة دولة تحاول ما أمكن أن تنقذ ما يمكن إنقاذه في صحافة عصفت بها رياح ما يسمى بالربيع العربي، حيث تحول فيسبوك ويوتيوب وغيره إلى منصات بديلة للقارئ المغربي”.

ولفتت في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، إلى أن “هذه الخطة لا يجب أن ينظر إليها على أنها العصا السحرية التي ستنقذ الصحافة المكتوبة، وإنما أوكسجين لبعث الروح في القطاع”.

وسيخصص دعما قدره 15 مليون درهم (1.5 مليون دولار) لدعم المطابع التي تطبع 500 ألف نسخة، إضافة إلى دعم لشركة التوزيع “سابريس” وتكفلت وزارة المالية في دعم إعادة رسملة الشركة، واعتبر وزير الثقافة أن دعم قطاع الصحافة المكتوبة يدخل في إطار تقوية المؤسسات الديمقراطية في البلاد، كاشفا النقاب عن مخطط هيكلي سيجري الأعداد له مستقبلا، ويتجلى في مقترحات لعصرنة المؤسسات الصحافية، ومقترحات تتعلق بالتدريب ومقترحات لمشاريع استثمارية لهذه المؤسسات.

شامة درشول: الخطة ليست عصا سحرية وإنما أوكسجين لبعث الروح في القطاع

ودعا البرلمانيون الجمعة إلى توسيع هامش حرية العمل الصحافي وتقبل نقد الإعلام، بالإضافة إلى ضرورة الحماية الاجتماعية لأوضاع العاملين بالقطاع، والعمل على تحسينها وتجويدها حتى يتسنى لهم العمل في ظروف إيجابية.

ويقول الصحافي بوخصاص إن المطلوب اليوم خلق نموذج جديد للمؤسسات الصحافية بعيدا عن النموذج السابق الذي أثبت هشاشته دون التفريط في الاستقلالية التي تعتبر رأسمال الصحافة الذي لا يبلى، كما يجب الحفاظ على منسوب الحرية ومحاربة كل أشكال الممارسة غير المهنية، لأن جودة الممارسة هو الكفيل باضطلاع الصحافة بأدوارها كاملة في المجتمع.

وتفاعل وزير الثقافة والشباب والرياضة مع رؤية البرلمانيين، مشددا على ضرورة إعطاء أهمية للنموذج الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية، وأشار إلى أن هذا الإشكال أصبح اليوم من المواضيع التي تطرح بإلحاح شديد لارتباطه ببقاء واستمرارية المؤسسة الصحافية.

وتمرّ الصحافة المكتوبة المغربية بأزمة خانقة جراء توقف الإعلانات وتراجع مداخيلها بشكل لافت، منذ قرار وقف طباعة وتوزيع الصحف لمواجهة انتشار فايروس كورونا الجديد في 22 مارس الماضي، والذي كان من نتائجه توقف الإعلان بشكل شبه كلي رغم استمرار الصحف في الصدور بي.دي.أف.

وفي الإطار ذاته طالب برلمانيون بضرورة استثمار الحكومة في دعم المقاولة الصحافية، معتبرين ذلك مدخلا أساسيا لمحاربة الأخبار الزائفة وتقوية الصحف والجرائد الإلكترونية المهنية، ومواكبتها لتجاوز الأزمة المالية التي تعيشها جراء تداعيات جائحة كورونا التي عصفت بعائدات الإشهار بسبب توقف الأنشطة الاقتصادية في البلاد.

ورصدت شامة درشول أن قطاع الصحافة والإعلام في المغرب بات يعاني من أزمات مالية لا تهدد فقط تطوره بل استمراريته أيضا.

وقالت، لا يمكننا الانسياق وراء ضعف المقروئية وجماهيرية الشبكات الاجتماعية لنحكم على قطاع الإعلام التقليدي أو الهيكل المهني بالزوال، والسماح بتدفق الإعلانات على عدد من صناع المحتوى بدعوى أنهم يحققون انتشارا للمنتج أكثر من الصحافي، وأوضحت أنها مقاربة مدمرة لقطاع الصحافة في المغرب وللمجتمع نفسه.

وتجادل شامة درشول في حديثها لـ”أخبارنا الجالية ”، بأنه حتى لو تراجعت مقروئية الصحافة المكتوبة، ومع أن هذا قول غير صحيح، إلا أنها تظل الجندي الذي يخدم الوطن ولا مبرر لقتل الصحافة المكتوبة بدعوى أن الصحافة الرقمية هي الأهم.

وحسب دراسة أعدتها “أمبيريوم ميديا” حول وقع الأزمة على مختلف وسائل الإعلام، فإن “الإشهار (الإعلان) على التلفزيون وعلى الدعامات الإلكترونية شهد ارتفاعا بنسبة 6 في المئة و4 في المئة على التوالي، بينما انخفضت حصة الدعامات الإعلامية الأخرى بشكل ملفت، خاصة بالنسبة للصحافة الورقية التي كانت مضطرة للتوقف عن الطبع والتحول إلى صيغة إلكترونية بديلة”.

وأجمع مهنيون على أن الوضعية الحالية لقطاع الصحافة في المغرب متأزمة خصوصا مع تدني المداخيل له والزيادة في المصاريف، مصرين على ضرورة دعم المؤسسات الصحافية بكل الوسائل القانونية الممكنة.

وإحصائيا وصلت نسبة الانخفاض في الصحافة الورقية إلى ناقص 62 في المئة، وبذلك لم تتجاوز حصتها 11 في المئة من ميزانية الإشهار التي قدرت بـ1.4 مليار درهم خلال هذه الفترة (مقابل 1.38 مليار خلال الفترة نفسها من سنة 2019)، في حين كانت حصة الإذاعة ناقص 38 في المئة، واللوحات الإشهارية ناقص 32 في المئة”.

ويذهب بوخصاص في تحليله لواقع الصحافة الورقية (المكتوبة) إلى أنها تعيش أسوأ مراحلها، تجلى ذلك في عجز جل المؤسسات الصحافية المعنية عن أداء التزاماتها ومعاناتها من وضعية مالية صعبة، وذلك لأسباب مرتبطة أساسا بضعف المقروئية وانخفاض إيرادات الإعلانات، خاصة بعد أن باتت الكثير من العلامات تفضل خيار مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: