العالم يرجح كفة الإقتصاد عن كفة المواطنين في مواجهة كورونا

كثر القيل والقال حول فيروس كورونا، وأصبح حديث العالم بأسره، بين من يعتبره مؤامرة صينية للتربع على عرش الاقتصاد العالمي، وبين من يعتبره فيروس صنع في المختبرات الأمريكية لضرب الاقتصاد الصيني، أما الفئة الثالثة تعتقد أنه فيروس نشأ جراء تكاثف عوامل بيئية وظواهر إنسانية غير طبيعية. أما عن الفرضية المتداولة بين صفوف بعض الباحثين في العلوم الإنسانية وعلوم السكان والأحياء وعلماء الاقتصاد و أنا منهم ، هؤلاء يعتقدون أن الأمر يتعلق بتصفية جماعية للإنسان غير النافع حسب اعتقادهم في الغرب، والأمر يتعلق بفئة العجزة وكبار السن الذين يشكلون عبئا كبيرا على ميزانية جل دول العالم المتقدم، والذين يدخلون ضمن فئة الشيخوخة.

وقبل شهرين مع بداية الوباء ، إتخدت جل دول العالم كل الإجراءات الإحترازية الضرورية لكبح إنتشار العدوى بين المواطنين و رغم ذلك ترتفع حصيلة الموتى كل يوم و في كل بقاع العالم ، و اليوم لم يتغير أي شيء ،و لازالت الظروف و المعطيات التي قرر من خلالها الحجر الصحي و مع ذلك رفع هذا الأخير و بدأ التعايش مع فيروس فتاك سيقضي على المسنين و المرضى و سيزهق أرواحهم في تجاهل تام للحكومات التي بات شغلها الشاغل هو إخراج إقتصادها من أزمة خانقة شلت كل القطاعات .

فالدول المتقدمة اليوم قررت و بدون خجل التضحية بمواطنيها أو بالأحرى تقديم العجزة و المسنين و المرضى على طبق من دهب للتخلص منهم نهائيا بما أنهم يعتبرون عالة على المجتمع في عين أصحاب القرار .فعجز الدول المتقدمة للقضاء على فيروس كورونا أجبرهم على المضي قدما للتعايش مع هذا الأخير بطريقة مناعة القطيع لأجل التصدي للوباء، رغم أن هذه الاستراتيجية تثيرُ جدلا كبيرا في الأوساط الطبية والسياسية.

وتقومُ سياسة القطيع على مبدأ السماح للناس بارتياد الأماكن العامة والتفاعل فيما بينهم، من دون إغلاق المحلات التجارية أو المتنزهات والشواطئ، أي أن السلطات تسمحُ بانتشار العدوى على نطاق معين.

والهدف من هذه الاستراتيجية هو أن يصاب الناس ويتعافوا حتى يكتسبوا مناعة ذاتية، على نحو تلقائي، و موت الآخرين الذين سيشكلون فئة كبرى من المسنين و المرضى ، و سيكتسب القليل و القليل هذه المناعة التي ستخول لهم العيش في زمن أصبحت الروح الإنسانية تقاس بالمال و الإقتصاد .

هذا حال بعض الدول التي إختارت هذا المنحى و جعلت منه حلا لتتظاهى عن فشلها ، في حين لازالت بعض الدول و التي بينت عن عزمها مواجهة هذا الفيروس بالقوة و العزيمة و بالعمل الجاد الذي برهن عليه كل المغاربة شعبا و ملكا .

فالحكومة المغربية لم تحدو حذو الدول الاوروبية التي تعيش اليوم حياة عادية مع انتشار الوباء بل مددت من فترة الحجر حتى العاشر من يوليو المقبل رغم تضرر إقتصاد البلاد بهذا الشلل ، إلا أن الأوامر المولوية رجحت كفة المواطنين عن الإقتصاد ، و هذا ليس بغريب عن ملك لطالما نوه بشعبه و بحبه لمواطنيه .

نعلم أن الحجر الصحي يشل من حركة المواطنين و يجعلهم محصورين في بيوتهم في إنتظار إستعادة حياة عادية و لكن الكثير من ينوه بالقرارات المأخوذة و التدابير التي جعلت رجال الأمن و رجال الصحة و غيرهم من الأجهزة الموازية يتحدون و يعملون يدا في يد للوصول إلى  شاطىء الأمان .

يعيش في العالم حاليا أكثر من 700 مليون شخص فوق الستين سنة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بحلول سنة 2050 إلى ملياري شخص، أي ما يعادل 20 في المائة من سكان العالم، وتحتضن الصين لوحدها قرابة 250 مليون شخص من فئة كبار السن، أما في أوروبا تبلغ نسبة الشيخوخة 20 في المائة حاليا، وفي إيطاليا لوحدها تجاوزت نسبة الشيخوخة 23 في المائة، ومن المتوقع أن تصل الشيخوخة سنة 2060 إلى 36 في المائة من مجموع سكان العالم.

تنفق دول العالم المتقدمة مليارات الدولارات على خدمات الرعاية الخاصة بالعجزة، حيث وصل حجم الإنفاق في بعض البلدان الأوروبية إلى ما بين 3و4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي

ويستهدف فيروس كورونا الأعضاء الحساسة للإنسان كالكبد والرئة وضعاف التنفس، ويصيب جهاز المناعة أيضا، وحسب الإحصائيات المتداولة حاليا فإن أزيد من 90 في المائة المصابين بفيروس كورونا هم من فئة كبار السن، هؤلاء كانوا يعانون من أمراض مزمنة من قبل، جعلتهم أكثر تأثراً بالفيروس. ولهذا تتوقع منظمة الأمم المتحدة، أن تكون الشيخوخة واحدة من أبرز التحولات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، حيث ستؤثر في جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك سوق العمل والأسواق المالية، والطلب على السلع والخدمات، مثل السكن والنقل والحماية الاجتماعية، فضلا عن البُنى الأسرية والروابط بين الأجيال.

وفي احتفالية للأمم المتحدة باليوم العالمي للمسنين 1 أكتوبر من كل سنة، كان موضوع اليوم العالمي لسنة 2019 هو “رحلة إلى المساواة بين الفئات العمرية”، وهذا العنوان يجب قراءة ما بين سطوره وخلفها لما يحمله من خطورة في حق هذه الفئة، وهي رؤية يروم تحقيقها سنة 2030، ومن بين أهدافها، التنبيه إلى وجود تفاوت مع فئة المسنين، الذي يعد نتيجة لتراكمات من ممارسات التهميش على مدار العمر، مما يبرز المخاطر المتصلة بزيادة التفاوت بين الفئات العمرية.

دقت الأمم المتحدة أكبر منظمة في العالم، ناقوس الخطر، حيث أكدت أن كبار السن في العالم أصبحوا أكثر عددا من الأطفال الصغار للمرة الأولى في التاريخ سنة 2018، ويقول جورج ليسيِن، مدير معهد أكسفورد للدراسات الخاصة بشيخوخة السكان، لـبي بي سي: “إن علم السكان يؤثر على كل جوانب حياتنا، ويكفي أن ينظر كلٌ منّا من نافذته، ليرى الناس في الشوارع، وليرى المنازل وحركة المرور، ومعدلات الاستهلاك، وكلها أمور تتأثر بهذا العلم”. ويطرح سؤالا جوهريا وهو كالتالي: هل ستساعد التكنولوجيا على تخفيف التأثيرات الاقتصادية لشيخوخة السكان؟

اقتصاديا، تنفق دول العالم المتقدمة مليارات الدولارات على خدمات الرعاية الخاصة بالعجزة، حيث وصل حجم الإنفاق في بعض البلدان الأوروبية إلى ما بين 3و4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ميزانية مرهقة جدا لهاته الدول، لذلك بدأت الدول الأوروبية تستغني عن الرعاية الرسمية، حيث تسعى إلى جعل الرعاية الأسرية غير الرسمية أكثر جدوى، حيث يعتقد أنها أكثر فائدة لكبار السن، كما أنها تقلل التكلفة الاجتماعية.

اعتقاد  بأن هناك خطة لتصفية فئة العجزة، والتقليص منها ما أمكن لما تشكله من عبء ثقيل على دول العالم، خصوصا وأن هناك مؤامرة تحاك في الخفاء منذ تجاوز سكان العالم خمس ملايير نسمة، والتي نرى بعضا مما تحقق منها كالحروب التي اجتاحت مختلف مناطق العالم وخلفت مئات الآلاف من القتلى، والإبادات الجماعية والتهجير القسري لملايين البشر حول العالم، تقيس جانبا من الصواب والواقعية. ولا شك أن النموذج الإيطالي الذي تأثر بجائحة كورونا، والتي تجاوزت فيها حالات الوفيات الثلاثة آلاف، والأغلبية الساحقة من المرضى كبار السن، في الدولة الأكثر احتضانا لنسب الشيخوخة في أوروبا، يقوي هذه الفرضية ويعطيها مصداقية ولو بعد حين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: