السلاوي مُحارب «كورونا»… ماضٍ يساري وجنسية متنازع حولها!

منصف السلاوي ملأ الدنيا وشغل الناس، بعدما صار اسمه مرتبطا بالإشراف على عملية تطوير اللقاحات ضد فيروس «كورونا» في الولايات المتحدة الأمريكية. وتابع العالَم عبر القنوات التلفزيونية مشهد احتفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا العالِم الذي يُعوَّل عليه من أجل المساهمة في إنقاذ البشرية من شرّ ذلك الفيروس الفتاك.
وبينما يسابق السلاوي وفريقه الزمن لتحقيق البُشرى، تغمر العرب عموما والمغاربة خصوصا حالة فخر، لكون الرجل ينتمي إليهم، حتى وإن كان يحمل الجنسية الأمريكية، وهو ما يؤكد من جديد على قيمة العقول والكفاءات العربية المهاجرة وإسهاماتها في خدمة الإنسانية.
بيد أن اللافت للانتباه هو إصرار بعض وسائل الإعلام الخليجية تحديدا على تعمّد تجاهل أن منصف السلاوي «مغربي»، حيث تقدّمه على أنه «عربي» فقط؛ وهو ما يؤكد استمرارها في حربها الباردة ضد المغرب، مُصرِّة على إقحام الاعتبارات السياسية في العمل الإعلامي الذي يُفترض أن يتسم بأقدر أكبر ممكن من الحياد والموضوعية والتوازن.
وعلى سبيل المفارقة، فإن تلك المنابر الإعلامية تصرّ على ذكر اسم المغرب والمغاربة حين يتعلق الأمر ببعض الظواهر أو الممارسات السلبية التي توجد في مختلف بلدان العالم تقريبًا، ولكنها تتجاهل الانتماء المغربي للمتفوقين في مجالات الطب والعلم وغيرها، وتكتفي بصفة «عربي».
لكن قنوات عربية أخرى أعطت منصف السلاوي قدره الذي يستحقه، فسلطت الضوء على مساره العلمي الحافل، وأبرز بعضها أنه ما كان لدونالد ترامب أن ينصف «منصف» لولا اقتناعه بأن لا بديل عنه، ولا يمكن الاستغناء عنه، خاصة وأن الرئيس المذكور ـ كما قال الإعلامي معتز مطر ـ معروف بعدائه للعرب، ولا يشجع سوى الدكتاتوريين الذين يقمعون شعوبهم.
الطريف في الأمر أن عددا من المدوّنين الجزائريين جعلوا العالِم المغربي فردًا منهم، فذكروا في صفحاتهم «الفيسبوكية» وقنواتهم «اليوتيوبية»، على سبيل الافتخار، أن الرئيس الأمريكي يعيّن عالما جزائريا على رأس فريق لتطوير لقاح فيروس كورورنا!
وهذه الطرفة حلقة جديدة من بين حلقات أخرى يحاول فيها بعض الإخوة الجزائريين أن ينسبوا لأنفسهم ما (أو مَنْ) ليس لهم، بدءًا بالقائد الأمازيغي فاتح الأندلس طارق بن زياد، وصولا إلى أكلة «الكسكس».
ومن المستغرب حقا، التركيز على مسألة الجنسية بين شعبين، ما يجمعهما من روابط أكثر ممّا يفرّقهما من جزئيات. ولحسن الحظ أن ذلك النقاش محدود لدى فئة قليلة، وليس عامًّا.
بالعودة إلى العالم المغربي منصف السلاوي، يُلاحَظ أن هناك مَن تجاوز مسألة الانتشاء بتكريمه في واشنطن، فأخذ ينبش في سيرته، حتى عثر على قصة المنع الذي تعرضت له محاضرات كان يعتزم إلقاءها في جامعتي الرباط والدار البيضاء منذ سنين طويلة، حينما عاد من بلجيكا. وقيل إن المنع جاء على خلفية تشبّع السلاوي ـ الشاب حينئذ ـ بأفكار يسارية؛ شأنه في ذلك شأن العديد ممن مرّوا بالحركة الطلابية في المغرب وأروبا.
وقد ذكّرت قناة «شذى تي في» بهذه الواقعة، وهي تحاور نبيل بن عبد الله، أمين عام حزب «التقدم والاشتراكية» والوزير المغربي السابق الذي قدّم معطيات وافية في الموضوع، مشيرا إلى أن المنع جعل ذلك الشاب المحمّل بأحلام التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية يغادر البلاد وفي نفسه غصّة. لكن القيم التي يؤمن بها لم تتغير بالمطلق، مثلما صرح منصف السلاوي نفسه للقناة الثانية المغربية التي رافقت زيارة قام بها إلى عائلته في المغرب منذ عامين.

غضبة طبيب

أما السيد دونالد ترامب فلم يكفه «التطاوس» على الأرض، فرحًا بقرب إيجاد لقاح للفيروس، بل أمر أسرابًا من طائرات جيش بلاده بالتحليق فوق المدن الأمريكية، من أجل الرفع من معنويات الأطباء الساهرين على علاج المرضى والمصابين؛ وهو ما أثار سخرية قناة «الشرق» المصرية المُعارضة التي قالت إنه إلى غاية يوم الأحد، نُظّمتْ 92 رحلة استعراضية، كلّ واحدة منها تكلف 60 ألف دولار أمريكي للساعة، مما يجعل التكلفة الإجمالية لحدود أيام تصل إلى أكثر من خمسة ونصف مليون دولار، أنفقتها الحكومة الأمريكية، في حين أن الأطقم الطبية تستشيط غضبا.
أحد هؤلاء الأطباء بث فيديو، قال فيه: لا تحلقوا فوق المدن فقط من أجل استمتاع الناس بهذه الحماقات وتحسين صورة الرئيس، وفّروا الأموال التي تكلفها تلك الطلعات الجوية في اقتناء المعدات الطبية لنا!
لم يتمّ تكميم فم الطبيب لأنه انتقد الرئيس، ولم يشكك الأمنيون والقضاة والساسة في وطنيته وإخلاصه لبلاده، كما يحصل في جل البلدان العربية. قال كلمته وانصرف، لأنه في بلد ديمقراطي حقا!
درما رمضان
بعيدًا عن سيرة محارب «كورونا» وشطحات ترامب، يلاحظ أن المُشاهد المغربي أُتخمَ خلال شهر رمضان بالمسلسلات والأفلام التليفزيونية التي اختلط فيها الحابل بالنابل. ودون الدخول في عملية تقويم هذا العمل أو ذاك، فثمة ملاحظات عامة يمكن أن نسوقها حول تلك الأعمال:
ـ تكرار العديد من الوجوه في أكثر من إنتاج تلفزيوني، مما يحرم الكثير من الممثلين والممثلات من فرص العمل والإطلالة على الجمهور، وهو نهج يتعارض مع مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين مختلف العاملين في حقل التمثيل بالمغرب.
ـ إسناد بعض الأدوار إلى بعض أصحاب قنوات «يوتيوب»، بمبرر أنهم يتوفرون على قدر معين من المتابعات، والحال أن شروط العمل الإبداعي في المسلسلات والأفلام مخالفة تماما لشروط العمل في المجال الافتراضي.
ـ عدم مراعاة السنّ المناسب للشخصيات المتقمصة، فأحيانا تُسند أدوار نساء أو رجال متقدمين في السن لممثلات وممثلات ما زالوا شبابا دون إحداث أيّ تغيير على ملامحهم ووجوههم وهيئاتهم حتى يظهروا مناسبين لتلك الأدوار.
ـ التركيز على مدينة الدار البيضاء فضاء لأحداث الكثير من المسلسلات والأفلام، بينما يمكن تصويرها في مدن أخرى، للمساهمة في التعريف بها وبجمالياتها المتعددة.

القفة الرمضانية

من المشاهد المستفزة التي تتكرر سنويا في نشرات الأخبار التلفزيونية المغربية، تلك التي تُصوّر أناسا فقراء وهم يتلقون مساعدات غذائية بسيطة من لدن بعض الجمعيات والمنظمات الاجتماعية، حيث تُرافق الكاميرا أعضاء الجمعيات وهم يحملون قفّة تتضمن سكّرا وزيتا ودقيقا وشايا، ثم يشرعون في تسليمها إلى المحتاجين أمام منازلهم، وتصرّ الكاميرا على تسجيل انطباعات هؤلاء وفرحتهم بالقفة الرمضانية.
لا اعتراض على العمل الإحساني والتضامني، ولكن أليس من الضروري أن يجري بمراعاة شروط الكرامة الإنسانية، بدل تقديمه كنوع من المنّ والتفضل والاعتداد؟ ألا يمكن لتلك القفف أن توزع بدون تصوير وجوه الناس المساكين الذين تُقدَّم إليهم؟
أولا، لأن الدولة مطالبة بأن توفر العيش الضروري وشروط الحياة الكريمة لكافة المواطنين، من باب الواجب وليس التكرم والمنّ.
وثانيا، حتى إذا اعتُبر الأمر صدقة ومبادرة خيرية، فالمفروض أن تكون في السر، وليس بالتطبيل والتزمير. ألم تنص المرجعية الدينية على كتمان فعل التصدق، حتى لا يتحول إلى نوع من الرياء؟
الظاهر أن مثل تلك التقارير التلفزيونية المحتفية بالقفّة الرمضانية هي التي حفزت البعض على التقاط «سيلفيات» (صور شخصية) وهم يسلّمون صدقات لمحتاجين، ثم ينشرون الصور والفيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي. وكما كان الأمر مثيرا للسخرية لفنانة صوّرت نفسها وهي تسلّم كأس «يوغورت» لشخص فقير!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: