كيف نظر المغاربة إلى كلمة “بلدنا” التي رددها منصف السلاوي وهو يقصد الولايات المتحدة؟

منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضي، رسميا، تعيين الخبير والبروفسور من أصل مغربي، منصف السلاوي، رئيسا للجهود الحكومية الأمريكية لتطوير وتوزيع لقاح فيروس كورونا، ساد نوع من البهجة والسرور في صفوف المغاربة الذين ارتفع لديهم منسوب الافتخار بهذه الكفاءة، خريج المدرسة العمومية المغربية.

وأبرزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قرار بيع منصف السلاوي كل أسهمه في شركة “مودرنا” التي كان عضوا مستقلا بمجلس إدارتها، والتي قطعت أشواطا مهمة في إيجاد لقاح للجائحة، بعدما وجهت له اتهامات بتضارب المصالح والتزامه بالتبرع بقيمة ارتفاع الأسهم منذ إعلان تعيينه إلى موعد البيع، والتي تقدر بـ2,4 مليون دولار، لصالح أبحاث مرض السرطان، كما أنه صرح سابقا بأنه لا يتلقى أي تعويض عن مهمته الجديدة في قيادة الجهود لإيجاد اللقاح قبل نهاية السنة.

وشغل السلاوي منصب الرئيس التنفيذي السابق لشركة “غلاكسو سميثكلاين”، وسيعمل رفقة جنرال أمريكي، من أجل قيادة الجهود الفيدرالية، بهدف تطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد في فترة زمنية قصيرة.

وقال السلاوي، بمناسبة تعيينه من قبل الرئيس الأمريكي، “إنه لشرف عظيم أن أحظى بفرصة لخدمة بلدنا الولايات المتحدة والعالم في إطار هذا المسعى الكبير”، مشيرا إلى أن “الأهداف التي تم تحديدها لقيادة هذا البحث العلمي تتميز بالوضوح والمصداقية” وأنه واثق من قدرة الفريق الذي يضم مشاركين من عدة مؤسسات فيدرالية، وبدعم من الجيش، وشركاء في القطاع الخاص، وجميعهم سيبذلون قصارى الجهد لتحقيق الأهداف المرسومة قبل نهاية السنة الجارية.

وأكد خبير علم المناعة المغربي أنه متفائل بإمكانية إيجاد لقاح لكورونا خلال الأشهر المقبلة “اطلعت على بيانات حديثة لإحدى التجارب السريرية بشأن اللقاح، ووصلت إلى قناعة واثقة بأنه ستكون ثمة إمكانية لتحضير مئات الملايين من الجرعات بحلول نهاية عام 2020، وسنقوم بأفضل ما يمكن بهذا الخصوص ولتحقيق ذلك”.

الا ان المغاربة الفرحين بتكليف ابن بلدهم في هذه المهمة توقفوا عند عبارة “our country” أو “بلدنا”، التي رددها السلاوي وهو يقصد الولايات المتحدة الأمريكية، لينقمسوا إلى طرفين، بين من يرى في الخبير أمريكيا من أصول مغربية فقط، باعتباره واحدا من الأدمغة التي اضطرت قسرا إلى الهجرة لإثبات كفاءتها في بلدان تقدر الكفاءات، وهو ما يسائل هجرة الأدمغة المغربية أمام تملص الدولة من مسؤوليتها تجاه البحث العلمي، وفريق آخر أكثر تفاؤلا يعتبر أن السلاوي مغربي رغم جنسياته المتعددة، وأن المغرب وإن “ظلمه” فسيكون على سلم أولوياته ليتوصل باللقاح أولا.

وقال عبد الله الترابي، الإعلامي بالقناة المغربية الثانية، في تدوينة نشرها عبر صفحته “لو افترضنا جدلا بأن منصف السلاوي استقر بالمغرب وأصبح أستاذا جامعيا، فكان سيصبح ربما في أحسن الأحوال أستاذا جيدا أو عميد كلية، ولكن ليس إلى الدرجة التي وصل إليها الآن”.

واعتبر الكاتب والناشط خالد البكاري أن عددا كبيرا من العقول من قبيل منصف السلاوي كان قدرها أن تدفن علميا باختيارها الاستقرار في المغرب، على اعتبار أن “الوصول إلى أعلى الدرجات العلمية ليس مرتبطا بالعبقرية فقط، بل بالمناخ العلمي (الجامعات والمختبرات وميزانيات البحث العلمي)”. ويضيف المتحدث “أكيد لدينا أدمغة لو توفر لها ما توفر لمنصف السلاوي خارج البلد لحققت ذاتها بشكل كبير”.

وأوضح البكاري أن المحزن في الحكاية ككل هو أن “هذه الأدمغة التي درست في بلدان الجنوب من الابتدائي حتى الإجازة، وهاجرت، ونجحت في دول الشمال، تستفيد منها دول وشركات كبرى في تعميق الفجوة العلمية، وفي استدامة التبعية، سواء في التكنولوجيا أو الدواء أو الغداء”.

و عن أحد أعضاء لجنة النموذج التنموي اعتباره أن مسألة هجرة الأدمغة ثابتة ولن تتغير، وليس منصف السلاوي إلا واحدا من الكفاءات المتعددة حول العالم بخصوص ما إذا كانت هجرة الكفاءات المغربية ستكون في صلب النموذج المنتظر، وفرنسا نفسها وبإمكانياتها الكبيرة تعاني من هجرة أدمغتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لأن مسألة هجرة الكفاءات مرتبطة أساسا بالدول القادرة على استقطاب الخبرات الكبرى.

وأضاف أن منصف السلاوي يملك كفاءات لم تكن مطلوبة في المغرب وقتها، والإشكال الحالي في المغرب هو كيفية جعل الجامعة المغربية تملك قدرة على استقطاب الكفاءات العالية، “طبعا لن نستطيع حاليا أن نضاهي الجامعات الأمريكية أو الصينية ولكن يجب أن نجد حلولا في هذا الشق، لأن هذه الكفاءات لن تكون متوفرة دائما، لكن يجب أن نحدد وقتا من السنة للاستفادة منها” لأن “هجرة الأدمغة ستبقى، وربما ستزيد تطورا، لأن حاجة الدول المتقدمة لتسيير بعض المجالات الدقيقة ستجعلها تستقطب كفاءات أكبر وأكثر”.

وكتب الدكتور المغربي المقيم في بلجيكا كمال المسعودي، في وقت سابق، أنه في أكتوبر 1986، “التحقت بجامعة بروكسيل لأتم دراستي في البيولوجيا الجزئية، وكانت كل الأشغال التطبيقية تقام بمركز لمختبرات البيولوجيا الجزئية الموجود على بعد حوالي 25 كلم خارج مدينة بروكسيل. كنت أجد صعوبة في التنقل خصوصا في المساء وقت العودة”.

وأضاف “في اليوم الثالث، عند خروجي من المختبر بمعية بعض الزملاء، منهم صديقي الدكتور محمد الشكري، الأستاذ بكلية الطب بفاس حاليا.. وجدنا شابا في الثلاثينيات من عمره آنذاك ينتظرنا عند الباب، اقترح علينا أن يوصلنا على متن سيارته إلى الحي الجامعي، ومنذ ذلك اليوم كان يتكلف بإيصالنا إلى الحي الجامعي الموجود ببلدية Ixelles”.

وتابع “بعد تعرفنا، أخبرنا أن اسمه منصف السلاوي، وأنه أنهى أطروحته في البيولوجيا الجزئية، تخصص المناعة، وكان يقدم لنا النصائح والتشجيعات.. حيث كنا نحن في بداية مسارنا لتحضير الدكتوراه.. وكان لديه حماس كبير.. وتعززت علاقتنا عندما علمنا أنه كذلك مناضل “أوطمي”، ومنشغل بحال الوطن. وأتذكر جيدا لما حكى لنا ما حدث له حين عاد إلى المغرب حاملا معه الدكتوراه وهو متحمس لخدمته، فتوجه نحو كلية الطب بالرباط، ليقترح عليهم أن يقدم محاضرة في اختصاصه بشكل تطوعي.. في البداية استحسنت المسؤولة عن الشعبة الفكرة، فحددت له تاريخ المحاضرة.. غير أنه يوما بعدها سيخبر منصف أن المحاضرة ألغيت، بدون أن يقدم له أي مبرر”.

وقال إن منصف كرر “نفس العرض مع كلية الطب بالبيضاء، وكان الصمت المطبق هو الجواب، وهذه الحادثة أردت أن أرويها اليوم لأني أتذكر الحسرة والأسف اللذين كان عليهما، وأتذكره يكرر: “لا أريد منهم المال ولا أي شيء، أريد فقط أن أفيد بلدي، والبيولوجيا الجزئية علم حديث ومهم للصحة العمومية، ويمكنني أن أقدم الكثير”.

وبعد ذلك بسنوات “ركن منصف السلاوي للعمل في المهجر، بعدما تبخرت كل أحلام العودة، كما تبخرت عند العديد من الذين تتبعوا مسارا مشابها”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: