المغرب يترقب بداية جديدة لعهد تدفق الاستثمارات الأجنبية

تلقى مناخ الأعمال المغربي شهادة ثقة جديدة من المستثمرين الأجانب بفضل الاستقرار السياسي والاجتماعي، الذي يشكل حجر الزاوية في القفزات المتتالية لتدفق رؤوس الأموال الخارجية خلال الأعوام الأخيرة، وسط إصرار من الحكومة على تحويل أزمة الوباء إلى فرص تنافسية تحصّن الاقتصاد من الصدمات.

عزّز المغرب موقعه بين الأسواق التنافسية باختياره وجهة تنافسية جذابة ومثيرة للاهتمام بفضل مناخ الأعمال المستقر رغم جائحة كورونا، الأمر الذي يحفّز خطواته على تدشين عهد جديد من تدفق الاستثمارات الأجنبية.

وصنفت أوكسفود بزنس المغرب وجهة مهمة بالنسبة للشركات الصناعية الأوروبية التي تسعى إلى تكوين قاعدة إنتاج خارجية، ما من شأنه تمتين الشراكات بينه وبين الأسواق الأوروبية الباحثة عن قنوات استثمار أفريقية.

وأشارت المجموعة في تقرير حول “الأسواق التنافسية العالمية” إلى أن المغرب استطاع مواجهة الأزمتين الصحية والاقتصادية العالمية الراهنة، إذ دعم قدرته الصناعية بإنتاج المعدات الطبية المطلوبة ووسائل الوقاية كالأقنعة، التي تم تصديرها للخارج.

وقال هشام بودراع، المدير العام بالنيابة للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات إن بلاده تمكنت “من الحفاظ على أنشطة التصدير نحو دول الجوار خلال فترة الإغلاق، فضلاً عن حفاظها على عمليات التشغيل في القطاعات الرئيسية مثل الصناعات الغذائية والنسيج وصناعة السيارات”.

وتعتمد حكومات العالم استراتيجيات متعددة استعدادا لمواجهة الجائحة مستقبلا، وسيستمر الطلب العالمي على المنتجات الطبية في المدى المتوسط على الأقل، ما سيخلق فرصا جديدة لشركات التصنيع المغربية.

ويرى البعض أنه مع تراجع النشاط في العديد من الأسواق الناشئة ومن بينها الصين، بسبب الوباء، فإن الرباط بإمكانها دعم حظوظها الصناعية، لاستقبال طلبيات واستثمارات في مجال التصنيع الطبي.

ويؤكد الأمين العام للغرفة التجارية الإيطالية بالمغرب، أليساندرو بينازي، أن رد فعل السلطات المغربية كان سريعًا لمواجهة تفشي الفايروس.

وأشار في تصريحات صحافية إلى أن روما قررت دعم شركاتها بما في ذلك العاملة بالمغرب بنحو 716 مليون دولار لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء.

وأرغم الفايروس معدلات النمو في معظم البلدان على الانخفاض بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم

ويشير الخبير في معهد استراتيجية الأمن القومي بكوريا الجنوبية سو هيونغ لي إلى ثلاث ظواهر رئيسية ستظهر بعد الوباء وتشمل تعزيز الاستقلال الذاتي للبلدان منها المغرب، وزيادة الاعتماد على الذات، والاعتراف المشترك للمجتمع الدولي بضرورة التعاون الدولي من خلال نظام متعدد الأطراف.

ويقول الخبير الاقتصادي الأميركي هينه دينه، إن المغرب أمامه فرصة فريدة للاستفادة من التباطؤ الاقتصادي العالمي من أجل التموقع بين البلدان المنتجة للسلع المصنعة، لاسيما المعدات الطبية.

وأوضح الباحث في مركز أبحاث سياسات الجنوب الجديد أن ذلك ممكن بالنظر إلى الاضطراب الحاصل في سلاسل التوريد عبر العالم في خضم جائحة كورونا.

مجموعة أوكسفود بزنس البريطانية تصنف المغرب أحد أبرز الوجهات التنافسية الجذابة والمثيرة للمستثمرين

وتؤكد أوكسفود بزنس أن أزمة كورونا كانت لها تداعيات كبيرة على المواقع الاقتصادية العالمية، إذ دعت ثلاثة من بين أكبر أربعة اقتصادات في العالم إلى تشجيع الشركات علناً على تحويل عمليات التصنيع الخاصة بها خارج الصين كجزء من خطط تهدف إلى تنويع الصناعة العالمية، مما يمهد لظهور أسواق عالمية واعدة وتنافسية بديلة في غضون سنوات.

ويرى دينه أن “تكاليف الوباء على الاقتصاد، تبقى كبيرة”، لافتا إلى أن المغرب، وباعتباره بلدا مستوردا للطاقة، استفاد من انخفاض أسعار النفط.

ولكن أشار إلى أن التحويلات المالية والسياحة والنقل تعاني بسبب القيود المفروضة في مختلف بلدان العالم ومن اضطراب سلاسل التوريد.

وتوقع تقرير للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي المغربي بنسبة 2 في المئة خلال هذا العام بسبب كورونا، مقابل انتعاشه في العام المقبل بنحو 4 في المئة.

وأشار البنك، في أحدث تقرير للتوقعات الاقتصادية الإقليمية، إلى أنه من الممكن أن يستعيد الاقتصاد منحاه التصاعدي بفضل النمو المتوقع للقطاعات غير الزراعية، وخاصة قطاع التعدين، إذ أن المغرب يعد ثاني أكبر منتج للفوسفات بعد الصين.

وعزا خبراء البنك هذا الانخفاض إلى التراجع الحاد في عائدات السياحة، والتداعيات الناتجة عن إجراءات احتواء انتشار الوباء، إلى جانب المحصول الضعيف المحتمل، والركود الذي تشهده الاقتصاديات الأوروبية، فضلا عن انخفاض أسعار السلع الأساسية.

وتعتقد الخبيرة الاقتصادية السلوفينية، ميمي بودكريجنيك، أن الرباط نجحت في تحويل أزمة الوباء إلى فرصة لتطوير صناعتها وتحفيز اقتصادها.

وقالت إن “الحكومة المغربية جعل الأزمة الصحية فرصة اقتصادية لتعزيز مناخ الأعمال وتعبئة القطاع الصناعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المعدات الطبية في مواجهة الوباء”.

وتمكّن المغرب من تعبئة مصانعه لإنتاج المعدات والمستلزمات الطبية تشمل الكمامات الوقائية والقفازات، حيث تم توجيه صناعة النسيج لإنتاج الملايين من الكمامات وتم تصدير جزء منها إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: