هل يقوّي كوفيد – 19 حظوظ اليمين المتشدد

مع بداية انتشار فايروس كورونا وفرض الحكومات تدابير وقائية لمواجهته، بدا الأمر كأنه يصب في صالح اليمين الشعبوي وشعاراته عن الحدود المغلقة والدولة القومية “المستقلة”، لكن مع تطور الوضع بدا أن السردية الشعبوية عاجزة عن طمأنة الناس الذين لجأوا إلى حكوماتهم بحثا عن حلول ودعموها في قراراتها رغم بعض الانتقادات.

تبدو اليوم القارة الأوروبية مثالية بالنسبة إلى اليمين المتشدّد حيث الحدود مغلقة وكلّ دولة من دول الاتحاد الأوروبي تتعامل مع الأزمة بطريقتها الخاصة وتُعنى بمصالح مواطنيها في المقام الأول، مع ذلك لا يبدو الوضع مثاليا للخطاب الشعبوي وللقوميين المتشددين.

وتقدم إيطاليا مثالا على هذه المفارقة، فرغم أن الوضع الراهن يمثل فرصة لزعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني لا تبدو الطريق سهلة حتى في ظل هذا الظرف الذي فرضه فايروس كورونا المستجد وغذّى مشاعر العزة الوطنية والخطابات الشعبوية والمشككة في الاتحاد الأوروبي.

يقول يوهانز هيلجي، المستشار السياسي المقيم في برلين، “هذه الأزمة ليست كأزمتي اليورو واللاجئين. في هاتين الأزمتين كان هناك عدو خارجي، لكنّ العدو الآن هو الفايروس، الذي ينتشر من الداخل. وهكذا فإن السردية الشعبوية الافتراضية -‘نحن’ ضد ‘هم’، و’القريب’ ضد ‘الغريب’- لم تعد تصلح بعد الآن”.

ويتوقع أن يستفيد سالفيني من هذه الأجواء إذ يسعى للعودة إلى السلطة متفردا بعدما حكم حزبه “الرابطة” إيطاليا ضمن ائتلاف لمدة عام حتى صيف 2019. وأظهرت استطلاعات الرأي وصول شعبية رئيس الوزراء جوزيبي كونتي إلى مستويات قياسية عند نحو 63 في المئة.

وقال أستاذ السياسة لدى الجامعة الدولية للدراسات الاجتماعية (لويس) في روما جيوفاني أورسينا إن “الضربة الاقتصادية ستكون قوية للغاية، هذا واضح. لكنها قد تكون شديدة للغاية فقط أو قد تكون شديدة بدرجة استثنائية”. وأوضح “إذا بدأ الناس يعانون بشكل جدّي، فقد ينتشر الغضب في أنحاء البلاد… إلى درجة تصبح معها دعاية اليمين المتشدد فعّالة للغاية”.

سجالات مريرة

إذا بدأ الناس يعانون بشكل جدّي، فقد ينتشر الغضب في أنحاء البلاد إلى درجة تصبح معها دعاية اليمين المتشدد فعّالة للغاية

فرضت الأزمة الصحية، التي أودت بأكثر من 22 ألف شخص في إيطاليا وأصابت نحو 169 ألفا معظمهم في شمال البلاد الأكثر ثراء، هدنة مؤقتة بين الأحزاب السياسية المتخاصمة. لكن مع بدء الاستعدادات لإعادة إحياء قطاعات من الاقتصاد، ظهرت ثغرات في الائتلاف الحاكم الهش أساسا والمكوّن من الحزب الديمقراطي (يسار وسط) وحركة خمس نجوم (المناهضة للمؤسسات).

واستأنف زعيم المعارضة سالفيني مهاجمة الحكومة إلى جانب جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب إخوة إيطاليا اليميني المتشدد الصغير الذي تزداد شعبيته بشكل كبير. واندلعت سجالات مريرة خلال الإغلاق الشامل الذي شلّ الاقتصاد ومدده كونتي ويتوقع أن يتم رفعه في الرابع من مايو.

والملايين من الإيطاليين إما مُنحوا إجازات طويلة الأمد أو خسروا وظائفهم بينما تبدو مناطق الشمال (معقل حزب الرابطة) متحمّسة لعودة الأنشطة التجارية. وسمح تأخّر إغلاق عدة معاقل للفايروس في منطقة لومبارديا، حيث العاصمة المالية ميلانو، بتفشي الفايروس وأثار خلافا بين الحكومة وحزب الرابطة اللذين اتّهما بعضهما البعض بالفشل في التحرّك.

وتعد حركة السردين التي يقودها الشباب وتأسست العام الماضي لمواجهة سالفيني، من بين عدة أصوات يسارية تدعو كونتي إلى تشكيل لجنة خاصة للنظر في الإدارة السيئة للأزمة في المنطقة. أما التداعيات الاقتصادية فتبدو هائلة؛ إذ يتوقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيطالي بنسبة 9.1 في المئة في 2020، في أسوأ تراجع خلال فترات السلم منذ نحو قرن. وأفاد الاتحاد العام للصناعة الإيطالية بأن كل أسبوع من الإغلاق يقضم 0.75 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي.

مع ذلك، تردد كونتي بشأن إطلاق المرحلة الثانية من تخفيف تدابير الإغلاق وسط نصائح كبار العلماء بشأن احتمال تفشي الوباء مجددا، ما أجبره على إيقاف اقتصاد البلاد ثانية. ولا شك في أنه يراهن على أن يدعم الاتحاد الأوروبي إيطاليا في جهود مواجهة الأزمة.

أقر وزراء مالية مجموعة اليورو حزمة إنقاذ بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة الدول الأوروبية الأكثر تأثّرا بالوباء، لكن بعض الإيطاليين يتخوّفون من الشروط التي قد ترافق خطوة التضامن الأوروبية هذه. ورفض الوزراء حتى الآن طرح بديل لمقترح إيطالي إسباني فرنسي لوضع آلية استدانة مشتركة اصطلح على تسميتها بـ”سندات كورونا” (كورونا بوند) لجمع الأموال اللازمة للتعافي بعد الوباء.

ومن شأن السندات المقترحة خفض تكاليف الاستدانة بالنسبة إلى إيطاليا، لكن دول شمال أوروبا تشير إلى أنها تساعد بشكل غير منصف دولا أنفقت على مدى سنوات بشكل يتجاوز إمكانياتها. وأثار الأمر سخط الكثير من الإيطاليين.

وشعرت إيطاليا كذلك بأنها تركت وحيدة في بداية الأزمة مع تردد الدول الأوروبية في مشاركتها الإمدادات الطبية التي كانت بحاجة ملحة إليها، وهو أمر اعتذرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين “بصدق”.

وأظهر استطلاع أجرته شركة تكني من التاسع حتى العاشر من أبريل أن نسبة الإيطاليين الذين قد يصوّتون لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في حال جرى استفتاء على الأمر ارتفعت بعشرين نقطة مئوية إلى 49 في المئة، مقارنة باستطلاع سابق جرى أواخر 2018.

وتتردد روما في استخدام حزمة الإنقاذ التي تتضمن قروضا من “آلية الاستقرار الأوروبية” العائدة إلى حقبة الأزمة المالية رغم أنه تم تخفيف الشروط المشددة المرتبطة بها لتطبيق إصلاحات اقتصادية ومالية. وتعيد الآلية ذكريات سيّئة لإملاء بروكسل السياسات على اليونان لدى إنقاذها، بينما أشار كل من سالفيني وميلوني إلى أن كونتي سيحرم إيطاليا من سيادتها في حال استخدم الحزمة.

ويشتكيان كذلك من أن التكتل يقدم لإيطاليا جزءا فقط من الأموال التي دفعتها للاتحاد الأوروبي ويجبرها على دفع الفوائد على هذه الأموال. وقال سالفيني “إنها سرقة”، متهكّما على الإشارة إلى أن بلاده حصلت على صفقة جيّدة عبر تخفيف الشروط المرتبطة بآلية الاستقرار. وأما ميلوني فقالت إن اللجوء إلى هذه الآلية “يناسب نظاما شموليا” وبمثابة “نقطة لا عودة للديمقراطية”.

وتأمل الحكومة في تحقيق نصر مهم في مسألة السندات المشتركة لتمويل إعادة البناء خلال لقاء عبر الفيديو لقادة الاتحاد الأوروبي الخميس المقبل، ما قد يجعلها تتجنب استخدام آلية الاستقرار. وناشد رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق أنريكو ليتا عبر تويتر كلا من بروكسل وبرلين وباريس “عدم تقليل أهمية الإحباط المتنامي حيال أوروبا” من قبل الإيطاليين.

مشكلة جدية

Thumbnail

لا تبدو مشاكل كونتي محصورة في اليمين المتشدد فحسب. وفيما يبدو الحزب الديمقراطي ميالا إلى استخدام آلية الاستقرار، يبدو تكتل من حركة خمس نجوم معارضا للأمر حتى أن زعيم الحزب فيتو كريمي قال إن حكومة كونتي تبدو على المحك جراء ذلك.

ويقول محللون إن رئيس الوزراء يراهن على الحصول على المزيد من المساعدات المغرية من قبل الاتحاد الأوروبي إذا ماطل في قبول آلية الاستقرار. وذكر كونتي أنه لن يتخذ أي قرار قبل وضع الشروط الواضحة بحيث تتم دراستها في البرلمان. وشددت روما على أنها ستستخدم موارد أخرى معروضة من الاتحاد الأوروبي، مثل دعم البطالة. لكن من غير الواضح ما إذا كانت تأكيدات كونتي ستفضي إلى تخفيف حدة عدم الرضا داخل حكومته وخارجها.

ويوضح المحلل السياسي ستيفانو فولي أن شرخا من قبيل ذاك الذي نراه الآن لدى الغالبية الحاكمة “كان ليسقط الحكومة في الأحوال العادية”. وبحسب ما كتب فولي في صحيفة “لا ريبوبليكا” يبدو كونتي مضطربا “بشكل متزايد” في الأسابيع الأخيرة في حين يتزود خصومه بالذخيرة السياسية جراء “معالجته المتواضعة للحالة الطارئة”.

ويشير أورسينا إلى أنه “إذا كان لديك بلد مضطرب جدا جدا، لا يمكن السماح لسالفيني وميلوني بتأجيج النيران”. وأوضح “تخاطر بمشكلة جدية: نسب تأييد سيئة جدا للحكومة في استطلاعات الرأي، تظاهرات في الشوارع، أناس يسرقون من المتاجر وبلد غاضب”.

وأفاد أورسينا بأن خيار كونتي الوحيد في هذه الحالة سيكون تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تضم رابطة سالفيني وحزب ميلوني على الرغم من أن مثل هذا الخيار “سيكون عملية معقدة للغاية”. وأردف “لا أعتقد أنه سيكون بإمكان كونتي على الأرجح الاستمرار” بهذا الشكل. ولكن الجميع لا يُظهرون القدر ذاته من التشاؤم.

وقال المعلق في صحيفة “لا ستامبا” أوغو ماغري إنه من غير المتوقع أن يمضي سالفيني أو ميلوني قدما بخطط مواجهة كونتي الآن لأنهما سيكونان موضع لوم في حال أدت المناورة السياسية إلى إبطاء أو إعاقة إجراءات تخفيف الإغلاق. وكتب “لن يتم المس بكونتي سياسيا طيلة المرحلة الثانية، أي حتى الخريف”.

وبينما يعتقد زميل ماغري، المحلل ماسيمو فرانكو، أن القوى الإيطالية المناهضة لأوروبا يمكن أن تكسب على المدى القصير، إلا أنه عبر عن اعتقاده بأن الإيطاليين سيدركون قريبا أن صلتهم بأوروبا “ضرورية ومهمة بشكل متزايد”، مضيفا أن “مشكلات مثل الأوبئة تتطلب جهودا خارج النطاق الوطني. وعلى الرغم من كل شيء، فإن أوروبا تبذل ما بوسعها من أجل إيطاليا”.

ويشير الخبراء إلى أن ما يحدث مع الشعبويين في إيطاليا يتكرر مع غيرهم في بقية أوروبا، والعالم، حيث يواجهون معضلة جديدة إذ التف الناخبون بشكل كبير حول المسؤولين الحكوميين والخبراء لإرشادهم خلال هذه الأزمة، ما أفقدهم الأضواء التي لطالما كانوا يعتمدون عليها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: